الطيب مصطفى

بين مولانا عمر أحمد محمد والتاي


لم أدهش للنقد القاسي الذي وجهه الأستاذ أحمد يوسف التاي لاختيار مولانا عمر أحمد محمد لمنصب النائب العام، فهو حر في إبداء رأيه مهما كان مجافياً للمنطق، لكني دهشت بحق من تحامل التاي وتبرمه من احتفاء منسوبي وزارة العدل وفرحهم بتنصيب زميلهم ورفيق دربهم في ذلك الموقع العدلي المهيب، ولعل مصدر دهشتي يكمن في أنني لم أعهد التاي منزلقاً في حالة غريبة من اللاموضوعية كالتي رأيتها وأنا أحدق في عباراته المشحونة بالكبر والازدراء لآخرين لمجرد أنهم اختلفوا معه في الرأي وسلكوا سلوكاً لا يرضاه.

ما جعل التاي يخرج على الاستقامة التي عرف بها في كتاباته والتي تدفعه على الدوام إلى إنهاء مقالاته بعبارة جامعة مانعة تقول (ضع نفسك دائماً في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله وثق أنه يراك في كل حين) إنه انحاز إلى موقف معاد للنائب العام الجديد جعله يواصل النظر من تلك الزاوية العدائية رافضاً كل فعل يأتي به الرجل أو يمارسه مؤيدوه وهكذا هي عين السخط تحجب حتى ضوء الشمس عن العين الرمداء وطعم الماء القراح عن الفم السقيم.

أود أن أتساءل : ما الذي يجعل التاي ينغمس في لجاجة الجدال لدرجة أن ينكر مجرد الاحتفاء بعمر أحمد محمد ويتعامل مع الفرحين بتنصيبه بتلك الحدة ويقول إن ذلك الاحتفاء والصخب (لا يليق برجال ونساء قائمين على أمر العدل يفترض فيهم الوقار والرزانة والموضوعية والحياد بعيداً عن المزايدات والتظاهرات السياسية)؟.

لست أدري والله ما الغريب وما هو غير اللائق في أن يفرح الناس ويبتهجون بأمر سرهم وأثلج صدورهم؟! هل أولئك المحتفلون ملائكة لا بشر يفرحون ويغضبون ويتفاعلون ويطربون (ويهيصون) كما يفعل الناس؟ ما أتعس وأبأس المهنة التي تجرد أصحابها من بشريتهم وتجعلهم كأنهم خشب مسندة وصخور صماء لا تتحرك إلا بالبلدوزر؟.

ثم هل (يفرق) كثيراً أن يكون مكان ترحيب وزارة العدل بمقدم المحتفى به مبنى الوزارة أو منزله أو غير ذلك؟ ألم يفعلها موظفو وعمال بنك فيصل الإسلامي وهم يودعون مديرهم السابق الخلوق علي عمر إبراهيم فرح بينما كان خارجا من مكتبه؟ هل اعترضت يا أخي التاي يومها على ذلك الصنيع أم أن (بشرية) أولئك لا تجوز في حق (ملائكة) وزارة العدل؟! ثم ماهو لزوم حشر قضية (الحياد) هذه التي استخدمتها حتى تحرم الاحتفاء بمولانا عمر أحمد، واين موقعها من الإعراب؟.

عمر الإنسان يا التاي شخصية لطيفة ظريفة تجيد البشاشة والابتسام المطبوع بصورة شبه دائمة على وجهها وتنتزع ممن يعاشرها مشاعر الود والاحترام، ومن الطبيعي أن يسعد أهل وزارة العدل بتنصيب رجل ظل معهم لما يقرب من الثلاثة عقود تقلب خلالها بين معظم مناصبها من أدنى السلم حتى أعلاه وأن يعتبروا ذلك تشريفاً لهم إذ ربما كان البديل أن يأتيهم النائب العام من خارج الوزارة.

أما عن كفاءة عمر واستقامته وتأهيله فهذا سأتجنب الخوض فيه لأن شهادتي بالقطع ستكون مجروحة ذلك أن الرجل يمت إليّ بصلة القربى.

عادل الباز والدعوة إلى اللين!

تأثرت بالمقال الذي خطه الأخ عادل الباز حول مقال (هوس الفضيلة) الذي كتبت حوله معترضاً على إيراد الكاتبة عبارات صادمة تهاجم من (يحملون هماً كبيراً بشأن تربية الأفراد وتعليمهم الصلاة) بل وبمطالبتها (منح وزارة الصحة الحق في توزيع الواقي الذكري)، وغير ذلك من العبارات المستفزة التي أثارتها الكاتبة.

صحيح أن الباز خطّأ الكاتبة في استهزائها بالصلاة وبتربية الأبناء لكنه طالبنا بلغة مهذبة بالتعامل معها باللين بدلاً مما سماه (العنف اللفظي).

إنها دعوة طيبة ولكن هل استخدمت الكاتبة اللين في خطابها المحتقر للمقدسات أم أنها استخدمت عنفاً لفظياً صادماً ومسيئاً لمشاعر المؤمنين، وهل ثار المسلمون في شتى أرجاء العالم وهاجوا وماجوا إلا لأن (خواجات كفار في أوروبا وليس في السودان المسلم) أساؤوا لرسولهم صلى الله عليه وسلم؟.

ثم يا الباز أما كان من الممكن للذين يساندونها أن يطفؤوا غضبة من ثاروا انتصاراً لدينهم وشعائره بحملها على الاعتذار وتوضيح أنها لم تقصد استفزاز مشاعر المسلمين أو أنها مجرد كبوة جواد أو زلة لسان؟

صدقني أننا لا نزال لا نميل إلى التصعيد الذي نخشى أن ينفجر حمماً من الغضب في الجمعة القادمة سيما وان المتكأكئين حولها المساندين لاستهزائها بالدين واستخدامها لعبارات مسيئة لمشاعر المجتمع لا يزالون يقرعون طبول التحدي تحريضاً لها ولصويحباتها على ركوب ذلك المركب الخطير مسيسين الأمر بالرغم من أنه أمر دين ولا يفترض أننا أحرص منهم عليه ولا أخوف من الله أو أحرص على ثوابه منهم.

أنني على المستوى الشخصي أتمنى أن تنتهي الضجة باعتذار رقيق من الكاتبة ومن الصحيفة بدلاً من أن تأخذهما العزة بالإثم فالناس يعتذرون عما هو أقل شأناً وأعلم أن جميع (العقلاء) منهم مقتنعون بأنها أخطأت لكن ماذا نفعل مع السياسة التي أفسدت حياتنا؟.

الطيب مصطفى
صحيفة الصيحة