تحقيقات وتقارير

بلغت 88 جامعة وكلية الجامعات الخاصة.. مهرب الراسبين أم مقصد الطامحين؟


كشفت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي عن ارتفاع عدد الجامعات والكليات الخاصة التي تبلغ 88 مؤسسة تعليمية، في وقت أزاحت فيه النقاب عن عدد الجامعات الحكومية التي وصلت إلى الرقم 36، تتوزع على كل ولايات البلاد، هذا التفاوت الكبير في عدد الجامعات الحكومية والخاصة تتباين حوله الآراء، حيث يرى خبراء أن هذه المعادلة مختَّلة، وتوضح أن تنامي معدلات التعليم الجامعي الخاص مؤشر سلبي يشي بحدوث تراجع نسبي في الإقبال على الجامعات الحكومية، غير أن تياراً آخر ينظر لهذه القضية من زاوية مختلفة، حيث يعتقد أن عدد الجامعات الحكومية ظل يشهد ارتفاعاً متواصلاً منذ العام 1991، ويعتقد أصحاب هذا الرأي أن الجامعات الحكومية ما تزال تتمتع بخاصية جذب طلاب الثانوي للكثير من العوامل، على رأسها المكانة الأكاديمية المرموقة التي تحتلها عدد من الجامعات الحكومية على المستوى العالمي.

وما بين هذا وذاك، وقفت “الصيحة” في المنتصف وتقصّت أسباب تفاوت العدد بين الجامعات الحكومية والخاصة.

حقائق راسخة

وقبل الخوض في تفاصيل هذا التفاوت بين أعداد الجامعات الحكومية والأهلية، لابد من الإشارة إلى حقيقة تاريخية هامة لا يمكن تجاهلها، وذلك لأنها تدعو للفخر والإعزاز، وتؤكد مدى ريادة التعليم الجامعي في السودان، الذي تشير أوراق التاريخ إلى أنن يعتبر من أوائل الدول العربية والأفريقية التي صدرت تشريعات خاصة بالتعليم العالي غير الحكومي، مثل قانون تنظيم التعليم العالي والبحث العلمي، وقوانين الجامعات، وأمر تأسيس كليات التعليم الأهلي والأجنبي.

ومن المعلوم أن التعليم غير الحكومي في السودان جاءت بدايته أهلياً، ولم يكن وقتها يهدف إلى تحقيق أرباح، حيث تم إنشاء أول كلية غير حكومية في العام 1966، وهي الأحفاد التي تحولت لاحقاً إلى جامعة متخصصة في تعليم البنات، ثم تم إنشاء جامعة أمدرمان الأهلية، وبحسب إحصاءات وزارة التعليم العالي، فإن مؤسسات التعليم العالي من حيث توزيعها الجغرافي أصبحت الأهلية منها أكبر عدداً من الحكومية، غير أن 90% موجودة في العاصمة، عكس الجامعات الحكومية التي تغطي كل ولايات البلاد.

وكان المجلس القومي للتعليم العالي والبحث العلمي أصدر لائحة تنظم فيما بعد مؤسسات التعليم العالي الخاصة عام1991م، ركزت بدورهاعلى استصحاب طبيعة التعليم الخاص، وإنشاء إدارة عامة بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي لتكون الذراع التنفيذية للجنة.

حكومي أقرب للخاص

يعتقد كثيرون أن التعليم الحكومي لم يعد كما كان رغم حدوث توسع كمي غير مسبوق في تاريخ السودان الحديث، ويشيرون إلى أن الجامعات الحكومية لا تختلف عن الخاصة كثيراً، خاصة فيما يتعلق بالرسوم التي تفرض على الطلاب عند التسجيل، ويلفتون إلى ان الجامعات الحكومية تحوي نظاماً قريب الشبه من الجامعات الخاصة ويستهدف رفع الإيرادات، وذلك عن طريق القبول الخاص وشهادة الدبلوم في التخصصات المختلفة، حيث تفرض على الطلاب رسوماً لا تختلف في رأيهم عن الجامعات الخاصة، وتمثل إيرادات الدبلومات (44%) من جملة الإيرادات الذاتية للجامعات الحكومية، بالإضافة إلى القبول الخاص الذي يمثل بين (25 ــ 70%) من الإيرادات الذاتية للجامعة، وتبلغ نسبة تحصيل القبول الخاص حوالي (90%)، وهو من المصادر المهمة لتمويل الجامعات ويعتبر حجر الأساس للتمويل، وتعتمد عليه الجامعات اعتماداً شبه كامل في تمويل مشاريع البنيات الأساسية واستبقاء الأساتذة وغيرها من المشاريع.

احتياجات

الدكتور عبد العال حمزة ــ باحث ومختص في شؤون التعليم العالي ـــــ قال: مع تزايد احتياجات العملية التعليمية سعت الجامعات لإيجاد مصادر تمويل ذاتية وإضافية لتعينها في الإيفاء باحتياجاتها مثل الرسوم الدراسية، ونجد الرسوم المفروضة على الطلاب متفاوتة وفقاً لنوع القبول ونوع الدراسة المقدمة، وتشمل الرسوم الدراسية القبول العام، والتعليم المستمر، والدراسات الإضافية، والدراسة على النفقة الخاصة والدراسات العليا.

ومن الملاحظ أن الدراسة على النفقة الخاصة والدراسات العليا حققت مورداً للجامعات الكبيرة، حيث تمثل الرسوم الدراسية نسبة (90%) من الإيرادات للجامعات، وقد استفادت الجامعات من الرسوم في حل كثير من مشاكل تسيير عملها، وتلاحظ هناك تغيير في الرسوم الدراسية من عام لآخر، وهذا يرجع إلى ارتباط سعر العملة السودانية بالسوق العالمي مثل الدولار واليورو، مع العلم أن التضارب الواضح بين التوسع في التعليم والخدمات الأخرى، وبين الضغوط المالية كلها تؤثر على نوعية التعليم خاصة وأن الوضع الاقتصادي العام في دول العالم الثالث يمر بظروف صعبة عموماً، ونجد أيضاً كثيراً من الطلاب ليست لديهم المقدرة على دفع نفقات تعليمهم الجامعي نسبة للظروف المتغيرة، ونجد هناك تعاملاً غير لائق من بعض الجامعات والكليات يتمثل في منع الطالب من الدخول لحرم الجامعة وحرمانه من الجلوس للامتحان وغيرها من الأساليب وكلها تعتبر أساليب غير تربوية وأخلاقية، ويجب أن تتضمن سياسة التعليم العالي تمكين أي طالب مؤهل من الالتحاق بأية كلية بغض النظر عن إمكانياته المادية، لذلك تلجأ المؤسسات التعليمية لفرض رسوم دراسية ورسوم تسجيل لتغطية جزء أساسي من عملية التمويل، وتعزى الزيادة لاستثناء بعض الفئات من سداد الرسوم الدراسية.

أفضلية الخاصة

ترى الطالبة بجامعة الخرطوم هبة محمد أن الجامعات الخاصة أفضل بكثير من الجامعات الحكومية من حيث الخدمات والبيئة والمعامل حتى في نوعية الكورسات التي تدرس للطلاب، موضحة أن الجامعات الحكومية وخاصة جامعة الخرطوم تحمل اسماً فقط، وأضافت: كيف لجامعة عريقة أن تدرس طلابها باللغة العربية، وجامعة خاصة أخرى تدرس طلابها باللغة الإنجليزية، مناشدة إدارة التعليم العالي أن تعيد النظر فيما يخص الجامعات الحكومية.

عراقة واعتراف

إلا أن زميلها الطالب عبد العزيز يخالفها الرأي، ويؤكد أن الجامعات الخاصة تمتاز على الحكومية بعامل واحد وهو الانضباط، ويشير إلى أن الجامعات الحكومية تتفوق في كونها عريقة وأقوى في المحتوى الذي يُدّرس للطلاب بالإضافة إلى أن شهادتها معترف بها داخلياً وخارجياً، مستدلاً بنسبة القبول التي قال دائماً ما تكون مرتفعة للجامعات الحكومية، أما الأهلية فهي مادية وتقبل الطالب دون أن تعطي اهتماماً للنسبة.

تكامل أدوار

سألت مدير جامعة كردفان الدكتور أحمد عجب الدور عن تفاوت الأرقام بين الجامعات الحكومية والخاصة، فأشار إلى أن عدد الجامعات الأهلية لا يفوق الحكومية، وأن الجامعات الخاصة لا تتجاوز خمس عشرة جامعة فقط، ويعتقد في حديث لـ(الصيحة) بأهمية التعليم الأهلي الذي اعتبره مكملاً للعملية التعليمية بصفة عامة، ويعترف بأن التعليم الجامعي الحكومي لا يقدم خدماته التعليمية مجاناً نسبة للمتغيرات التي شهدها التعليم الجامعي، وأقر بأنه لا يهدف من الرسوم والقبول الخاص الربح، ولكن لتسيير العمل،و يؤكد أن التعليم الجامعي الأهلي لا يأتي خصماً على الحكومي، بل يعتبر مكملاً له، ويكشف أن الجامعات الخاصة والحكومية تستوعب 16% من الفئة العمرية التي يُفترض أن تكون داخل قاعات الدرس بالجامعات، ويرى أن هذه الحقيقة تحتم المضي قدماً في زيادة مواعين التعليم الجامعي بشقية الحكومي والجامعي، ويرى أن الفرق بين التعليم الأهلي والخاص يتمثل في أن التعليم الأهلي ليس ربحياً، ويرتكز بشكل أساسي على المساهمة الشعبية فقط. ويقول إن التعليم الخاص هدفه الأساسي تحقيق أرباح وذلك لأنه مملوك لأفراد وشركات، ويعتقد أن الجامعات الحكومية تمضي في ازدهار لم يشهده السودان من قبل، ويلفت إلى أن معظم محليات البلاد توجد بها كليات تتبع جامعات حكومية، عادّاً هذا الأمر إيجابياً يصب في تنمية المجتمعات وتوفير الخدمة التعليمية الجامعية للطلاب في المكان الذي يرغبون الدراسة فيه، ويرى أن ثورة التعليم العالي أثبتت نجاحاً منقطع النظير، ويعتبر ارتفاع عدد الطلاب المقبولين خير دليل.

الخرطوم تتفوق

وفي ذات السياق، أكد الأستاذ بجامعة جوبا، الدكتور عمر عبد العزيز، أن سياسات التعليم الأهلي والحكومي مختلفة في حد ذاتها من حيث المناهج والأسس التعليمية، موضحاً أن التعليم الأهلي غالباً ما يلتحق به الطلاب الذين لا يجدون فرصة في الحكومي، مبيناً أن التعليم الأهلي خدمي بنسبة عالية وربحي بنسبة قليلة جداً، لأن المؤسسات التعليمية من حيث خدماتها للطلاب من معامل ومطابع وغيرها تتطلب ذلك، وقال إن السبب الرئيسي في تمركز مؤسسات التعليم العالي وتحديداً الخاصة على العاصمة دون الولايات بسبب الكثافة السكانية، وأيضا ضعف القدرة المالية الضعيفة بالولايات، ويشير إلى أن وجود معظم مؤسسات التعليم الخاص بالخرطوم تأتي أيضاً لتوفير الخدمات والبنيات التحتية بالإضافة إلى أن الأساتذة الجامعيين يفضلون العمل في العاصمة، مؤكداً أن التعليم الجامعي الخاص يتفوق على الحكومي من حيث الخدمات التعليمية كالمعامل الحديثة وغيرها، ويضيف: أما الحكومية فهي متفوقة من حيث العراقة والاسم، وعدد الأستاذة فيها يكون كبيراً جداً، نافياً أن يكون اسم الجامعة سبباً لنيل الخريج الوظيفة، وقال إن التوظيف لا علاقة له بالجامعة، بل بالدرجة التي أحرزها الخريج وقدرته على عبور المعاينات والامتحانات التي يخضع لها عند التقديم للوظيفة، وقال إن الخريج الذي يعمل على تطوير إمكانياته عقب التخرج بغض النظر عن الجامعة التي درس فيها فإن حظوظه في العمل تكون وافرة.

جودة ومعينات

ويجيب الأستاذ بجامعة القضارف الدكتور محمد المعتصم أحمد موسى على سؤالنا حول ارتفاع عدد مؤسسات التعليم الجامعي الخاص، ويشير إلى أن التصديق لكل خاصة أو أهلية لا يتم إلا بعد أن تستوفي الشروط التي تحددها وزارة التعليم العالي، وقال إن هذا يعني أن المقرر التعليمي فيها يأتي متسقاً مع موجهات الوزارة وربما مطابقًا لما هو موجود في الجامعات الحكومية، ويرى أن التزام الكليات الخاصة بالشروط يضمن لها الاعتراف.

ويعود ليجيب على تساؤلنا، ويشير إلى أن زيادة عدد الجامعات الخاصة والأهلية يعود إلى أنها أكثر مرونة من الحكومية.

مضيفاً: الجامعات الأهلية تريد أن تثبت وجودها في سوق الجامعات الخاصة، لذلك فهي تلتزم بالضوابط والشروط أكثر من الجامعات الحكومية، وذلك من خلال جودة التدريس والبيئة الجامعية، أما عن المواد التي تدرس لطالب الجامعة الحكومية والخاصة أكد أنها لا تختلف عن بعضها إنما هي مضبوطة بمواصفات عالمية، وأردف: مثلاً كتب الطب في السودان تستجيب لمواصفات كتب الطب الأوربية، وهذا ينطبق على الجامعات الخاصة والحكومية، مؤكداً أن جميع مديري الجامعات السودانية هم أعضاء في اتحاد الجامعات العربية، موضحاً أن وزارة التعليم العالي تُخضع الجامعات الخاصة لذات شروط الجامعات الحكومية.

امتياز وتفوُّق

أما الدكتور منتصر الأستاذ بكلية الآداب بجامعة الخرطوم، فقد أرجع زيادة عدد الجامعات والكليات الخاصة إلى عدد من الأسباب من ضمنها جودة التعليم والبيئة العامة، مؤكدأ في حديث لـ(الصيحة) أنها باتت مرغوبة من قبل الطلاب، وذلك لوجود الكثير من المحفزات التي تدفع الطالب لرفع كفاءته الأكاديمية، ولفت إلى وجود سبب آخر يتمثل في التعليم الخاص بات يمثل استثماراً حيقيقيًا يدر على صاحبه أموالاً مقدرة، لذا فإن أصحاب المال لجأ بعضهم بحسب الدكتور منتصر إلى الاستثمار فيه بتقديمهم خدمة تعليمية جيدة تتفوق في بعض الجامعات والكليات الخاصة على الخدمة المقدمة بالجامعات الحكومية.

الصيحة


‫2 تعليقات

  1. مهرب الراسبين ومفصد الطامحين وتجميع اموال الداقسين ومنبع العاطلين وسواقين رقشات مؤهلين