منى ابوزيد

حالة كون المرء “زول ساكت” ..!


“الموضة هي علم المظاهر وهي تجعل المرء يرغب في أن يبدو، لا أن يكون” .. ميشيل دي مونتين ..!

كنت أتجاذب أطراف الحديث مع صديقة مغتربة حينما ضبطت نفسي متلبسة بجرم الضحك المحلي المشهود.. وهو نوع الضحك الإنكاري الذي ينتاب (ناس السودان) جراء اصطدامهم بـ (حركات) المغتربين.. بينما يضحك المغتربون أنفسهم على بعض حركات وبركات أناسهم المحليين..!

في بواكير إحدى إجازاتي السنوية عندما كنت أنتمي إلى قبيلة المغتربينـــ أدام الله عزها! ـــــ يومئذ تعثرت بظاهرتين أضحكتاني حَـد القهقهة .. فأمعنْتُ في السخرية منهُما على طريقة ناس السودان مع شَطحات المغتربين اللفظيَّة والسُلوكيَّة!، أولاهما كانت أغنية من أغانيات البنات تحمل مفردات غريبة المعاني، يتَخلَّلُها سؤال دائم شديد الإلحاح .. السؤال كان على نحو (كدا كيف)؟!.. أما الإجابة فكانت صياحاً على غرار (مبالغة) ..!

سألتُ إحدى صديقاتي ـــــ من بين دموعي التي سَالتْ من فرط الضحك ـــــ عن اسم المغنِّية، فصفعَتني الإجابة التي وجدتُها تستوجب دمعاً من نوع آخر (دي ما بت، دا ولد) ..كان ذلك في بواكير انتشار ظاهرة المغنيين (الحمادات) التي بات المجتمع يتعاطى معها اليوم بسياسة التطبيع وتبادل المنافع ..!

أما ثاني الأمرين فكان تلك النَّزعةالطبقيَّة ـــــ المستحدثة وقتها والمستمرة حتى اليوم ــــــ في تقييم أصحاب شرائح الهواتف المحمولة، والذين ينقسمون بحسب ذلك العُرف الإجتماعي الصَّارم إلى فئات، تتراوح بين “شخصيات هامة” و”ناس ساكت” ..!
وهي إحدى مظاهر لعنة البوبار التي حلت على الشعب السوداني وتمكنت منه إلى حد تقديم نوع الشريحة وموديل الهاتف على مقدار الخبز وملاءمة الكساء، وغير ذلك من أولويات الحياة.. فلا يهم أن تكون جائعًا أو شبعاناً، بقدر ما يهم أن تحمل هاتفاً أنيقاً وشريحة محترمة تُجنِّبُك اضطهاد المُستقبِل لرقم هاتفك على الطرف الآخر ..!

أدركتُ هذا عندما اشتريتُ حال وصولي إلى الخرطوم – أيامها – شريحةموبايل بمبلغ زهيد بها القليل من الرصيد، وبالطابع العملي الذي يتخلل سلوك المغتربين، استبشرت بتلك الصفقة الرابحة التي تخدم أمثالي من القادمين إلى البلد لفترات مؤقتة ولا يحتاجون إلى استخدام ذلك النوع من الشرائح لأكثر من شهر أو اثنين ..!

لكنني فوجئت ــــ بعدها ــــ بظاهرة عدم الترحيب بالمكالمات الواردة من الشرائح المسكينة، فشكوتُ إلى إحدى صديقاتي من عدم رد البعض على مكالماتي، بل وعدم معاودة الاتصال بعد ذلك كما تحتم قواعد الإتيكيت.. فردت صديقتي تلك ببساطة قائلة (بيكونوا فاكرينك زولة ساكت) ..!

وعندما أعربت عن استنكاري لمثل ذلك التصنيف المُخِلْ تناولت هاتفها بهدوء، وقامت بالاتصال بذات الرقم الذي لم أجد منه أي رد.. فعلت ذلك وهي تقول بثقة (أنا تلفوني “091230” يعني في. آي .بي. عشان كدا ح يردوا طوالي) ..!
وكم كانت دهشتي عظيمة عندما أتانا الرد بسرعة البرق.. فقالت صديقتي وهي تضحك: (كدا كيف)؟! .. أجبتها في سخط عظيم:(مُبالغة) ..!

هناك فرق – منى أبو زيد
صحيفة الجريدة


‫2 تعليقات

  1. •انزل برغباتك إلى مستوى دخلك الحالي، وارتفع بها فقط عندما يسمح لك بذلك دخلك المرتفع…. فيلسوف

    و لكن عندنا و خاصة (المحليين !!) شغالين بالعكس، فهم يرتفعون برغباتهم فوق مستوى دخلهم، و لا ينزلون بها أبدا ….
    إتخيل واحد ما يرد مكالمة من رقم (قريعتي راحت) و بعد كم دقيقة يرد رقم VIP ، و الرقمان مجهولان بالنسبة له !!
    و السبب واضح و هو أن العقل الباطن لهذا الغبيان(ة)، قد أوعز اليه بأن الرقم (التعبان) زول ساكت و احتمال كبير يكون عايز من حاجة ، و الرقم ال VIP، احتمال كبير عايز يديهو حاجة …
    عشان مكافحة الشوفونية، لا تقل أهمية مكافحة الملاريا !!