الطيب مصطفى

السودان بين السلام المستدام والدور الإقليمي


متغيرات إيجابية كثيرة طالت المشهد السياسي في السودان خلال العام الحالي الذي أرجو أن يكون عاماً لتحوُّلات كبرى في مسيرة البلاد.

سأؤجل الحديث عن الحوار الوطني وتداعياته رغم أنه لن يكون بمعزل عن تلك التحوُّلات لأتحدث عن أمرين مُهميْن أعقبا رفع العقوبات الاقتصادية الأمريكية هما الانفراج الكبير في علاقة دولة الإمارات العربية المتحدة بالسودان، وكذلك التطوُّر المضطرد في العلاقة مع المملكة العربية السعودية.

أتوقع أن يمضي الانفراج في العلاقة السودانية الخليجية إلى الكويت وبقية دول الخليج، ولا أستثني دولة قطر التي ظلّت علاقتها مع السودان متميّزة على الدوام.

ما كان للطفرة في العلاقة مع السعودية ودول الخليج أن تتم لولا مُتغيِّريْن كبيريْن على المستوى المحلي والإقليمي.

على المستوى المحلي كان للهزائم الساحقة التي حاقت بحركات التمرُّد الدارفورية أثره في تغيير موازين القوى لمصلحة الدولة السودانية التي كانت في أوقات ليست بعيدة تستنجد بدول الجوار الضعيفة نسبياً لإعانتها في إقناع المتمرّدين للتفاوض والتوصّل إلى تسوية لوقف الحرب.

إقليمياً تمثلت ضربة المعلم الموفَّقة في التحوُّل الدراماتيكي الذي نقل السودان إلى محور المملكة العربية السعودية والخليج على حساب إيران، ومن ثم المشاركة الفاعلة للسودان في عاصفة الحزم.. ولا ينبغي أن نغفل تأثير رفع العقوبات الأمريكية على السودان في الطفرة النوعية الأخيرة للعلاقة مع دولة الإمارات سيما وأن القيود المفروضة على التعاون الاقتصادي بما في ذلك التحويلات النقدية قد أزيلت مما يُمهِّد لانطلاق العلاقات الاقتصادية والاستثمارية بوتيرة أسرع وأقوى.

كذلك كان لتدهور الأوضاع السياسية والاقتصادية في دولة جنوب السودان جرّاء الحرب التي اشتعلت ثم زادت ضراوة وفتكاً بتلك الدولة أثره البالغ في إحداث تحوُّل إيجابي آخر تمثَّل في إضعاف الحركة الشعبية أو قل قطاع الشمال وحربه اللعينة في منطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق كونه فقد داعمه الأساسي (دولة جنوب السودان) الذي أضحى يتوسل إلى السودان ليسانده في حل مشكلاته المتفاقِمة بعد أن كان في أوقات سابقة الحاضنة الأولى لكل الحروب التي تجتاح بلادنا.. أقول ذلك بالرغم من أن الأمر لا يزال يحتاج إلى تنظيف بعض الجيوب العرمانية المزعِجة.

إذن فإن رياحاً كثيرة هبَّت في أشرعة السودان خلال الفترة الأخيرة بفعل قرارات قيادته السياسية أو بمِنَح ربانية ساقتها إليه أقدار الله الغلّابة تستحق الحمد طمعاً في المزيد.

إنه لمما يُفرح بحق أن يخرج السودان من حالة الاستضعاف التي كان يُعاني منها حين كان محاصراً، ليس فقط من أمريكا وأوروبا إنما بأزماته التي جعلته عرضة لتدخل حتى الصغار ناهيك عن الكبار .

نحمد الله كثيراً أن العافية بدأت تسري في جسد السودان من جديد مذكرة بخرطوم اللاءات الثلاثة في ستينات القرن الماضي حين كان السودان يلعب دور الأخ الأكبر الذي يضمّد الجراح ويرتق الفتوق ويسلي المحزونين ويعينهم على تجاوز أزماتهم وجراحهم.

ثم ماذا بعد؟

أقول إن السودان الآن في حاجة إلى شبكة استخبارية فاعلة، خاصة على المستوى الإقليمي وإلى دبلوماسية نشطة تجنّبه غيرة بعض دول الجوار الغاضبة من تمدّده إقليمياً على حسابها، ولعل أكثر ما ينبغي أن نعمل على تلافيه ما يمكن أن يحدثه الأعداء من اختراق يُعيد الحرب ويغيّر في موازين القوى من جديد لمصلحة لوردات الحرب وشياطينها خاصة من تلقاء الحدود الجنوبية أو الغربية أو حتى الشرقية.

للسودان ميزاته النسبية وموقعه الجغرافي الذي يستطيع من خلاله أن يؤثر على كل جواره الإقليمي،

ولكن ذلك كله يحتاج إلى استقرار سياسي يقتضي على الأقل السعي الجاد لضم الحركات الدارفورية المسلحة، هذا بافتراض استحالة ضم الرويبضة عرمان، ومن ثم المضي قدماً في إنفاذ مخرجات الحوار بغية إحداث التحوُّل النهائي المفضي إلى سلام مستدام ينبذ الاحتراب الذي عطل مسيرة البلاد منذ الاستقلال.

سعدتُ باللقاء الاجتماعي الذي جمع السيديْن رئيس الجمهورية والصادق المهدي، فهل يتحوَّل ذلك إلى مصالحة تضُم المهدي إلى مسيرة الحوار بعيداً عن التغابن الذي يبغضه الرجل حتى لو اقتضى ذلك الأمر التأنّي في الإعلان عن توزيع (كيكة) السلطة؟

إشادتي بالدور الذي لعبته الدبلوماسية الرسمية ممثّلة في وزارة الخارجية بقيادة ربانها الماهر بروف غندور لن تنسيني الإشادة بدور آخر قام به الفريق طه عثمان في توطيد وترسيخ علاقة السودان بالمملكة ودول الخليج، فقد قرأتُ مؤخراً من شهادات بعض رؤساء التحرير الذين رافقوا الرئيس في رحلته الأخيرة إلى دولة الإمارات عن حميمية بدت لهم في علاقة الرجل بقيادات دولة الإمارات مما أسهم في التطوّر النوعي الذي شهدته علاقة الدولتين مما يُبشِّر بخير وفير في مقبل الأيام.

الطيب مصطفى
صحيفة الصيحة


تعليق واحد

  1. “أقول إن السودان الآن في حاجة إلى شبكة استخبارية فاعلة، خاصة على المستوى الإقليمي وإلى دبلوماسية نشطة تجنّبه غيرة بعض دول الجوار الغاضبة من تمدّده إقليمياً على حسابها، ولعل أكثر ما ينبغي أن نعمل على تلافيه ما يمكن أن يحدثه الأعداء من اختراق يُعيد الحرب ويغيّر في موازين القوى من جديد لمصلحة لوردات الحرب”

    كلام سليم .. واهاصات من تقصدهم واضحة كالشمس