مقالات متنوعة

رقابة أم فسحة


* في الوقت الذي ينتظر فيه أبناء الهامش والمدن القريبة زيارة أصغر وفد برلماني للوقوف على مشاكل ومآسي المواطنين، وبينما يموت المواطنون (موت الضان) بشرق السودان والجزيرة وبالخرطوم جراء الإسهالات المائية المعروفة باسم (الكوليرا)، وبينا ننتظر خطوة جادة من البرلمان في زيارة مؤسسات حكومية وإجراء تفتيش واسع عليها للقضاء على الفساد المستشري، يفاجئنا البرلمان وخلال عطلته البرلمانية، بتنفيذ جولات (خارجية تفتيشية)، لـ10 سفارات سودانية كبرى في أوروبا وأفريقيا وآسيا وأمريكا، بحجة مراجعة أوضاع البعثات الدبلوماسية والوقوف على أدائها.

* قمة السفه والانحطاط الإداري، والخرف السياسي من نواب يفترض أنهم نواب المواطن، ولكنهم في حقيقة الأمر مجرد (نواب للمؤتمر الوطني)، يبصمون بالعشرة على كافة قراراته، وينالون ثوابهم مخصصات وحوافز ونثريات وتذاكر سفر من جيب المواطن.
* فهل قام البرلمان السوداني بحملات تفتيش داخلية في الوزارات والمؤسسات الحكومية التي ضربتها براكين الفساد بالداخل، حتى يسافر منسوبوه في ظل الأزمة المالية الطاحنة ليتقصى ويتحرى عن عمل السفارات بالخارج؟.

* وماذا يستفيد المواطن العادي من تفتيش السفارات أو فسادها إن وجد أو نزاهتها وهو فاقدا للدواء والرغيف والماء الصالح للشرب؟
* البرلمان فشل في تفقد طلاب المدارس الذين عجزوا عن تناول وجبة الفطور في عدد من مدن السودان بعد تفاقم أزمة الخبز مؤخراً، وبدلاً عن ذلك بدأ يبحث عن عمل سفارات لا تعني تلاميذ وفقراء السودان في شئ.
* لم نسمع يوماً بسفر وفد برلماني لمناطق النزاعات في جبال النوبة والنيل الأزرق ودارفور، ولا حتى معسكرات النازحين ليقف على حجم المأساة التي يعيشها مواطنو تلك المناطق في الأمن والمأكل والمشرب، حتى يخرجوا علينا ببدعة تفتيش السفارات ميممين وجههم شطر القارات؟

* وأنا أتحدث مع إحدى قريباتي أمس وفي أثناء نقاشنا عن سفر السفه البرلماني، علمت أن هناك مجموعة مكونة من 150 شخصا ًمن الجنسين من سكان الإمارات، خصصوا ميزانية لمياه الشرب بالمدارس بعد أن مرت عليهم عدة حالات مؤلمة، منها مدرسة الجرافة للبنات أساس والتي تضم أكثر من 1200 تلميذة، كل هذا العدد مصدر المياه بالنسبة له ماسورة واحدة فقط ولسنوات، فأقام هؤلاء المغتربون من أصحاب الإمكانات والضمائر الحية العشرات من برادات المياه بخزاناتها وعشرات المواسير في عدد غير قليل من مدارس بالعاصمة، فما بالك بالولايات؟

* هل قام نواب البرلمان بدورهم الرقابي للوقوف على مشكلة العطش بالمدارس بالولايات والعاصمة؟
* مئات المغتربين يبعثون بعشرات الشنط والترنكات محملة بالملابس المستعملة للأيتام إلا أن سلطات الجمارك تقوم بمصادرتها ولا أحد يعلم أين تذهب بعد ذلك رغم حاجة الملايين من المحتاجين لأي قطعة قماش؟ فهل تصدى البرلمان للجمارك وقنن دخول المعونات لمحتاجيها؟

* البرلمان من الأساس لم يأت لخدمة أي مواطن، بل جاء في غالبيته تعظيما لشعيرة الولاء للوطني، ومن الطبيعي أن يوافق الوطني على أي طلبات (مادية) لنوابهم، وتمويل هذه الرحلات الهايفة ما هي الا مكافأة قيمة لما ظل يقدمه البرلمان للحكومة وهو يسردب أمام قراراتها المخجلة، ومثل هذه الرحلات مجرد رحلات ترفيهية مغلفة بغلاف (الرقابة)الفاشلة سلفاً.
* سيزورون السفارات بالخارج وسيقضون وقتهم في بروتكولات وهمية وستختتم زياراتهم بونسات وولائم في أفخم المطاعم ومشتروات من السوق الحرة والأسواق المختلفة، ولن نسمع عن أي قرار سلبي أو إيجابي لهذا الوفد.
* من يدلنا على قرار واحد وقف فيه البرلمان لجانب الشعب، له جائزة تذاكر سفر مجانية من الشعب لمرافقة الوفد في جولاته الخارجية، لنرى حجم الفائدة التي سيجنيها من (حملات التفتيش المزعومة).

بلاحدود – هنادي الصديق
صحيفة الجريدة