الصادق الرزيقي

عهد ترامب ..!


طوت الولايات المتحدة أمس صفحة الرئيس السابق باراك أوباما، وفتحت صفحة جديدة مليئة بالمحاذير والتوقعات المتشائمة هي عهد الرئيس دونالد ترامب الذي أدى اليمين الدستورية أمس، ولكن التاريخ بلا شك سيذكر لباراك أوباما وفترته التي أحدثت انقلاباً في السياسة الأمريكية تجاه بعض القضايا في العالم، وقاد أكبر وأقوى دولة في العالم وسط ظروف دولية معقدة جعلت الكثير من الغاضبين عليه يصفونه بالضعف وعدم القدرة على التعاطي مع قضايا ظلت على مر السنوات من لبنات وركائز الأمن القومي الأمريكي ، وعندما يذكر في العقود الأخيرة أن لكل رئيس أمريكي حربه، فإن أوباما خالٍ الوفاض من هذا اللقب، رغم أن ما حققه في مجال مكافحة وتصفية خصوم الولايات المتحدة يفوق أسلافه جميعاً خاصة تصفية زعيم القاعدة أسامة بن لادن والعديد من قيادات القاعدة وداعش والتنظيمات التي توصم بالإرهابية في اليمن وأفغانستان والعراق ليبيا وسوريا . وحافظ أوباما على شعبيته وحب الشعب الأمريكي له طوال فترة حكمه حتى مغادرته، وكانت شعبيته في يوم انصرافه أعلى بكثير جداً من الرئيس الجديد ترامب، وما يميز عهد أوباما إنه طفرة في سلسلة التجارب الرئاسية الأمريكية فهو أول رئيس أسود يصل البيت الأبيض وحقق إنجازات في الداخل الأمريكي منها وقف تداعيات الأزمة المالية العالمية وإنقاذ الاقتصاد الأمريكي بالإضافة الى الإصلاحات الخدمية والاجتماعية .

> دونالد ترامب، لن يحمل تركة مثل التي تركها له أوباما، فهي لن تكون بأي حال من الأحوال بوزن وحجم التوقعات والظنون والمخاوف التي تراود الأمريكيين والعالم من عهد ترامب المحفوف منذ أيام ترشحه وخطاباته الانتخابية بالخطر. فالرئيس الجديد أعلن مسبقاً عن توجهاته وآرائه الحادة التي أثارت ولم تزل، قلقاً أكبر لدى حلفاء الولايات المتحدة قبل أعدائها .

> ولسنا في حاجة للتذكير بأن العالم في عهد عهد ترامب لن يكون كما كان، فالقضايا الدولية التي تنتظره ليست بأقل من القضايا الداخلية الأمريكية التي ستقف أمامه، فمع عظم حفل التنصيب الضخم الذي شهدته واشنطن أمس بشكل لم يكن مسبوقاً بهذا الشكل من الاحتشاد والاتحاد وشبح الانقسام، إلا أن المشاعر والانطباعات المختلفة حول الرئيس ترامب وما سيفعله ستتوالى مواجهاتها ولن تقف عند حد يجعل منها مجرد مخاوف، فأوقات صعبة للغاية تنتظر العالم كما يقول القادة والسياسيون والمحللون في كل مكان، نظراً للقدرة الفائقة للرئيس الجديد على إثارة الشعور بالاضطراب والخوف لما كان مخبوءاً تحت لسانه ، في مقابل ذلك يقول البعض إن ممارسة الحكم من منصة رئاسة الولايات المتحدة أمر مختلف عن التحدث عنها في الانتخابات وقبل دخول البيت الأبيض والجلوس في المكتب البيضاوي .
> إذا كان الكل ينتظر ترامب وما سيفعله، فإن الجميع أيضاً يدركون حقاً ما الذي سيُقدم عليه، لقد قال كل ما عنده توعد ووعد، تحدث وأفاض ، أشعل غضب واضطراب الأوروبيين ، أقلق مضاجع الأقليات في بلاده والمهاجرين ، أطلق أفكاراً وتعهدات لا يتفق عليها حتى عتاة المتطرفين والمناصرين للكيان الصهيوني بنقل سفارة بلاده الى مدينة القدس المحتلة وهو ما لم يحدث في كل العهود الرئاسية السابقة، نظراً لحساسية نقل السفارة وتأثيرها عل مسارات حل القضية الفلسطينية.

> قد ألقى ترامب خطابه الأول في حفل تنصيبه كأنه مُصلح ثوري ضد الطبقة السياسية والنخبة الحاكمة في واشنطن، موجهاً خطاباً دقيقاً عاطفياً للشعب الأمريكي مليء بدغدغة المشاعر، غير أنه يحتوي على حقائق صادمة في الحياة الأمريكية، وهو جزء كبير من ما كان يقوله في حملته الانتخابية، وكأنه تخلى عن شعاراته ودعواته السابقة ضد الأقليات ليتحدث عن شعب واحد ووجدان أمريكي متحد وعن أن قسمه هو لكل الأمريكيين.

> موعظته الاقتصادية حول وضع الاقتصاد الأمريكي وانهيار الصناعة وفقدان الطبقة الوسطى، كرر فيها ما سبق وأن قاله وهو مرشح ، لكن أطلق شعاره الأثير حول أمريكا أولاً وحماية الحدود من المهاجرين وسرقة الوظائف وتحول الصناعات الى الخارج وحماية الصناعة الأمريكية لتوفير الوظائف وإعادتها واستعادة الثروة الأمريكية وحلمها وبناء طرق جديدة وجسر ومطارات ومحطات قطارات .
> وأهم وأخطر ما قاله ترامب ،هو عزمه على مواجهة التطرف الإسلامي والقضاء عليه من على وجه الأرض ..! وهي عبارة فضفاضة يمكن تأويلها وتفسيرها ، دون أن يقول الكثير عن أزمات العالم الأخرى وتقاطعات النفوذ الدولي .
> لكن .. خطاب ترامب في حقيقته كان موجهاً ضد الطبقة السياسية الأمريكية وصب جام غضبه عليها ووصف أحاديث السياسيين بالكلام الفارغ لأنهم يقولون ولا يفعلون شيئاً .. ودعا المواطنين الأمريكيين لعدم الاستماع إليهم، ولم يقل شيئاً كثيراً للعالم سوى عبارات وإشارات عامة، جل ما قاله موجه للداخل الأمريكي .. خارجياً كان التطرف الإسلامي هو همه الأول .. من يعش عهد ترامب سيرى عجباً..!!

الصادق الرزيقي – أما قبل
صحيفة الإنتباهة