تحقيقات وتقارير

انباء عن استقالته من الوزارة.. عصمت عبد الرحمن.. “جنرال الداخلية” ..هل طرق أبواب “الخارج”؟


في يونيو من العام 2014م، خيّم الجنرال بالجيش السوداني، الفريق أول ركن عصمت عبد الرحمن زين العابدين بجناحيه على وزارة الداخلية، ليصبح رجل الجيش في محل الشرطة ورجالاتها، ربما حتى يوم أمس (الثلاثاء)، فعلى ذمة الزميلة (التيار) حلّق صاحب السيف والنجمتين والصقر خارجاً، ودفع باستقالته من منصبه وزيراً للداخلية.

مسيرة عسكرية
ينتمي الفريق أول ركن عصمت عبد الرحمن إلى الدفعة (23) بالقوات المسلحة، وهي بالمناسبة ذات الدفعة التي ينتمي إليها وزير الدفاع الحالي الفريق أول ركن عوض بن عوف، وهو ما يجعل من أبناء هذه الدفعة مسؤولين عن شطري القوات النظامية في البلاد.

وبعد تخرجه بفترة بسيطة، عمل عصمت معلماً في مدرسة القادة والأركان، وأعقب ذلك بمسيرة متميزة عسكرياً أوصلته لقيادة الفرقة السادسة مشاة في إقليم دارفور، وتزامن ذلك مع اضطراب الأحداث في الإقليم بداية من العام 2003م.

ثم توشّح عصمت برئاسة هيئة الأركان المشتركة، وشهدت تلك الفترة على نجاحات عديدة للقوات المسلحة، ولكنها شهدت كذلك أحداث اجتياح الجبهة الثورية لمنطقة (أب كرشولا) بجنوب كردفان. حدث قال عنه كثيرون إنه تسبب لاحقاً في إحالة عصمت وعدد من الضباط إلى الإعفاء والتقاعد. وذاك تبرير رفضته القيادة العليا للقوات المسلحة، بالتأكيد على أن الإحالة تمّت في إطار مراجعة سنوية للمناصب الكبرى وترقية الضباط الواصلين إلى سن التقاعد، ولا علاقة لها البتة بتقديرات ساس يسوس، وعلّ ما يؤكد ذلك أنه في ذات شهر التقاعد جرت تسمية عصمت وزيراً للداخلية.

وفي أثناء تلك المسيرة لا ننسى أن عصمت عمل لفترة كملحق عسكري لسفارة السودان في إيران، وكانت تلك فترة شهدت تعاوناً عسكرياً وثيقاً بين (الخرطوم – طهران) قبيل أن ينفض سامرهما أخيراً لصالح بناء الخرطوم جسور علاقات إستراتجية مع دول الخليج.

مشكلات داخلية
ردت الزميلة (التيار) في خبرها استقالة وزير الداخلية لما أسمته خلافات داخل الوزارة بدون إيضاحات. وفي هذه النقطة قيل إن مشكلات نشبت بين الوزير وعدد من الضباط الرفيعين حول مسائل تخص إحالة ضباط بالشرطة للتقاعد.

وهنا لا بد من الإشارة إلى الجلبة الكبيرة التي أثارها قرار إحالة مدير الجمارك اللواء سيف الدين عمر، ومدير مكتب الوزير العقيد طارق محجوب للتقاعد، حيث ذهب الناس إلى وجود دواعٍ تتصل بشبهات فساد، وملأوا بذلك الأسافير، وهنا أسفر عصمت عن وجهه وقال إن الإحالة تمت لأسباب عادية تتصل بالسن.

شكاوى
من النقاط شديدة الأهمية في مسيرة عصمت، شكواه من تخلف (231) ضابطاً عن صف الشرطة، جراء ضعف الرواتب التي ينالونها، وطالب برفع ما يتقاضاه رجل الشرطة، بما يتوافق مع متطلبات الحياة، وهيبة الوظيفة.

وبالرغم من إنجازاته في تطوير العمل الشرطي، وفتح مجمعات جديدة لاستخراج الأوراق الثبوتية، فإن المشكلات التي ورثها تظل حاضرة، وعلى رأسها انتشار السلاح، والصراعات القبلية، وضبطيات السلاح والمخدرات، بجانب تنامي ظواهر (مشكلات الوجود الأجنبي، والاتجار بالبشر والإرهاب) وما جرى في شقة أركويت مربع (48) يدلل على أن الداخلية مجابهة بتحديات كبرى.

جبل عامر
يذهب الرأي الشعبي إلى أن السبب الرئيس في استقالة الوزير مرده إلى التقرير الذي أودعه طاولة البرلمان أخيراً، وشكى فيه من وجود (3) آلاف أجنبي مسلح قال إنهم يعثون رعباً وفساداً في جبل عامر بولاية شمال دارفور، ما يتطلب إجلاءهم فوراً من خلال إحكام التنسيق العسكري بين الشرطة والجيش والأمن، مع توفير غطاء جوي، بحجة أن قدرات الأجانب – كما سماهم – تحتاج إلى تدخل الجيش.

بيد أن قائد قوات الدعم السريع، اللواء محمد حمدان دقلو (حميدتي)، نفى جملة وتفصيلاً وجود أجانب في الجبل الغني بمعدن الذهب النفيس، مشيراً إلى فرض سيطرتهم على المنطقة، بمنأى عن كل مظاهر الوجود الأجنبي، وسير العنف والفوضى.

ويبدو أن تباين وجهتي النظر بين الرجلين المرصع كتفهما بالدبابير، مقروناً مع ترجيح كفة الدعم السريع لاحقاً، من خلال منحها ميزانية منفصلة، وقانوناً خاصاً بها، قد أوصل عصمت لقناعة بأن يستعصم عن المنصب، ويبارح الداخلية، إلى رحلة “خارجية” وتحديداً إلى حيث عاصمة الضباب لندن، وربما ذلك ما جعل الرؤية والصورة تبدو ضبابية، إذْ لم يُعرف – على وجه الدقة – ما إذا كان عصمت قد اعتصم بجليد “لندن” عن ضجيج الخرطوم أم لا؟.

رئيس وزراء
بالرغم من ذهاب الآراء ناحية رضا عصمت بالتولي إلى الظل بعدما سقى مسيرته العسكرية لعقود بالدم والعرق، برزت أصوات ترشحه لتولي منصب رئيس الوزراء الذي جرى استحداثه أخيراً بناءً على رغبة المنخرطين في الحوار الوطني الذي دعا إليه الرئيس البشير.

وما يمكن أن يسند هذه الأقوال، هو آصرة العلاقة القوية التي تربط بين عصمت والرئيس البشير من جهة، وبين عصمت ووزير الدفاع السابق والي الخرطوم الحالي الفريق أول ركن مهندس عبد الرحيم محمد حسين.

أضف إلى ذلك من عوامل القوة، ما يعتقد أنه محاولات داخل الصف الحكومي لتقوية دور رجالات المؤسسة العسكرية، المعروف عنهم الضبط والربط، والامتثال لأوامر القيادة، في مقابل الساسة وتحولاتهم المدهشة، وأدت إلى أفول نجوم لطالما تألقوا في سماوات العمل العام.

ولكن للمفارقة، فإن ما يضعف من ذلك الاحتمال سياسي في الأساس، حيث يحتاج المنصب إلى قدرات سياسية عالية، وقبول كبير في الأوساط الحزبية، حيث ينظر إلى صاحبه بأنه ربما يدخل دائرة خلافة البشير الذي تعهد بعدم الترشح لانتخابات 2020م وهو ما يُعلِّي من حظوظ النائب الأول الفريق أول ركن بكري حسن صالح الذي يعتبر الذراع اليمنى للبشير، وخليفته بعد رحيل الزبير محمد صالح.

كما ويبرز احتمال وإن كان ضئيلاً بأن يخرج المنصب عن ديار الوطني، ليتحول إلى أحد الأحزاب المحاورة، وهي خطوة من شأنها تأليف قلوب كثير من الأحزاب حتى تلك الرافضة لحوار الوثبة، ولا يستبعد أن يدفع الوطني هذا الثمن، فعوائده أكبر بكثير لا سيّما في ظل المهلة الأمريكية لمراجعة قرار رفع الحظر الاقتصادي شهر يونيو المقبل.

ظهور إعلامي
الديباجة التعريفية للفريق أول عصمت، تقول إنه متزوج وأب لثلاثة أبناء (بنتان وولد) وتشير إلى وشائج قربى تربطه بوزير الدفاع الأسبق الفريق الركن حسان عبد الرحمن.

ومعروف عن الجنرال عصمت هدوءه الشديد، وتحاشيه الظهور في وسائل الإعلام، وقلة تصريحاته الصحافية، ولكن مع ذلك فإن إطلالته النادرة على الأجهزة الإعلامية لطالما مثلت خبطات صحافية، لما فيها من حمولات شجاعة عالية، وربما هي ما أودت به إلى الاستقالة – إن صح الخبر- فالحوت الذي يغلق فمه لن يصطاده أحد.

الخرطوم: مقداد خالد
صحيفة الصيحة


تعليق واحد

  1. محاولات داخل الصف الحكومي لتقوية دور رجالات المؤسسة العسكرية، المعروف عنهم الضبط والربط، والامتثال لأوامر القيادة، في مقابل الساسة وتحولاتهم المدهشة،

    كلام كبير
    من اجل هذا نسعي
    عصمت يا ريس وزراء يا ارجع لمكانو
    ف الداخليه ،،لا لاقاله اي رجل جيش وامن البلد محتاجه الضبط والظبط
    البلد ف حاله حرب