الطيب مصطفى

الجنوب بين سلفاكير ومشار ولام أكول


د.لام أكول ، أكثر السياسيين الجنوبيين استقامة سواء من حيث الالتزام الأخلاقي أو السياسي ، نفث زفرات حرى خلال الأيام الماضية ضد حليفه القديم د.رياك مشار بعد مقتل قائديه البارزين قبريال تانق ويوهانس أوكيج على يد قوات مشار، وتعرض الرجل لما ظللنا نتحدث حوله عن حتمية انفصال إقليم كل من أعالى النيل الكبرى والإستوائية وإقليم بحر الغزال أو توحيد الجنوب تحت هيمنة قبيلة الدينكا التي تسيطر على الجيش الشعبي لتحرير السودان.

لعل أكثر ما يشير إلى حالة التنافر والتباغض التي تهيمن الآن على دولة جنوب السودان وتجعل من الوحدة ضرباً من المستحيل اندلاع القتال بين قوات مشار ولام أكول اللذين لا يوجد سبب واحد يجعلهما ينسيان معركتهما المشتركة مع عدوهما اللدود الرئيس سلفاكير ليخوضا ضد بعضهما معركة مجنونة ينهكان بها قواتهما التي يفترض أن تدخر كل جهدها للقضاء على العدو المشترك ولكن.!

وهو يستعرض الخلافات العميقة بين حزبه المسمى (الحركة الوطنية الديمقراطية) وبين حزب مشار قال أكول مستنكرا ومندهشا ، إن مشار لا يزال يصر على تسمية حزبه بالحركة الشعبية لتحرير السودان أي أن حزب مشار رغم أنه يعارض سلفاكير لا يزال يحمل ذات اسم الحزب الحاكم التابع لسلفاكير، وقال لام أكول معلقاً على ذلك إنه لا يوجد سبب بعد انفصال الجنوب لوجود حزب يحمل عبارة (تحرير السودان)، وهو ذات ما ظللنا ندندن حوله ونطالب به الحكومة السودانية حتى تطرحه في اجتماعاتها مع حكومة جنوب السودان لتطالب بإزالة ذلك الاسم المستفز إذ إنه لمن الغريب بحق أن تجعل دولة من الدول هدف جيشها (تحرير) دولة أخرى وتمنحه ذلك الاسم العدواني:(تحرير السودان)!

والله لو استشرت لقدمت لام أكول لقيادة دولة الجنوب الجديدة ليس لأنه رجل مؤهل سياسياً وأكاديمياً فحسب – معلوم أن لام أكول كان أستاذاً بارزاً في كلية الهندسة بجامعة الخرطوم – إنما لتلك الاستقامة الخلقية التي تجبر كل من يتعامل معه على احترامه فهو الرجل الذي رفض – امتثالاً لقسم أداه قبيل تسلمه منصب وزير خارجية السودان- رفض الانصياع لتوجيهات الحركة الشعبية أيام الفترة الانتقالية حين أمرته بأن يقدم أجندتها على الأجندة الوطنية من خلال موقعه كوزير لخارجية السودان مما أفقده منصبه الرفيع بل هو الرجل الذي لا يتعاطى الشاي أو القهوة والمنبهات ولا يدخن ناهيك عن أن يتعاطى الكحول.

مما لفت نظري في الحوار الذي أجراه معه الصحافي المثنى الفحل لصحيفة الانتباهة ذلك الصدق الذي أجاب فيه عن أحد الأسئلة بقوله إن وحدة الجنوبيين طيلة تاريخ جنوب السودان كان منشؤها توحدهم ضد عدوهم المشترك وهو الشمال وأنه (لم تكن هناك عناصر داخلية موضوعية توحد الناس) وأنه قد آن الأوان للنظر فيما (يمكن أن يجمع بين هذا الخليط على إحداثيات خريطة جنوب السودان) بدون النظر إلى (القبلية التي قضت على جنوب السودان)!

للأسف فإن لام أكول بهذا القول سيكرر ذات الخطأ الذي جعل السودان يرزح في جحيم حرب مجنونة امتدت على مدى نصف قرن من الزمان فالجنوب لن يتوحد سيما بعد الثأرات التي أشعلتها تلك الحرب الضروس بل أنه ما كان له أن يتوحد حتى لو لم تشتعل الحرب فلماذا يصر قادته على تكرار نفس التجربة السودانية ويضيعون عقوداً من الزمان في حرب كالتي غرق فيها السودان وعطل بها مسيرته طوال نصف القرن السابق للانفصال ولم يدرك ساسته الحل الناجع إلا بعد موت ودماء ودموع وخراب ودمار ؟.

لعل من أكبر أخطاء العلاقة المأزومة بين الشمال والجنوب خلال الحرب الأخيرة التي قادها قرنق من سنة 1983 ذلك اللبوس الفكري العنصري الاستئصالي الذي منحها إياه قرنق تأثراً بموجة الأفريقانية التي اجتاحت أفريقيا وتزعمها بعض القادة الأفارقة مثل كينياتا ومانديلا ونكروما وموسيفيني في إطار الدعوة إلى التحرر من الاستعمار، وقد كان قرنق يخاطب الأفارقة بذات الخطاب الذي رفعه مانديلا مثلاً مقارناً بين البيض في جنوب أفريقيا والشماليين (العرب) في السودان بالرغم من أن الشماليين لم يكونوا هم الذين ضموا الجنوب للشمال إنما فعل ذلك المستعمر الإنجليزي، والغريب أن سلفاكير تحدث ذات اللغة قبل أيام عن الاستعمار (العربي) لجنوب السودان متناسياً أن الجنوب الآن يعاني تحت حكمه وقبيلته (الدينكا) أحد أبشع أنواع الاستعمار في العالم.

إحدى أكبر أخطاء قرنق بالإضافة إلى إلباسه مشاعره العنصرية ثوباً فكرياً أراد أن يحكم به السودان من خلال مشروعه البغيض (السودان الجديد) اختياره خليفة قليل التعليم والثقافة ضعيف الاستقامة الأخلاقية هو سلفاكير الذي لا يؤمن ، والحمد لله ، بذات المشروع الفكري (الساذج) الذي اعتنقه قرنق وقاد به الجنوب نحو الهاوية السحيقة التي يقبع الآن في قعرها.

الطيب مصطفى
صحيفة الصيحة