تحقيقات وتقارير

كتبْن أسماءهن في دفاتر الصمود نساء المهن الهامشية.. قوّة تتحدَّى الصعاب


يعملن في مهن تسمى بالهامشية، يجنين اليسير من المال الذي ينفقنه على أطفالهن، يعانين في صمت نبيل، يرفضن رفع راية الاستسلام للظروف، نستطيع التأكيد على أنهن بحسابات المال فقيرات ولكنهن يمتلكن أنفساً عامرة بما هو أغلى وأقيم حيث القناعة والرضاء بالمقسوم الممزوج بالطموح المشروع، بعضهن كبيرات في السن وأخريات مازلن في أعمار الشباب، إذن تتعدد قصصهن غير أن الثابت هو كفاحهن من أجل “لقمة شريفة”.

منى السر سردت قصتها مع الفقر ورحلتها مع العمل وقالت إن والدها توفي وهي بنت السابعة من عمرها فحملت والدتها الراية وأنابت عن والدهم الراحل في تربيتهم كانت تكد وتسعى في طلب الرزق الحلال طوال ساعات اليوم بعد أن عملت بائعة في أحد أسواق الخرطوم، وتقول منى إن والدتها قاومت إصابتها بثقْب في القلب حتى لا تتوقف مسيرة كفاحها في تربيتهم، وتلفت إلى أنها وحينما تمكّن المرض من والدتها وألزمها السرير الأبيض لم يكن أمامها خيار بخلاف أن تودِّع مقاعد الدراسة وفي عينها دمعة وقلبها حسرة حتى تحمل الراية. وتقول: في ذلك العمر الصغير توجَّهت نحو كوافير تمتلكه امرأة -تصفها بالفاضلة لأنها حينما علمت بقصتها منحتها مبلغاً من المال والحقتها بالعمل معها. تقول منى السر إن العمل في النظافة مرهق غير أنه لا خيار أمامها غير مواصلة رحلة الكفاح لتربية أخواتها الأربع.

أما عبير علي فقد كانت ميسورة الحال لأن زوجها كان يعمل بمغلق لتشاء الأقدار أن يدخل في شجار مع أحدهم ويسدد زوجها طعنة إلى خصمه وعلى إثر ذلك يقضي عقوبته بالسجن، وتقول عبير إنه ترك لها خمسة من الأبناء أكبرهم في الصف الثاني الثانوي ولم تجد أمامها بعد أن ساءت حالتها غير إخراجهم من الدراسة لعدم قدرتها على مواجهة تكاليف مشوارهم الأكاديمي، وكشفت عن أن أبناءها توزعوا على مهن هامشية مثلما تفعل هي وذلك حتى يتمكنوا من توفير ما يسد رمقهم.

أما رماح إدريس التي تعمل بائعة شاي بسوق اللفة فقد قالت لـ(الصيحة): “عملت في هذه المهنة لمدة 4 أعوام نسبة لظروفي الأسرية القاهرة ورغم ذلك تعرضت للعديد من المشاكل في عملي منها مضايقة الشباب وكبار السن وفي بعض الأحيان حدوث شجار مع الزبائن هذا بخلاف الاتهامات المشينة التي تصاحب مهنتنا هذه، فلم أجد أمامي غير أن أتركها وذهبت للعمل بأحد المنازل بالحي بمرتب مغرٍ لكن مع الأسف في يوم خرجت الأم وابنتها فلعب الشيطان في ذهن الصبي وحاول أن يأخذ أعز ماتملك الفتاة ولكني رفضت فضربني وعند حضور الأم أخبرتها بما حصل ولم تصدقني وتم طردي من العمل واليوم أنا عاطلة للأسف”.

أما ليلى عمر التي تعمل بالتجارة في الملبوسات الأطفالية فقالت: “توفي زوجي وترك لي ولداً وبنتين وبعد وفاته تغيَّرت العلاقات مع أهل زوجي بصورة كبيرة حتى أنهم لا يسألون عن الأبناء فخرجت للعمل، وبدأت ببيع الشاي فلم أجد منه الفائدة وعملت أيضاً فرَّاشة في مدرسة ولم أجنِ منها أيضاً فائدة، فاتجهت للعمل في بيع الملابس ولكن للأسف الشديد نتعرض للمضايقات من المحلية كما يوجد من يشتري بالديْن ولا يفِ بالسداد، وكانت الطامة الكبرى حينما سرق لص من منزلي كل الملابس التي أتاجر فيها وتبلغ قيمتها خمسة آلاف جنيه ولم يراعِ أنني امرأة فقيرة تعاني ابنتي من مرض السكر”.

وتحكي علوية الرشيد لـ (الصيحة) قصتها الغريبة قائلة: “تزوّجت وأنا صغيرة في السن من رجل اختاره لي أبي ولم أستطع الرفض وقتها وبعد الزواج بسنة تقريباً اتضح أنني حامل فقال لي زوجي ليس هذا وقت للإنجاب حتى أنه اقترح أن أجهض الطفل فرفضت فخرج ولم يعد، وحينما دقت ساعة الحقيقة وأدركت أن علي العمل بدأت بوظيفة خادمة بمنزل امرأة تعاني من مرض وهي جليسة السرير وفجاة عاد زوجي إلا أن خلافاً دب بيننا كان حداً فاصلاً لعلاقتنا الزوجية ومنذ ذلك الحين أعمل في بيع العطور البلدية حتى أتمكن من تربية ابني”.

الخرطوم: آيات عثمان
صحيفة الصيحة