منى ابوزيد

الأزرق يجتاز الخط الأحمر ..!


«الكتابة بعمق وإخلاص فعل استثنائي، لأنها تحلل وتستنبط وتفند وتسأل الماضي وتجيب على الحاضر، قبل أن تشير بإخلاص إلى بوابات الحلول .. والقراءة بذات العمق والإخلاص فعل استثنائي – أيضاً – لأنها ترصد وتستقي وتضيء وترتقي .. وما بين فعل وردة فعل يكتمل المعنى ويشد من أزر المبنى، فتسود الحضارات .. الكاتبة ..!»

في كتابه «تنظيم الدولة الإسلامية – داعش – إدارة التوحش» حلَّق السفير عبد الله الأزرق بمهارة واقتدار عبر المسافة الفاصلة بين الأبيض المضيء والأسود المظلم، دون أن يقع في مأزق المساحات الرمادية .. سدَّد وقارَب .. حاذى واقتحم .. أشعل الأنوار .. اخترق الحُجُب .. وتاخم النيران بقوة دون أن يتعثر القلم أو يحترق المنهج ..!

بنجاح الكاتب الفذ ومنهج الباحث الدؤوب وبراعة الدبلوماسي الخبير اجتاز السفير الشاعر ذلك الخط الأحمر الكثيف والغائر الذي يحيط بغموض تنظيم الدولة الإسلامية «داعش» .. عَبَرَ المؤلف ببسالة ذلك الفراغ المعرفي الهائل الذي يسبق الطريق إلى حقيقة داعش، وملأ مساحات مقدرة من تلك الفجوة المعلوماتية التي ظلت تحيط بجذور مؤسسيها وحاكميها وطبيعة انتمائهم ومرجعية ما يفعلون .. فأهدى المكتبات العربية والعالمية مؤلفا قيماً رفيعاً وزاخراً بالمدهشات الثرة والغرائب الأكيدة، ومُعَضَّداً بالخبرات الدبلوماسية القيمة والإشارات الحية النابضة بمعاني الخلاص ..!

كتب السفير الأزرق بعمق وحياد وموضوعية وإخلاص عن ذلك الكيان السياسي العسكري الذي ملأ الدنيا وشغل الناس فأعطانا بعداً جديداً وأتاح لنا مساحات للرؤية عبر زوايا مختلفة بعد أن ظل نقص المعلومة – «واقتصار بعضها على مراجع غربية»، واستحالة وصول الغرباء اللامنتمين إلى داخل تلك البقاع، وانعدام التواصل الفكري مع منهجية القائمين عليها – يخدم تلك الصورة النمطية شديدة الوحشية والقتامة التي رسخت في الأذهان عن هذه الدولة التي ولدت بأنياب حادة، وعلى نحو خرافي، وبواقعية سحرية تَبذُّ خيال الأدباء .. ثم ما لبثت أن سكَّت عملتها وأسست قوانينها وأقامت حدودها الشائكة العصية على الاختراق، وطفقت تعيد ترتيب العالم حسب منهجها الدموي، وتمعن في تأديب الحكام وغربلة الشعوب على طريقتها الخاصة في إدارة التوحش ..!

كتاب السفير الأزرق يمسك بتلابيب القارئ – أي قارئ على اختلاف المشارب والفئات – منذ أول فصل وحتى آخر سطر .. يسافر به إلى أرض الحدث ويضع أمامه شاشة عرض تلتزم بأعلى درجات الحياد في ضبط الألوان وتقريب الصورة، وتفكيك الأفكار وسبر أغوار الأسماء والأحداث والأماكن والقضايا، ولا يتركه – أبداً – إلا بعد أن يرُدَّه إلى أرض الإدراك الحق للواقع الحق والمعرفة الحقة رداً جميلاً ..!

من مزايا الكتاب – وما أكثرها! – أنه ينتهج الحياد الأخلاقي المطلوب تجاه معظم الأحكام المسبقة والقضايا الخلافية .. يعرض الحقائق ويفند الوقائع ويناقش المآزق والمهالك دون أي تأثر بالآراء السائدة ودون أي محاولة لاستدراج القارئ إلى تبنِّي آراء بعينها .. وهو أول مؤلف عربي عن «داعش» بعد كتاب الصحفي الفلسطيني عبد الباري عطوان، لكنه – في تقديري – الأكثر حياداً في أطروحاته، والأكثر مرونة في تناوله لمختلف الادعاءات والحقائق، دونما إفراط أو تفريط .. لقد أفلح الكتاب في سبر الأغوار، وتفكيك الغموض، بمهارة تستحق الدخول إلى منازل التاريخ التي لا تغفل مجداً..!

هناك فرق – منى أبو زيد
صحيفة آخر لحظة