رأي ومقالات

إعادة تأهيل السودان تربك حساباته مع مصر


لم يكد يخفت الجدل الذي أثارته تصريحات الرئيس السوداني عمر البشير والتي اتهم فيها المخابرات المصرية بدعم معارضيه السودانيين، حتى عاد التصعيد من جديد إثر تصريح ثان للرئيس السوداني قال فيه إن القاهرة تدعم حكومة جوبا بالأسلحة والذخائر، الأمر الذي يشير إلى أن هناك مقاصد من وراء سعي البشير إلى إضافة مشكلة أخرى إلى مشاكل كثيرة ومعقدة بين البلدين.

سير على طريق التناقضات

لفتت الطريقة التي يتعامل بها الرئيس السوداني عمر البشير مع مصر، مؤخرا، انتباه الكثير من الدوائر السياسية بشأن دلالاتها وتداعياتها. فخلال نحو أسبوعين وجه البشير أصابع الاتهام لمصر مرتين بخصوص تقديم دعم مادي وعسكري لجهات داخل بلاده وخارجها.

وجّه، في المرة الأولى (5 فبراير الجاري)، أصابع الاتهام إلى جهاز المخابرات العامة المصري بدعم معارضيه السودانيين. واتهم، في المرة الثانية، الجهة نفسها بتقديم أسلحة ومعدات عسكرية لدعم سلفا كير، رئيس جنوب السودان، في مواجهة معارضيه.

وحرص، في المرتين، على إقصاء الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي من هذه المعادلة القلقة، والإيحاء بأن علاقته جيدة معه، وكأن من يقدمون الدعم خارجون عن سيطرته.

وصاحبت تصريحات الرئيس السوداني، من حيث يدري أو لا يدري، سلسلة من التناقضات. وحتى لو كان معروفا عنه هذه الصفة في تعامله مع القوى السياسية المختلفة في بلاده، من الواجب أن يكون حذرا عندما تتعلق المسألة بالتعامل مع الدول، لأن هذه الصفة تفقده المزيد من المصداقية، وتجهض جانبا معتبرا من الرسالة التي يريد توجيهها لمن يهمهم الأمر في الحالة المصرية.

أول هذه التناقضات، تأكيده في المرتين على علاقته الجيدة بالرئيس المصري، وأن من يدعمون المعارضة قابعون في أجهزة “خارج سيطرته”؛ بمعنى أن الرئيس في واد والأجهزة الأمنية، تحديدا جهاز المخابرات العامة، في واد آخر.

تجاهل البشير أن العُرف يؤكد حرص أي رئيس يحكم فرض سيطرته على أجهزته الأمنية بالوسيلة التي يراها مناسبة، والتي تضمن عدم الخروج عن سياساته، لأنه يدرك أهميتها ودورها المحوري في ضبط معادلات كثيرة.

غايات ومقاصد

تأتي هذه التصريحات في محاولة لتأكيد استعداد الرئيس السوداني للقيام بمهام كبيرة خلال المرحلة المقبلة، والتي سوف يتزايد فيها الحديث عن إعادة تأهيله للقيام بأدوار إقليمية مؤثرة، سواء في ليبيا أو اليمن، وربما منطقة الخليج أيضا، وحيث يحرص على أن يكون قريبا من أوجاع زعمائها الأمنية. تحركات البشير الأخيرة تجاه مصر ترمي إلى القول إنه بديل جاهز ومستعد لأي مساعدة عسكرية، تتحفظ مصر عن القيام بها، لا سيما أنه قدم عربونا جيدا في اليمن عندما أرسل عددا من جنوده للحرب هناك.

ووجه البشير انتقادات لاذعة إلى إيران، الدولة التي تسعى إلى تكريس هيمنتها على المنطقة العربية، وأغلق مراكزها الثقافية في الخرطوم، في حين امتنعت مصر عن إرسال جنودها إلى اليمن، وتبدو في نظر البعض من دول الخليج غير حاسمة أو مراوغة في موقفها من طهران.

كما يريد الرئيس السوداني استثمار الفرصة الراهنة لمحاولة إغلاق ملفاته القديمة، في ما يتعلق بعلاقته الوثيقة مع التيار الإسلامي الذي ينحدر منه أصلا، والتماشي مع الموجة العدائية حاليا، تارة بتنحية عناصر متشددة في حكمه، وأخرى بتهميش قيادات كبيرة في حزبه (المؤتمر الوطني)، وثالثة بنفي علاقته بأي قيادات إسلامية في المنطقة، أملا في أن يكون فاعلا إيجابيا في الحرب على الإرهاب والمتشددين، بدلا من أن يكون مستهدفا فيها، ونافيا لما وجهته دوائر مصرية له الفترة الماضية من اتهامات قالت إنه لا يزال يستضيف عناصر إسلامية في السودان، ويقدم لها تسهيلات متنوعة.

الظاهر في كلام البشير أن المعارضة السودانية تقيم في مصر منذ سنوات طويلة ولم يتحدث من قبل عن قيام القاهرة بدعمها، مع أن هناك فترات بلغ فيها العداء أشده بين الدولتين، ما يعني أن إثارة الملف في الوقت الراهن له أغراض مختلفة، من بينها التمهيد لمرحلة جديدة قد تأخذ العلاقة السودانية بمصر بعدا عميقا، ضمن معادلة إعادة التأهيل التي يستعد لها البشير.

عند كلامه عن دعم القاهرة لنظام سيلفا كير في جنوب السودان كشف الرئيس السوداني عن سبب للتصعيد الكلامي مع القاهرة. فبافتراض أن هناك مساعدات مصرية عسكرية، فهي مساعدات لدولة في النهاية وليست لفصيل من المعارضة يشارك في حرب أهلية.

كما أن هناك حزمة من الاتهامات وجهت إلى السودان، من بينها تدخل قواته في عمق الحدود مع جنوب السودان، وأنه يرفض الخروج من مناطق جرى الاتفاق على أنها ضمن حدود دولة جنوب السودان، علاوة على تلميحه إلى أنه غير مسؤول عما وصلت إليه الأوضاع في هذه الدولة ويحاول إلقاء التهمة على مصر، بينما لم يشر من قريب أو بعيد إلى تدخلات كل من إثيوبيا وأوغندا، ومساعدات كل منهما لسلفا كير، والتي وصلت إلى حد قيام حكومة كمبالا بإرسال قوات عسكرية لتحارب معه على الأرض في مواجهة قوات مشار، الذي يقيم تحت الإقامة الجبرية في جنوب السودان.

توقيت اتهام عمر البشير للقاهرة بإرسال مساعدات عسكرية لجنوب السودان، له دلالة غير خافية على من يتابعون التحركات المصرية في منطقة حوض النيل، حيث قام الرئيس عبدالفتاح السيسي بزيارات لكل من كينيا وأوغندا، واستقبل رؤساء دول إريتريا وجنوب السودان وجمهورية الكونغو، مؤخرا.

وتبدو الجهود المصرية نشطة لمواجهة أثيوبيا العازمة على استكمال بناء سد النهضة، دون اعتبار للمخاوف من تأثير هذا السد على حصة مصر من مياه النيل.

ومن هنا يريد السودان الإيحاء بأن القاهرة تريد أن تقوى في هذه المنطقة، وليس بعيدا عليها أن تقدم مساعدات عسكرية، خاصة أن غالبية هذه الدول تعاني مشكلات أمنية. ويترك حشر الشق العسكري في علاقات مصر الإقليمية انطباعات بأن القاهرة غيرت سياستها الناعمة، وبدأت تلجأ إلى سياسة خشنة، بينها تقديم مساعدات عسكرية مباشرة، في إشارة إلى عدم استبعاد استخدام الإمكانيات العسكرية المتنامية لمواجهة أي دولة في المنطقة تضر بالمصالح المصرية.

ويهدف السودان تحذير أثيوبيا من مغبة التهاون مع مصر، والسعي إلى تعميق علاقته مع أديس أبابا في المرحلة المقبلة، لأن لدى البشير قناعة بأن أثيوبيا يمكن أن تكون بابا مهما لفتح نافذة كبيرة في علاقاته مع دول غربية، على استعداد لتقبل فكرة إعادة تأهيل رئيس السودان، طالما يستطيع التأثير في القضايا المعنية بها وفقا لرؤاها السياسية.

ولم يكن بعيدا عن ذهن الرئيس السوداني أن إحياء مشروع قناة جونجلي في جنوب السودان، والذي تتبناه مصر وتوقف بسبب الحرب الأهلية سوف يواجه بعثرات، لأن حديثه عن دعم سلفا كير عسكريا، يحمل استفزازا لقبيلة النوير التي ينحدر منها رياك مشار وتقيم في جزء أساسي من المنطقة التي يقام عليها مشروع جونجلي لمد مصر بحصة أخرى من المياه.

أبعاد الرد المصري

ينطوي الصمت المصري الرسمي والشعبي على اتهامات السودان على تقديرين رئيسيين؛ الأول أن الرئيس السوداني يتحدث بهذه اللهجة لإرضاء جهات تقف معه وأخرى وعدت بمساندته، إذا نجح في تجديد دماء دوره، والتخلص من ذيول الماضي، التي وضعت دولته في مربع الدولة الضعيفة المكبلة بالمشكلات والأزمات، ما يعني في نظر القاهرة أن هذه التصريحات أمنية سياسية وهي ضجيج إعلامي لا يحمل مؤشرات حقيقية. والتقدير الثاني، أن مصر ليست مستعدة للدخول في أزمة جديدة مع السودان تفجر ملفات أشد حساسية.

لذلك، فضلت القاهرة امتصاص فورة الحماس، علها تخفت قريبا، بعيدا عن الدخول في تراشقات يمكن أن تزيد المشكلة تعقيدا

محمد أبو الفضل
العرب
[نُشر في 2017/02/25، العدد: 10554، ص(7)]


‫7 تعليقات

  1. شوف ما تقعدوا كل مرة تعقدوا الامور اكتر من اللازم معروف عن المصريين الانتهازية ونحن قادرين على توقيف المصريين عند حدهم ..بس نجيب إسرائيل ونعطيها قاعدتين واحدة في حلايب والثانية قريبة من العوينات ….عشان تاني تعرفوا حدودكم وثالثا نطردكم من حلايب وشلاتين بدون طلقة واحدة

  2. الخبث في المقال واضح من العنوان .. الصحيح ان يقول يربك حسابات مصر وايس يربك حسابات السودان .. نحن عارفين بنعمل في شنو .. وياويلكم وسواد ليلكم مننا .. لن نترك لكم ارضنا ابدا .. من اسوان وجنوبا هي ارض مملكة كوش العظيمة .. ارض اجدادنا من عهد كاشتا وبعنخي وترهاقا وبقية الملكات العظيمات الكنداكات. بس انتظرونا..

  3. انها هي سجية المصريين يودون دوما ان يصمت السودان عن ما تفعله مصر حتى ولو كان فيه اذىً للسودان ، الحقيقة باينة ومؤكدة واي رئيس دولة لا يقول مثل هذا مالم يكن مزودا بمعلومات مؤكدة من اجهزته المعنية ,, ولا اندري لم مصر يتهمها القاصي والداني ومن كل انحا واصناف البشر من كل انحاء العالم ولا يمكنها تحمل حقيقة واحدة تصدر من السودان ؟؟ انه النظرة الفوقية وانهم غير مصدقين ان السودان قد خلع يده من يد مصر المتعالية ويريد مصر ند وند ولا تدري ان السودان قد تعدى مرحلة الاخ الاكبر والاصغر واصبح يعرف كيف يدير علاقاته وكيف يبني قراراته التي كانت سابقا مبنية على ارضاء مصر . حتى ولو كان على حساب اشياء كثيرة تضر بالسودان ..
    حين عمل السودان كما عملت الدول الاخرى العربية والغربية من اجل سلامة مواطنيها بمنع استيراد الخضروات جن جنون مصر واعلامها وتخصصت فقط لم السودان يوقف الاستيراد بل احمد موسى وذمرت المطبلة للسيسي لم يتسالوا فقط بل تهكموا وقال عمرو اديب حتى السودان اوقفت الاستيراد واحمد موسى كررها اكثر مرة السودان ! السودان! توقف استيراد منتجات مصر ؟؟ وهو بهذا يتهكم وكانه يود القول من انتم لتعيبوا انتاجنا ..
    لكل كاتب او صحفي مصر جاهل وجهلول نقول اصح وتفحص بعين النرة الثاقبة وانظر الان كيف هو السودان ..

  4. الفراعنة اكثر الناس خبثا وكبريا وخونة لايعرفون الجار والنظر لاي علاقة…فقط مع مصالحهم وهداهو تارخهم وخير دليل علاقتهم مع فلسطين …واحتلالهم لحلايب واستفزازهم للشعب السوداني في اعلامهم ومسلسلاتهم وافلامتهم …
    اتمنى البشير ان يفتح جبهة معهم ولايتهاون في مصالح شعبه .

  5. من حق الرئيس البشير ماتراه جائزا للسيسي ولن نتفق ابدا طالما كان الأمر يسير بالكيل بمكيالين السيسي منقلب وقاتل وصانع إرهاب حقيقي في مصر ومساند لبشار الذي ورث سوريا كأنها من أملاك عائلته ومش دولة ودمرها متل نيرون ومع هذا السيسي وقف معه مع ان السيسي لولا انتفاض الشعب لم يكن يري الكرسي الصحف كلهاأبواق لنظام مصر وفي الحقيقة لاتقدم شيء لمصلحة مصر الدولة ولو سار الأمر كذلك ستعود ايام 67 ودور مصر في تلك المرحلة التي لاتحسد عليه فضلا عن السعي لاستبدال دور مصر

  6. نعم هو رئيسنا بقدر النظر عن أي حزب فيه و هو يمثلنا كدولة و هو مسؤول عمن يقوله و له أجهزته و مخابراته و ثانيا لا أظن أناي مواطن سوداني يعرف م تفعله مصر بالسودان حكومته و شعبة و إعلامه الرسمى و الخاص و مصر حاليا تمر بموقف اقتصادي صعب جدا بالتضخم الذى لا نهاية له و محدودة الموارد الطبيعية

  7. التحليل لحالة البشير منطقى .يريد يقول للسعوديه انا بديل جاهز فى كل الأحوال .بعد العداءيات بين مصر والمملكة .بسبب الجزيرة بن المصريتين. والسبب الآخر موقف مصر من سد النهضة .كفيل يا تهام .الفرعون رم سيسى. وأثيوبيا لأنها صديقة حقيقية للبشير لذلك لايمكن اتهامها بإدخال رجلها فى جنوب السودان . وكذلك يوغندة وينطبق على كينيا.. انا أعتبر هذة هى وثبة البشير الحقيقية بإقصاء مصر من الساحة السياسية الافر و عربية .ولم تحياتى. عبابسي