منى ابوزيد

فِي المُشَبَّه بِه ..!


“لم أقل أبدا إن كل الممثلين أغنام، بل قلت إنه يجب معاملة كل الممثلين وكأنهم أغنام” .. ألفريد هتشكوك ..!

(1)
أحد جلساء العقَّاد قال يوماً – في معرض حديثه عن بعض أساتذة الفلسفة – (إن هذا الرجل قد عاش في فرنسا عشر سنوات لذا فهو يفهم العقليَّة والفلسفة الفرنسية أكثر من غيره ) ..فما كان من العقاد إلا أن وَضَعَيده على جزمته قائلاً(لو صحَّ أن إنساناً يفهم الفرنسيين أكثر، لأنَّه عاشرهم، لصحَّ أن جزمتي هذه – وبحكم العشرة – تفهم في الفلسفة والأدب أكثر من أي أستاذ جامعة) ..على الرغم من سماجة التشبيه إلا أن العقاد معه حق .. فقداعترض – بطريقته الخاصة – على المفاهيم الجاهزة التي تملأعقول بعض الناس، علىالرغم من افتقارها إلى المنطق .. بل علىالرغم من تكذيب الواقع لمقتضاها في كثير من الأحيان.. الكثير من المسلمات التي تملأ عقول معظمنا فيغلقون عليها باب التفكير بالضبَّة والمفتاح ويستحضرونها في كل مناسبة – دونما تفكير – تدخل في قبيل اعتراض العقاد المذكور آنفاً ..!

(2)
“محبوب المبارك” أحد أقرباء الطيب صالح كان رجلاً ظريفاً، أمياً لا يعرف القراءة والكتابة، ولم يسمع عن “الإبداع”، وبالتالي فهو لا يستطيع أن يُؤمِّن على مواطنالعبقرية وموجبات الإكبار فيتدويرحكايات قريته في قالب فني، فقد كان – هو الذي لا يفهم الفن – آخر من يستطيع أن يجزم بشأن تفرد الفنان .. سمعالمبارك برواية”موسم الهجرة إلى الشمال” فطلب من أحد شباب القرية المتعلمين أن يقرأ له الرواية أي أن يقصها على مسامعه، وبعد فراغه من تلك القراءة السماعية، وجد الرجل الأمي كلامه مضمناً في حوارات أبطالها، فما كان منه إلا أن هتف بذكاء فطري حاد: “دا ما ياهو كلامنا ذاتو .. لكن فيهو شوية لولوة”! .. وما تلك “اللولوة” سوى الإبداع ذاته .. حين ينقض الفنان غزل مدخلات واقعه الخام .. ويعيد نسجها .. قبل أن يردها إليه رداً جميلاً! .. تلك “اللولوة” التي أخلَّالمباركالأمي الظريف في تبسيطها، هي طريق الخلاص الذي قالالطيب صالح على لسان إحدى شخصياته “إنه يكمن في تعميق الذات وتنقيتها من ذلالحياةومهانات القمع”! ..تلك “اللولوة” هيرسالة الفن العظيمة التي قال عنهاالطيب صالح بعمق الفنان”عندما أكتب أعمل كعالم الآثار الذي ينقب في الحفريات .. حتى تظهر لي الحقيقة في طبقة إنسانية معينة .. ثم أظل أحفر حتى تظهر لي أشياء أخرى لها طبيعة التراكم .. وهذا الحفر لا نهائي .. ولا أحد يصل إلى النهاية” ..!

(3)
«مارك شاغال» – أبرز رواد المدرسة الرمزية في الفن الحديث – له أسلوب متفرد وفهم خاص للمعنى الحقيقي للألوان، وهو من أصحاب الرسالات التي تجاوزت أطر التصنيفات الضيقة إلى رحابة الانتماء الإنساني الجليل .. اشتهر تكنيك «شاغال» بتلك المخلوقات الغريبة الطائرة التي تطفو على أسطح لوحاته الملونة .. في هذه الدنيا – أيضاً – لا وجود للإنسان خارج بعض الأطر، لكننا قد ننفصل أحياناً عن بعض المواقف في لوحات الحياة فنرقب عن كثب وبعد – في آنٍ معاً – بعض الثوابت والمتغيرات في تفاصيل عالمنا، على طريقة «شاغال» .. فلا ننساق وراء مآزق التطبيع مع الإحباط والهزائم ولا نقع في أفخاخ التعميم عند النطق بالحكم على سلوك الآخرين .. فننعم – حينئذ – بالنصف الممتلئ دوماً من كوب الحياة ..!

هناك فرق – منى أبو زيد
صحيفة آخر لحظة


‫2 تعليقات

  1. لا تخلعني, فأنا جلدك !!

    “أيها البعيد كمنارة ..
    أيها القريب كوشم في صدري ..
    أيها البعيد كذكرى الطفولة ..
    أيها القريب كأنفاسي وأفكاري ..
    ………………………..

    غادة السمان

  2. مقال مميز يا استاذة منى
    ولا يعيبك سوى ان جمالك فايت الحد
    كسرة…محاسن حقو تتنقبي