الطيب مصطفى

جنوب السودان أم دولة الدينكا؟!


تصر حكومة جنوب السودان على المراوغة زاعمة أنها طردت الحركات الدارفورية المسلحة وقطاع الشمال من أرضها بينما هي في الحقيقة تستنجد بتلك الحركات السودانية لكي تخوض لها حربها ضد المقاتل والمعارض الشرس د. رياك مشار.

اقرؤوا من فضلكم المانشيتات التالية التي صدرت بها بعض الصحف خلال الأيام القليلة الماضية لكي تستبين لكم الحقيقة:

الصيحة: (جوبا تستنجد بـ(العدل والمساواة) و(قطاع الشمال) لاسترداد ود دكونة).

الإنتباهة: (جوبا تأمر قطاع الشمال بالقتال في أعالي النيل).

إقول إنه وقد اشتعل إقليم أعالي النيل بولاياته الثلاث وسقطت مدن كبرى في أيدي قوات مشار، فقد اضطرت حكومة الدينكا التي يقودها سلفاكير من جوبا إلى الإقرار بصورة غير مباشرة بأنها لم تطرد حلفاءها من الحركات المسلحة السودانية من الجنوب بعد أن اضطرت إلى الاستعانة بهم لخوض معاركها ضد خصومها من القبائل الأخرى بما فيها النوير والاستوائيون المنتفضون ضد هيمنة الدينكا.

قلنا مراراً إن جوبا أعجز من أن تطرد تلك الحركات المتمردة، أولاً لعدم قدرتها على ذلك، وثانياً لأن القرار الجنوبي لم يعد موّحداً بعد أن تعددّت مراكزه، ذلك أن هناك عدة تيارات داخل حكومة جوبا لكل منها رؤية تختلف عن الآخرين حول كيفية التعاطي مع المشكلات التي تمسك بخناق جنوب السودان الذي يعاني من الحروب وتفاقُم المشكلات والفشل في إدارة الدولة.

مشكلة الدينكا بقيادة الرئيس سلفاكير والذين يحكمون الجنوب الآن بالحديد والنار ويمارسون على القبائل الأخرى أبشع عمليات التطهير العرقي والإبادة الجماعية، إنهم يعيشون بين فكّي كماشة، ذلك أن التمرّد الشمالي بقيادة النوير ينازعهم في حقول النفط الذي يشكّل مصدر إيراداتهم الوحيد والموجود في ولايات أعالي النيل الكبرى، كما أن التمرد الجنوبي يُطبق عليهم من قِبل القبائل الإستوائية سيما وأن حكومة الدينكا تحكم من (جوبا) عاصمة الإستوائية التي حاولت حكومة سلفاكير أن تنتقل منها إلى عاصمة جديدة سمّوها (رامشيل) تقع في منطقة مأهولة بقبيلة الدينكا، ولكن تفاقمُ الصراع وخواء الخزانة حال دون ذلك.

مما يفاقِم المشكلة أن القبائل الإستوائية لها امتدادات في دول الجوار، وفشلت كل محاولات ترويضها وإخضاعها أو استرضائها، ولا يزال الإستوائيون يذكرون بمرارة وجروح غائرة يصعب دملها تصفية بعض قياداتهم الثائرة مثل المقاتل الشرس بيتر سولي الذي قُتِل بمؤامرة دنيئة من الرئيس اليوغندي موسيفيني الذي يصر على حشر أنفه في الشأن الجنوبي، وما مصرع الجنرال جورج أطور أو حتى جون قرنق الذي يعتبر الرئيس اليوغندي بالتعاون مع سلفاكير أكبر المتَّهمين بقتله عنا ببعيد.

حكومتنا السنية لا تزال تتذرع بالصبر واضعة في الاعتبار الرقابة الأمريكية التي تطلب منها أن تكف يديها بل تطلب دوراً أكبر من الخرطوم في إيجاد حلٍّ لمشكلة الحرب المحتدِمة في جنوب السودان، بالرغم من أن الثقات من المراقبين يعلمون أنه لا حل لمشكلة الدولة الجديدة إلا بتقسيمها إلى ثلاث دول أسوة بما فعله الرئيس نميري حين عدَّل اتفاقية أديس أبابا المُبرمة عام 1972 استجابة لطلب جوزيف لاقو المنتمي إلى قبيلة إستوائية مستضعفة هي المادي لينهي خضوع الجنوب لقبيلة واحدة هي الدينكا وسلطة مركزية واحدة في جوبا، وليقسّمه إلى أقاليم ثلاثة هي أعالي النيل والإستوائية وبحر الغزال.

مما لفت نظري وأسعدني بحق أن حكومة السودان لم تكتفِ بالطلب إلى حكومة سلفاكير طرد الحركات السودانية المتمرِّدة بما فيها قطاع الشمال من جنوب السودان إنما طالبت كذلك بتغيير اسم (الجيش الشعبي لتحرير السودان).

أفلحت الحكومة وهي تفعل ذلك إذ أنه لَمن المستفز بحق، والله العظيم. أن تظل دولة جنوب السودان ترفع شعار (تحرير السودان) حتى بعد أن ذهب الجنوب وأهله باختيارهم و(فرزوا عيشتهم) منا.. نعم، إنه لَمن المستفز فعلاً أن تسعى حكومة الجنوب وحزبها الحاكم إلى (تحريرنا) بالرغم من أنها تعاني من الجوع والمسغبة ويعيش الملايين من أفراد شعبها، بمن فيهم المستضعفون من قبيلة الدينكا، في بلادنا هرباً من جحيم الحرب والموت وبحثاً عما يسد رمقهم ويسد جوعتهم.

بالله عليكم أليس من الغريب والعجيب بحق أن تقوم دولة الجنوب بإيواء الحركات السودانية المسلحة وتدعمها بالسلاح بالرغم من أن السودان التزم بعدم دعم المعارضة الجنوبية ثم أليس مما يفقع المرارة ويفري الكبد أن تتربص بنا وتُعلن على رؤوس الأشهاد أنها تسعى (لتحريرنا) رغم أنها تتضوَّر جوعاً وتعجز عن إطعام وإيواء شعبها الذي تشن الحرب عليه وتقتله تقتيلاً؟!

لذلك فإني لأطلب من وزير الخارجية غندور أن يواصل الضغط باتجاه تعديل اسم الحزب أو الحركة الحاكمة في الجنوب وجيشها ليكون هدفهم تحرير دولتهم من الخوف والجوع وليس تحرير دولة أخرى هي السودان.

صدّقوني إنه لمن الخطأ الفادح أن تسمي الحركة الشعبية بلادها باسم (جنوب السودان) بعد أن فارقتنا بطوعها واختيارها لأنه لمما يسيء إليها أن تنسب بلادها إلى بلاد أخرى، فهلا أعادوا النظر في اسمهم هذا واختاروا اسماً يُعبِّر عنهم بدون الانتساب أو الانتماء إلى السودان أو أي بلد آخر؟

الطيب مصطفى
صحيفة الصيحة


تعليق واحد