هوس الرذيلة !

ظللتُ أتابع ردود الفعل التي أعقبت زفراتي الأولى حول مقال (هوس الفضيلة) الذي خطّته تلك الفتاة بدون أن يطرف لها جفن أو تشعر بالخجل جرّاء فعلتها المنكرة، وبالرغم من أني كنتُ أتوقع التفاعُل الذي حدث من كثير من بني علمان بمن فيهم أردول وعرمان وأشباههم من الذين يصدرون عن مرجعية تختلف بل تصادم تلك التي انطلقت منها وأنا أحاكم ذلك المقال البذيء، إلا أني دُهشت لرد فعل بعض من كانوا ذات يوم جزءاً من ذات المدرسة الفكرية التي أنتمي إليها والتي تعمل على سيادة دين الله تعالى ومنهاجه في الأرض وعلى إعلاء رايته وخفض الشركيات الأخرى بمسمَّياتها المختلفة امتثالاً لأمر الله الحاض على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والحفاظ على حدود الله.

أحد هؤلاء سمّى القضية التي انفعلتُ بها بـ (معركة الواقي الذكري)! وجعل ذلك عنواناً لمقال استخف فيه بالأمر معتبراً إياه انصرافاً عن قضايا وطنية كبرى تُمسك بخناق المشهد السياسي الحالي بالرغم من أن ذلك الكاتب انصرف عن القضية الأساسية التي حملتْنا على تناول ذلك المقال المسيء والتي لا يراها تستحق أن يُراق فيها المداد وتسوّد الصفحات، فقد تساءلت تلك الفتاة في جُرأة صادمة: (هل العقول التي تحمل هماً كبيراً بشأن تربية الأفراد وتعليمهم الصلاة والحجاب وتطويل اللحى – هل بإمكانها بناء دولة عصرية أو حجرية؟)

تساءلتُ يومها ما بال ذلك الكاتب وأمثاله لا ينفعلون بما انفعلتُ به وضجَّت به الصحف وعدد من منابر الجمعة بالرغم من مرجعيتهم التي يزأر قرآنها بالقول الرباني: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ)؟! أهي يا ترى استهانة بآي القرآن أم زيغ أعشى أبصارهم؟!

ربما لم تسمع تلك الفتاة وهي تحقِّر شعائر الله، بدلاً من تعظيمها، بتلك الآية الكريمة وكذلك رفاقها من بني علمان، ولكنه وأمثاله بالقطع يحفظونها عن ظهر قلب ويعلمون مكانة الصلاة في وجدان المسلم وعظمتها عند الله تعالى وعند رسوله صلى الله عليه وسلم كما يعلمون بقول ربنا وهو يحض ولاة الأمر بقوله سبحانه: (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ).

سبحان الله .. الصلاة، عماد الدين التي أنزلها الله مكاناً علياً، وما اهتم كتاب الله بشعيرة أخرى مثلها، داستها تلك الفتاة بقدميها حين جعلت الاهتمام بها شأن المتخلفين وأعداء إقامة الدولة العصرية في اتهام صريح لرب العزة سبحانه خالق تلك الفتاة وأضرابها ولرسوله الخاتم بأنهما يهتمان بحقير لا يليق إلا بالحقرا.

ليتها قالت إن على من يهتمون بالصلاة وبالتربية أن يولوا معاش الناس وترقية حياتهم وتطوير البلاد وإنهاضها ذات الاهتمام، أو ليتها شنَّت الحرب على الفساد والاستبداد وكرّست كل مقالها للتعبير عن موقفها السياسي المعارض بدلاً من إسقاط بغضها لنظام الحكم وللحكام على دين والديها وأهلها وعلى الصلاة والقيم العليا المركوزة في وجدان هذا الشعب الصوَّام القوَّام.

إن ما أثار دهشتي وعجبي أن يستهين البعض بعبارة مُطلقة تحقِّر من شعيرة الصلاة وتدمغ من يهتمون بها ويعملون على تنشئة أطفالهم والناس جميعاً على أدائها بأنهم ليسوا جديرين بخوض معركة النهضة والتقدّم في عالم اليوم، بل إن تلك الفتاة استخفَّت بتربية الأفراد والذين بالقطع يشملون أطفال المدارس الذين جعلت مجرد الاهتمام بتربيتهم مناقضاً تماماً لمطلوبات بناء الدولة العصرية.

أما الواقي الذكري يا هذا فإننا لم نتعرّض له إلا في المقال الثاني باعتباره قضية جزئية استنكرنا أن تستنكِر إحدى فتيات بلادي المفطورات في الغالب الأعم على الحياء، أن تستنكِر عدم إطلاق يد وزارة الصحة لتوزيعه على الرجال، ولست أدري كيف يكون شعور والديْ تلك الفتاة وإخوانها وخالاتها وعماتها حين يقرؤون ما خطه يراع ابنتهم، وهل هذا ما كانوا ينتظرون، في صبر جميل، حين ودّعوها من قريتهم النائية ودفعوا بها إلى الخرطوم لتكمل دراستها الجامعية؟ أن تحدّث الناس عن الواقي الذكري وتستخف بالصلاة وبتربية الأطفال بالرغم من أنهم علَّموها منذ الصغر أن الحياء خير كله، وأنه إذا أراد الله بأمرء شراً نزع منه الحياء؟.

تتهكَّم تلكم الفتاة من الساعين إلى نشر الفضيلة وتسميهم بالمهووسين، أما المهووسون بالرذيلة فهم صُنّاع الدولة العصرية الناهضة لا يهم إن تم ذلك عبر إشاعة الشذوذ الجنسي والسفور والمخدرات والموبقات والواقي الذكري واتفاقية سيداو أو غير ذلك رغم التهديد والوعيد بالآية المزمجرة: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)..

أية جرأة على الله ووعيده يقترفها أولئك المتمرّدون على آي الله وقرآنه، وأي اطمئنان يملأ جوانحنا بأننا على الحق المبين رغم تكأكؤ دعاة الرذيلة؟.

صدقوني إنني لم أورد اسمها في أي من مقالاتي مراعاة لاعتبارات كثيرة كما لم أفكّر في الاتصال بأهلها ليحموها ممن يتاجرون بها ويستخدمونها في تمرير أجندتهم الصغيرة، بل كنتُ ولا أزال أعجب أنها ظلّت سادرة في غيّها لم تعتذر ولم ترعوِ كما لم توضح أنها ما قصدت التمرّد على دين أهلها وعلى حياء كان يحكم حياتها ذات يوم قبل أن يغمرها طوفان بني علمان بزيف بريقه الكذوب.

أما من اصطفوا خلف الفتاة من العلمانيين الذين تكأكؤوا وتدافعوا بالمناكب لنصرتها فإني لا أستغرب موقفهم فهؤلاء للأسف (فات فيهم الفوت) فيا حسرتاه على الأخسرين أعمالاً الذين ضلَّ سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً، فلربما يسعد بعضهم ويطرب لاحتقار ما أعلى الله من شأنه في تحدٍّ لقيم هذه الأمة أوردت الحزب الشيوعي ذات يوم موارد الهلاك، فماذا تنتظر من جمهوري لا يزال يتخبَّط بالاعتقاد في (ضلَّيل) زعم أنه رسول الرسالة الثانية وسمَّى نفسه (المسيح المحمدي) بل قرَّر إسقاط الصلاة عنه لأنه وصل إلى المقام المحمود بعد أن أوحى إليه شيطانه بذلك؟.

ضيق المساحة يضطرني إلى التوقُّف مؤقتاً، ولي عودة إن شاء الله تعالى.

الطيب مصطفى
صحيفة الصيحة

Exit mobile version