سياسية

السودان… طبقية التعليم تؤثر على فرص التوظيف


مع بداية العام الدراسي الجاري، نشب خلاف بين إدارة مدرسة الاتحاد وأولياء أمور الطلاب الدارسين فيها بالعاصمة السودانية الخرطوم؛ بسبب زيادة الرسوم الدراسية من 46 ألف جنيه (نحو 7 آلاف دولار وقتها) إلى 54 ألف جنيه للعام الدراسي الجديد، وحسماً للخلاف تدخّل فرح مصطفى وزير التربية في الولاية، وأصدر قرارا بإلغاء زيادة الرسوم.

وفي تصريحات صحافية، حذر ياسر ميرغني الأمين العام لجمعية حماية المستهلك السودانية المدارس الخاصة الأخرى من فرض أي رسوم تخالف قانون التعليم الخاص ولوائحه، وطالب أولياء الأمور بعدم الامتثال لقرارات الزيادة ما لم تكن مبررة وبموافقة مجلس آباء التلاميذ.

قبل خواتيم عام 2016، نفذ أولياء أمور مدرسة الاتحاد العليا في الخرطوم وقفة احتجاجية عقب انتهاء اليوم الدراسي، وندّدوا بصفع مديرة المدرسة لممثلة الأمهات بمجلس الآباء لاعتراضها على طرد أكثر من 50 تلميذاً من المدرسة بحجة عدم سدادهم القسط الثاني من الرسوم.

أثارت هذه التطورات المؤسفة بمدرسة الاتحاد التي يعود تأسيسها إلى عام 1902 جملة من الأسئلة حول إصرار بعض الأسر السودانية على إرسال أولادها إلى المدارس الإنكليزية المرتفعة التكاليف بدلا عن المدارس الحكومية.

أسباب ودوافع
يقول الدكتور متوكل الفادني الخبير في الإدارة المدرسية لـ “العربي الجديد”: “الدافع وراء إرسال بعض الأسر أطفالها لهذا النوع من المدارس هو جودة التعليم فقط، وبعضها من أجل تجويد اللغة الإنجليزية في فترة مبكرة من حياة أطفالهم وبعضهم للحصول على الشهادة الإنكليزية لأن خطتهم إرسال الأولاد للدراسة الجامعية في الخارج، أما أبناء الدبلوماسيين فهؤلاء يريدون ضمان استمرار أولادهم في ذات النوع من التعليم حال انتقالهم خارج السودان”.

الدافع وراء إرسال بعض الأسر أطفالها لهذا النوع من المدارس هو جودة التعليم فقط، وبعضها من أجل تجويد اللغة الإنجليزية في فترة مبكرة من حياة أطفالهم وبعضهم للحصول على الشهادة الإنكليزية لأن خطتهم إرسال الأولاد للدراسة الجامعية في الخارج

ويضيف الفادني: “هناك نحو 50 مدرسة إنكليزية في الخرطوم، وهي تهتم في أغلبها بتدريس المنهج الإنكليزي IGCSE وقليل منها يدرّس البكالوريا الدولية IB، وبالنسبة للطلاب فهم في الأصل من فئة الأثرياء المقتدرين، لأن رسومها الدراسية عالية، كبار الموظفين والتجار ورجال الأعمال والمغتربين الذين عادوا من أجل الدراسة والاستقرار الجزئي في السودان ومنهم أبناء الدبلوماسيين السودانيين والدبلوماسيين الأجانب العاملين في سفارات بلادهم في الخرطوم.. القاسم المشترك بينهم الوضع المادي الممتاز والرغبة في توفير تعليم عالي الجودة لأطفالهم”.

بعيدا عن مدارس أرياف السودان التي تعاني من مشكلات أساسية في إجلاس الطلاب والكتاب المدرسي وتوفر فصول دراسية للطلاب ووجود فريق متكامل من المعلمين، يعقد الفادني مقارنة أخرى بين المدرسة الخاصة الإنكليزية والمدارس الحكومية النموذجية بالعاصمة السودانية الخرطوم، يقول: هناك أكثر من وجه للمقارنة، فمن ناحية المساحة المدارس الحكومية أوسع أما المدارس الإنكليزية عبارة عن فلل أنيقة ومجهزة، ولكن تفتقد عنصر المساحة. وبين المدارس الدولية هناك تفاوت أيضا بينها في الوسائل والمقدرات المقدمة للطالب والمدرس، ولكن في المجمل بيئتها لا تقارن بالمدارس الحكومية.

أما بالنسبة للطلاب، وهنا مربط الفرس، فقد لوحظ أن عددا كبيرا من طلاب هذه المدارس جاء من أسر غير مستقرة، فهي إما تعاني من طلاق أو من مشاكل وخلافات مزمنة بين الأبوين، مما يجعل هذا الطالب لا يشعر بالانتماء لأسرته وارتباط الطالب بالهوية والثقافة والعادات السودانية ضعيف جداً، وتعمق المدرسة هذا الوضع بتركيزها على الجانب الأكاديمي بطابعه الثقافي الإنكليزي الكامل، فهو عاما بعد عام يتعمق في الثقافة الإنكليزية ويبتعد أكثر عن ثقافته السودانية. كما أن هناك مشكلات سلوكية خاصة في وسط طلاب الثانويات تتصل بالاقتدار المالي، مثل تعاطي المخدرات، وهذه منتشرة في بعض المدارس.

طبقات
يضيف كمال أحمد الأستاذ السابق بعدد من المدارس الإنكليزية لـ “العربي الجديد” قائلا “إن امتلاك الطلاب لشهادة IGCSE يفتح أمامهم المجال للالتحاق بالجامعات الأجنبية، وكما أن بعض الجامعات الخاصة السودانية مثل جامعة العلوم والتكنولوجيا “جامعة مأمون حميدة” وغيرها أصبحت تستخدم اللغة الإنكليزية لغة للتدريس بعد تعريب الجامعات في السودان وأصبح خريجو هذه المدارس يلتحقون بهذه الجامعات، مما جعلهم يشكلون طبقة اجتماعية لها ملامحها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية”.

بعد نجاحنا في امتحان الشهادة الثانوية المؤهل للالتحاق بالجامعة فوجئت أنا القادم من الأقاليم بأن أغلبية الطلاب المقبولين بكلية الهندسة هم من ولاية الخرطوم ومن مدارس مخصوصة، ومن سخريات القدر وجدنا أنفسنا أقلية في مجتمع سوداني مختلف حتى إنهم كان يطلقون على أمثالي (The Others) الآخرون

وبكلمات ممزوجة بالألم يحكي أويس محمد عن ذكرياته أيام دراسته الجامعية لـ “العربي الجديد”: “بعد نجاحنا في امتحان الشهادة الثانوية المؤهل للالتحاق بالجامعة فوجئت أنا القادم من الأقاليم بأن أغلبية الطلاب المقبولين بكلية الهندسة هم من ولاية الخرطوم ومن مدارس مخصوصة، ومن سخريات القدر وجدنا أنفسنا أقلية في مجتمع سوداني مختلف حتى إنهم كان يطلقون على أمثالي (The Others) الآخرون، ولعله وصف صادق رغم مرارته، فكل طلاب كليات الطب والهندسة والصيدلة لم يعودوا يأتون من الأقاليم أو المدارس الحكومية العادية، بل حتى من الأسر السودانية متوسطة الحال، إلا فيما ندر”.
يقرأ فخري محمود (متخصص في مجال الموارد البشرية) لـ “العربي الجديد” التطبيقات المباشرة للتفاوت في فرص التعليم على فرص التوظيف، يقول: “بحكم خبرتي في مجال الموارد البشرية في الشركات، من الطبيعي أن تفضل الشركات توظيف الشباب الذين حصلوا على تعليم جيد ويجيدون اللغة الإنكليزية، وفي القطاعات ذات الصلة بالتسويق والعمليات التجارية يدخل عامل آخر وهو المظهر الخارجي، وهذه في الغالب تتمتع بها فئة من قطاعات المجتمع، وقد لاحظنا أنه في حالة الأسرة الكبيرة الممتدة نجد أبناءها موزعين بين عدة شركات كبيرة، مما يجعل تلك المؤسسة تحمل طابعا اجتماعيا وثقافيا متشابها وهذا سيؤثر في تعيين الموظفين الجدد واختيارهم، لأنه لا بد أن يكونوا من ذات المجموعة الاجتماعية ومقاربين لها ثقافيا.

يضيف كمال أحمد “والأمر نفسه ينطبق على القطاع العامل في المنظمات الدولية في السودان والسفارات الأجنبية في الخرطوم، ليس هناك إحصاءات دقيقة، ولكن أغلبهم جاء من هذه الخلفية وتخرج من هذه الجامعات”.

يستدرك كمال رغم كل هذا لا يمكن الاستغناء عن هذا النوع من التعليم لعجز الدولة عن توفير بديل مناسب له، ولكن الواجب الانتباه لمآلاته ومعالجة آثاره الاقتصادية والاجتماعية مبكراً.

العربي الجديد


تعليق واحد

  1. من عمايل الإنقاذ قبجها الله من هلوا علينا و برنامجهم الإنقاذي ذات النظرة العميقة في حال الشعب السوداني و حاولوا ينقذوه من براثن الجهل و المرض ما سمعنا بتعليم خاص لا علاج خاص قبل كدة اللهم عليك بيهم