منوعات

كيف تغير خصائص شخصيتك لتعيش حياة هادفة؟


خصالك الشخصية لا يجب أن تقف عائقًا أمام تحقيق طموحاتك من أجل تحسين حياتك.

حقق بريان ليتل، أحد كبار الخبراء في علم النفس المعني بتحليل الشخصية، شهرة واسعة من خلال المحاضرات التي يلقيها في مجال تحليل الشخصية.

وربما لو شاهدت ليتل، الأستاذ بجامعة كامبردج، في محاضرته الأخيرة في مؤتمر التكنولوجيا والترفية والتصميم، المعروف اختصارًا باسم (تيد)، التي حققت ملايين المشاهدات، ستجد محاضرًا يتميز بأسلوبه الأخاذ وسرعة البديهة يأسر عقول الحاضرين.

ولعلك ستظن أن ليتل شخص مُنفتح، فهو ليس بارعًا في حديثه فحسب، بل يستمتع بتوجيه خطابه للحاضرين أيضا. لكن في الواقع، لا يخفي ليتل أنه شخص انطوائي.

وربما ستجده بعد دقائق معدودة من الانتهاء من كلمته التي ألقاها أمام الناس منفردًا بنفسه خلف باب أحد المراحيض، التي يصفها في كتابه “أنا ونفسي ونحن” الصادر سنة 2014، بأنها من بين “الأماكن التي يلجأ إليها ليستعيد معنوياته”، بعد التظاهر بأنه شخص منفتح.

ويقول ليتل مفسرا إنه يمكنه أن يصبح منفتحا إذا أراد ذلك، لأنه يتبني “أنماطًا سلوكية عكس أنماطه السلوكية الحقيقية لبعض الوقت”، على حد وصفه، من أجل تحقيق “مشروعات شخصية” ستجلب الكثير من النفع للآخرين.

ويعد مشروع ليتل الشخصي في هذه الحالة هو تعريف طلابه والآخرين بقيمة علم نفس الشخصية بأسلوب جذاب.

ويرى ليتل أن هذه السمة لا ينفرد بها عن غيره، بل كلٌ منّا لديه القدرة على التصرف بشكل مغاير لسلوكه المعتاد بدافع تحقيق هدف شخصي مهم ومفيد.

وقد عكف ليتل وزملاؤه لسنوات طوال على دراسة كيفية تحطيم القيود التي تكبلنا بها خصالنا الشخصية الدائمة لكي نعيش حياة أسعد.

ولكي تفهم بحث ليتل، استقطع بعض الدقائق من وقتك لكتابة مشروعاتك، أو أهدافك، الشخصية الحالية، التي قد تكون على سبيل المثال، إنقاص الوزن، أو تحسين طريقتك في تربية حيوانك الأليف، أو تأليف كتاب.

وليس من الضروري أن تسهب في كتابة الأهداف، بل اكتب خطوطًا إرشادية فقط، وأغلب الناس يكتبون نحو 15 هدفُا.

يستطيع الإنطوائيون أن يصبحوا منفتحين لبعض الوقت وفقا لتجارب العديد من الأشخاص

والآن تأمل كل هدف على حدة للحظات قليلة، وتحديدا فكر في أهمية كل مشروع وماذا يعني لك؟ وإلى أي مدى يتوافق مع شخصيتك وقيمك، وهل سيجلب لك السعادة أم الضغط والإحباط؟

وتأمل أيضا الأسباب التي جعلتك تضع هذا المشروع، وما إن كان سيشاركك فيه أحد أم ستقوم به بمفردك، ومدى التقدم الذي حققته فيه حتى هذه اللحظة، وهل أنت واثق من أنك ستكمل المشروع إلى النهاية؟

وتصنف هذه الأسئلة ضمن الأبعاد الخمسة الرئيسية التي يقيسها تحليل المشروعات الشخصية، وهي الهدف، والقدرة على التحقيق، والتواصل (مع الأخرين)، والمشاعر السلبية، والمشاعر الإيجابية.

والآن ركز على عدد قليل من المشروعات الأكثر نفعًا والتي لا تتعارض مع قيمك أو هويتك. وهذه المشروعات يُطلق عليها المشروعات الجوهرية، والتي ربما تؤثر على سعادتك وصحتك.

ويقول ليتل في كتابه “أنا ونفسي ونحن”، إذا تعرفت على أهدافك الجوهرية ستزداد قوة وعزما، لأن المشروعات التي تضعها لنفسك تعكس إنجازاتك في الحياة، فضلًا عن أنها دائمة التغير، على عكس الخصال التي تميزك كشخص عن غيرك من الناس فحسب.

ولهذا عليك أن تتخيّر المشروعات الصحيحة، وحاول أن تحققها بالطريقة المناسبة، وبهذا ستثري حياتك بالمشروعات النافعة، وستشعر بالسعادة والرضا.

كيف تؤثر مشروعاتك على حياتك؟

كلما شعرت أن مشروعاتك الشخصية قابلة للتحقيق، أصبحت أكثر سعادة. وفي الواقع، اكتشف ليتل أن شعور المرء بالثقة بأنه قادر على تحقيق المشروع كفيل بجلب السعادة والرضا للشخص مهما قلت أهمية الهدف من وراء المشروع.

وبعبارة أخرى، فإن الشعور بالعجز عن تحقيق مشروع شخصي أساسي من أكثر مسببات الإحباط. وقد أثبتت نتائج الدراسات أن انخراط المرء في مشروع شخصي يصيبه بالإحباط والتعاسة قد يكون أشد تأثيرًا على صحة الإنسان وسعادته من عوامل أخرى مثل الفقر.

ولهذا من الأفضل أن تضع مشروعا رئيسيا واحدا أو أكثر على أن يكون بوسعك تحقيقها والمداومة عليها، وأن تحقق من وراء هذه المشروعات الكثير من الأهداف الشخصية، التي تعكس الأمور التي تمثل لك أهمية في الحياة.

يرى بعض الخبراء أن شعور المرء بالثقة بأنه قادر على تحقيق مشروعاته الشخصية بجلب له السعادة والرضا

وقد خلصت بعض الأبحاث إلى نتائج أخرى كثيرة يجب أن تؤخذ أيضا في الاعتبار، منها أن المشروعات التي تضعها لنفسك ستثابر على تحقيقها وتستمتع بها على الأرجح، إذا كانت لديك مبرراتك الخاصة لتنفيذها، ولا تنفذها فقط لترضي شخصا آخر، على سبيل المثال.

ومن المرجح أن يشعر المتزوجون والمتحابون بالسعادة معا إن كانوا يشتركون في بعض المشروعات الشخصية المماثلة.

والعجيب أنك بملاحقة مشروعاتك الشخصية ستحطم القيود التي تكبلك بها خصالك الشخصية، وهذه الميزة تحديدا ستعود عليك بالنفع. فقد أوضح بحث جديد أن الانطوائيين من أمثال ليتل يستمتعون بأداء دور المنفتحين لتحقيق مآربهم الخاصة أكثر مما يظنون.

ورغم ذلك، يحذّر ليتل من أن التظاهر بالانفتاح أو الانطواء قد يخلف آثارا سلبية على الشخص مع مرور الوقت، ولذا يجب أن يخصص الشخص لنفسه مكانا خاصا يعود فيه إلى حالته الطبيعية، مثل اختلاء الانطوائي بنفسه بعد مخاطبة الجمهور، أو اجتماع الشخص المنفتح مع الأخرين بعد يوم من الدراسة بمفرده.
أعد صياغة خططك

بعد أن تعرفت على هذه المعلومات، أعِد النظر في ملاحظاتك وقيّم مشروعاتك الشخصية. هل وجدت أن هناك مشروعات لم تحقق فيها تقدما ملموسا؟ أو تسبب لك الكثير من الضغوط وتشعر أنها تستعصي على التنفيذ؟

إن أجبت بنعم على أي من هذه الأسئلة، وكانت هذه المشروعات التي تنطبق عليها هذه الإجابات لا تحقق الكثير من الفائدة، أو ليس لها أهمية كبيرة، ربما يجدر بك أن تسقطها من حساباتك.

وفي المقابل، إذا كانت المشروعات المتعثرة ضرورية أو مهمة، فلعلك تعرفت الآن على أحد مصادر تعاستك في الحياة. وإذا توقف أحد المشروعات على هذا النحو، ينصح ليتل باتباع أساليب عديدة لتحقيق بعض التقدم نحو إنجازه، منها إعادة صياغة المشروع ليصبح قابلا للتحقيق.

فيمكنك مثلًا أن تعيد صياغة المشروع المتمثل في “حاول أن تؤلف كتابًا” ليصبح “حاول أن تمارس الكتابة نصف ساعة يوميًا”. إذ أوضح أحد الأبحاث أن الطريقة التي نصيغ بها أهدافنا الشخصية قد تؤثر على فرصنا في تحقيق النجاح.

فالعبارة المباشرة مثل “مارس الكتابة نصف ساعة يوميًا” تحقق نتائج أفضل من التطلعات غير الحاسمة مثل “حاول أن تمارس الكتابة نصف ساعة يوميًا”.

ربما ستثابر على تحقيق مشروعاتك وستستمتع بتنفيذها إن كانت لديك دوافعك الخاصة لتنفيذها

وثمة أسلوب آخر ينصح ليتل باتباعه لإنجاز المشروعات المعلقة، وهو استخدام طريقة “التوافق بين المفاهيم”، التي تتضمن البحث عن أوجه تشابه مجازية بين المشروع المتعثر ومجال آخر تعرف الكثير عنه، ولكنه يختلف تماما عن مجال المشروع.

ولنفترض مثلا أن مشروع الكتابة قد أخفق تماما، ولكنك في الوقت نفسه تحب كرة القدم، يمكنك حينئذ أن تضع قائمتين، إحداهما تصف جوانب مشروع الكتابة، والأخرى تصف العوامل الشائعة التي تسهم في النجاح في مجال كرة القدم.

والعبرة هنا بالبحث عن المتشابهات بين القائمتين لتكتشف حلولا خلاقة لمشروعك المتعثر. فهل ترى مثلا أن مشروع الكتابة يقابله في القائمة الأخرى تشجيع الفريق في ملعبه، أم تكثيف التدريبات قبل بدء موسم المباريات؟

ولعل أسئلة من هذا القبيل قد تجعلك تفكر في البيئة التي تعمل فيها، أو الدورات التي يجب أن تحصل عليها لتتقن الكتابة، وربما تقيل مشروعك من عثرته.

وكل هذا يرسم لنا صورة مشرقة لمدى قدرتنا على التغيير.

ويرى ليتل أن هناك ثلاث قوى تتحكم في حياتنا، الأولى هي العوامل الحيوية، (فقد يكون الإنسان انطوائي أو منفتح لأسباب فسيولوجية).

والقوة الثانية هي العوامل الناشئة عن المجتمع، (أي الطريقة التي تربينا بها، والثقافة التي نشأنا فيها والشركة التي نعمل بها).

والقوة الثالثة هي العوامل الذاتية، وهي اهتمامات المرء ومشروعاته الشخصية وتصرفه في بعض الأحيان بطريقة مغايرة لسلوكه المعهود من أجل تحقيق هذه المشروعات.

فإن اخترت المشاريع بعناية، ستفاجأ بالأمور التي يمكنك تحقيقها.

ويقول ليتل في هذا الصدد: “بينما تعيق البيئات والظروف التي وُضعنا فيها تقدمنا، تدفعنا المشاريع التي نضعها لأنفسنا نحو الأمام لتكشف لنا أفاقا وفرصا جديدة، ومن بين هذه الفرص أن نعيش حياة أفضل، وننعم بالسعادة”.

BBC