حوارات ولقاءات

د. غازي صلاح الدين (2): هل يجوز للحكومة أن تقتل المواطن البسيط فقط لأنه تظاهر؟


تكرار نموذج (نيفاشا) يعني تسوية على حساب المصالح الوطنية
لا أحبذ تغيير “أمبيكي” فليس من الحكمة تغيير الخيل في منتصف النهر

هل يجوز للحكومة أن تقتل المواطن البسيط فقط لأنه تظاهر؟
سلفاكير وقع بنفسه على الصيغة التي وردت عن الشريعة الإسلامية في “ميشاكوس”

مهموم بالإصلاح السياسي وهو ممكن ومجدٍ

تُرى ما الذي ستقوله، النرويجية هيلدا جونسون أحد مهندسي اتفاقية “نيفاشا”، في حق رئيس حركة “الإصلاح الآن”، د. غازي صلاح الدين العتباني، لو علمت أنه قد بارح صف حزب المؤتمر الوطني الحاكم، بينما هي القائلة عنه: (إسلامي حتى النخاع، وشديد الولاء للقيم والمبادئ التي قامت عليها الجبهة الإسلامية القومية السابقة أو حزب المؤتمر الوطني الحالي).

ولكنه، قبيل وضع ذلك التساؤل في طرف هيلدا، حقيق بنا أن نجلس إلى د. غازي، نستفسره عن موقفه من وحدة الإسلاميين ومن إمكانيات عودته إلى الوطني – وكذلك – لنعرف رأيه في جملة قضايا أخرى تشغل الساحة، وتمر بديار العم سام، وبدولة الكيان الإسرائيلي، ثم لا تنتهي بمواقفه من ترشيح الرئيس عمر البشير لدورة رئاسية جديدة، أتراها ذات المواقف أم استجدّ جديد، لا سيما وأنه قال في حواره معنا، إن بعضاً ممن مواقفه السابقات غلبت عليها المثالية، فكيف يا تراها حال إجابات الطبيب بعدما اكتست بلبوس الواقعية، هل تقع بين المزدوجين اللذين خطتهما هيلدا، أم بارحتها كما بارح هو ديار الوطني قبل سنوات.

عموماً لِمَ العجلة الآن، ولنقرأ الطروحات الجديدة والمتجددة التي قدمها زعيم الإصلاح الآن في حواره مع (الصيحة) على مدى حلقات ثلاث.

وزير الخارجية بروفيسور إبراهيم غندور ذكر أنك أول من ابتدر الحوار مع واشنطون؟
– في عام 2009م، حين توليت ملف دارفور، أاضاف إليّ المكتب القيادي للمؤتمر الوطني، بتوجيه من الرئيس كجهد جانبي، أن أتولى قضية الحوار. والجنرال الذي كنت أتعامل معه (غرايشون) كان يحمل البنود الأمريكية في الحوار (قضية الإرهاب، قضية العلاقات الثنائية، قضية دارفور)، وكانت هي مفردات الحوار، وتوليت تلك المهمة. وعندما سلمت ملف دارفور بعد توقيع الاتفاقية في 2011م سلّمت معه الملف للخارجية، وكنا قطعنا شوطاً في إحداث نجاحات جزئية في ملف العلاقات الثنائية، كان من بينها لأول مرة إيجاد رخص خاصة من مكتب المقاطعة الأمريكية لتصدير آليات زراعية وطبية، وفي قضية دارفور وقفوا معنا وأيدوا إستراتيجيتنا لدارفور وذلك شيء كانوا يتحاشونه في الماضي.

ما هي أبرز المكاسب المتحققة؟
– في اعتقادي أن المكاسب البسيطة التي حققناها كانت – إضافة إلى ما ذكرته سابقاً – الاتفاق على وضع أجندة مشتركة ينبني عليها الحوار. مشكلة الحوار في السابق تمثلت في كونه مطالب أمريكية من طرف واحد في ملف الإرهاب بمقابل استجابات سودانية غير ملحة ولا واضحة المعالم، لأنه لم تكن هناك قيادة مركزية تقود الحوار. كما أنه لم يكن حواراً شاملاً فقد ظل الحوار الأمني (في الكوردون) لا يعلم أحد بتفاصيله، وبذلك ضاعت من الجانب السوداني أقوى ورقة مقيضة. أعتقد أن هذا صحح فيما بعد. أهم مكتسبات في تلك الجولات – غير تأسيس الأجندة والمرجعيات – هو أنهم قدموا تنازلات جزئية في ملف دارفور، وفي استثناءات بشأن المقاطعة الأمريكية. وعندما كتبت تقريري الختامي أوصيت تحديداً بتسليم الملف لوزارة الخارجية لعلمي بالتقاطعات التي تحدث، وإذا أردنا أن نكون منصفين ومؤسسيين فالملف ملفهم.

هل ناقشتم ملفات أمنية؟
– التعاون الأمني كان مهمة الأجهزة الأمنية، ولم يكن لي اتصال مباشر بشأنه. كنا نتلقى إجابات مقتضبة إذا سألنا.. القاعدة الأمنية كما تعلم “الحاجة لأن تعلم، وليس الحق في أن تعلم”.

كيف تنظر لاتهامات الحكومة للحركات المسلحة بالعمل على إعادة العقوبات بعد مهلة (180) يوماً، فيما تعتقد المعارضة (المدنية والمسلحة) بأن الحكومة تتخذ من رفع العقوبات كرتاً للاستقواء عليها؟

– هذا هو لب المشكلة، الخلاصة التي توصلت إليها من خلال عملي السياسي هو أن هنالك مشكلة ثقة كبيرة جداً في الساحة السياسية. فجوة ثقة بيننا والآخرين في الخارج بما يخص العلاقات الدولية، وفجوة ثقة داخلية. كان في ظني أن القوى السياسية المسجلة التي تعمل بطريقة مشروعة هي الأقرب لأن تنحاز إلى مشروع وطني مشترك، ولكن القوى التي في الخارج إن جاز التعبير ليست بعيدة أيضاً عن هذا الهدف. حين وقعنا اتفاق سبتمبر 2014 كانت هذه القوى قريبة جدًا من الاتفاق والانطلاق إلى سلام نهائي.

وبشأن الموقف الآن؟
– الموقف الآن في اعتقادي يتطلب أن نكون على مستوى المسؤولية التي تستحقها المرحلة، والتواري خلف تبريرات واتهامات للطرف الآخر عملية سهلة، والاتهام له بأنه غير جاد ويعمل بمقتضى مصالح خاصة أو خارجية شيء ليس مفيداً، والجدل الذي يثور الآن لا هو مشوّق لا هو مفيد بالنسبة للشعب السوداني الذي يتطلع لحكومة مستقرة وذات مشروعية. الفتوحات المصيرية يحدثها الذين يتخذون قراراتهم بجرأة واقتحام، وفي التوقيت المناسب، ولو تركنا هذا الركود يتحكم في الوضع فلن نصل إلى نتيجة، لأن كل طرف سيختفي خلف تبريراته وتفسيراته الخاصة. في اعتقادي أن هنالك فرصة، وأنه لا عذر لأي من الأطراف (الحكومة وقوى المعارضة المسلحة وقوى المعارضة المدنية) إن وضع العراقيل أمام السلام نهائي.

ينبغي أن نقول للمخطئ أنت مخطئ. والوضع كما آراه الآن هو ليس مظلماً وقاتماً جداً، وأعتقد أن المعارضة من أجل المعارضة قد ولى زمانها، وتمترس الحكومة في خندق واحد دون محاولة للمساواة ودون أي استعداد للتراضي مع الأخر ليس موقفاً كاسباً.

المبعوث الأفريقي رفيع المستوى، ثامبو أمبيكي، أرسل مبعوثاً إلى الخرطوم التقى الجانب الحكومي دوناً عن المعارض .. فهل نحن في طريقنا إلى (نيفاشا) ثانية؟

– نحن التقينا أمبيكي، وعلى اتصال به في أديس أبابا، ونحاول من حين لآخر أن نساهم معه بأفكار ومقترحات. العلاقة تفاعلية وبناءة. حول نيفاشا: لست قلقاً من أن الأمور تمضي نحو نيفاشا جديدة وأرجو أن أكون مصيباً.

(مقاطعة): لماذا عدم الحماس لخارطة الطريق؟
– لأنها في الحقيقة استثنت قوى سياسية من بينها نحن، وخارطة الطريق لم تكن شاملة، ويمكن لو أسيئ استخدامها أن تؤدي إلى نيفاشا ثانية، باستثنائها للقوى السياسية الأخرى. ولكن الشيء الذي ورد في خارطة الطريق وعطّل الحوار السياسي هو أن الخارطة جعلت الأولوية للملف الأمني الإغاثي مما عطّل التفاوض السياسي، إزاء ذلك اقترحنا تشغيل المسارين حتى لا تتعطل القوى السياسية ويصبح وضعها مثل لاعبي الاحتياط. لكن المبادرة رُفضت من قبل الحركة الشعبية. شيء مفهوم أن الأولوية هي وقف الحرب، لكن وقف المسار السياسي كله أصبح إجراءً معطِّلاً لكل العملية السلمية وسيعطي الحكومة الفرصة للتنصل من الحوار.

وكيف يتم تجاوز ذلك؟
– من الضروري أن نتعامل مع هذا الاحتباس بالبدء في إجراء المشاورات السياسية توازياً مع المفاوضات الأمنية العسكرية. وهناك طريقة للتحكم في المسار السياسي حتى لا يسبق المسار العسكري الأمني مثل استخدام آلية الإبطاء أو آلية التعليق، وبذلك نكون قد سرّعنا العملية التفاوضية دون أن نسقط من حافة الطاولة. الإسراع بالتشاور دون الإسراع بالتوقيع، تلك هي القاعدة. أو بأن نخفض التعامل في المسار السياسي إلى حين لحاق المسار الأمني العسكري.

نحن لم يسمح لنا أن نكون جزءاً من خارطة الطريق بالرغم من مطالبتنا بأن نكون جزءاً منها، ولكن عندما رفض الطلب آثرنا أن نعمل بالتوازي للدفع بعملية السلام. ثم بعد ذلك أوجدنا خارطة الطريق الخاصة بنا في النقاط الثمان التي صغناها للحوار مع آلية التسيير، وربما تلتئم بعض هذه الحوارات بينا في الأيام القادمة، وربما لا تلتئم، هذا متوقف عليهم، لكننا أبدينا استعدادنا للجلوس معهم، لكن هذا لا يعني أننا تلقائياً وقعنا على الوثيقة الوطنية. نتيجة التشاور وفق الأجندة الثمانية هي التي ستسمح لنا بتوقيع الوثيقة. لدينا أفكار جديدة نرجو طرحها، مثل فكرة تكوين معارضة دستورية ومثل اتفاق لإصلاح الحركة السياسية ودعمها. هذه مقترحات جديدة فعلاً وسيكون لها أثر كبير على السياسة في السودان إذا اعتمدت.

لأي المكونات السياسية في الساحة تعتبر (الإصلاح الآن) أقرب؟
– نحن نحاول أن نكون موجودين بالقرب من كل تلك القوى بالقدر الذي يمكننا من التأثير الموجب عليها. هذه هي سياستنا. الأغلب هو القرب من المعارضة، لكن هذا لا يعني قطيعة مع المؤتمر الوطني أو الأحزاب المتحالفة معه، في الحقيقة معظم هذه الأحزاب مواقفها السياسية جيدة للغاية لكنها مرتبطة باتفاقيات سياسية مع الحكومة. سياستنا هي ليس فقط قياس الأبعاد، وإنما التأثير العملي الفعلي البناء، مع تلك القوى، وهذا ما يجعلنا منفتحين تجاهها جميعاً.

هل التوصل إلى تسوية ثنائية بين (الحكومة والحركات المسلحة) كافٍ لحل مشكلات البلاد؟
– أعتقد أن الموانع النفسية والفكرية من تكرار نموذج نيفاشا موجودة بقوة بين كل القوى السياسية. صحيح أن بعض القوى قد تنحو إلى شيء من الانتهازية وتسعى إلى إغراء الحكومة وقبول توقيع اتفاق ثنائي معها، وهذا سيكون خطأ لو أن الحكومة وافقت علىيه، وهي ليست مضطرة إليه على كل حال، وهي في وضع أفضل مما كانت عليه في نيفاشا، حتى بالقياس لموضوع دارفور هي في وضع أفضل، وبإمكانها أن توقع اتفاقاً نهائياً، بما يجعل كل الأطراف كاسبة. وإن مضينا إلى نموذج نيفاشا فهذا يعني وجود تسوية على حساب المصالح الوطنية، ومصالح القوى السياسية الأخرى التي ستعترض، ما يعني أن تظل خميرة المعارضة موجودة في كل المواعين، وربما تظهر خصومات ومواجهات بين الأطراف الموقعة، بينما لو أنك وقعت على اتفاقية وطنية شاملة ستكون في حماية كل القوى السياسية لأنها مؤتلفة ومتعاونة لتطوير ذلك النموذج والعهد الذي يؤسس لمشروع وطني جديد.

هل تملك ثقة في الحوار الوطني في ظل رفض قوى فاعلة له؟
– من القوى الفاعلة التي أشرت إليها حزب الأمة الذي كان جزءاً من الحوار، لكن للأسف الحكومة نفرته وأبعدته، لكن في ظني هو متاح اليوم للعودة بصورة أشمل مع حلفائه في نداء السودان. الفرصة ما تزال مواتية.

قوى كالشيوعي وبعض من مكونات قوى الإجماع الوطني في الداخل ما تزال تمتلك موقفاً سالباً من الحوار؟
– إذا الحوار الوطني أوصلنا إلى الصيغة المطلوبة لحكم البلاد فهذا سيفتح الفرصة أمام الجميع ليشاركوا بفعالية وبعدالة وانتصاف لكل القوى السياسية. ولو أن هذه القوى شاركت في هذا المشروع فذلك أفضل، ولكن في النهاية لو اختاروا ألا يشاركوا ورفضوا مبدأ الحوار والمشاركة فهذا من حقهم، ولكنهم لا يملكون تعطيل المسيرة الوطنية بكاملها. المطلوب هو الإجماع الممكن وليس الإجماع المبتغى، وإذا كان الإصلاح يحمل سمات الإصلاح السياسي الحقيقي فلا ضرر لأي حزب لم يشارك في مجريات الحوار الوطني أن يشارك في تحصيل حقوقه من خلال منظومة الحقوق الدستورية التي يتمتع بها مثل أي حزب آخر.

يبدو أن الحوار الوطني في طريقه إلى محاصصة على السلطة؟
– ربما، وهذا جانب غير مليح للحوار -إن جاز الوصف. بالنسبة لبعض القوى فإن العملية تتمثل في ماذا بعد الحوار الوطني من مكاسب وغنائم. عموماً لا تملك أن تمنع سلوكاً كهذا، ولكن الذين يتلخص لديهم الحوار في أنه طريق لمكاسب يضرون بقضية الحوار جداً، ويبتذلونها إلى حد كبير، ولكن على كل حال هذا هو واقع السياسة وأقاصيصها، أن تتعامل مع هذه التيارات، وفي النهاية أنت مكلف بأن تقدم حلاً مثالياً ولكن بدرجة تجعله قابلاً للتطبيق. أرجو ألا يكون في هذا القول تناقضاً.

ولكن مخاوف المحاصصة تظل غالبة؟
– أرجو أن يكون إحساسي مصيباً أن الضمير الجمعي للشعب السوداني يتطلع لمثال أفضل، هذا المثال يتكون الآن في أحشاء التجربة السودانية ونحن كالقابلة التي تخفف آلام الميلاد وتحمي المولود وأمه من جراحاته.

هذا يقودنا إلى قضية مهمة جداً، وهي قضية إصلاح الحركة السياسية، لأن الناس مشغولون جداً بقضية إصلاح الدولة، وهو مطلب عزيز وصحيح، ولكن علام تقوم الدولة؟ تقوم على القوى السياسية التي تفوز بانتخابات أو تتأهل لذلك بمشروعية معينة. هذه الدولة لا بد لها من قيادة، والقيادة تأتي من الحركة السياسية، وهي مجموع القوى السياسية والأحزاب، وحتى القوى التي لها وقع سياسي وإن لم تكن سياسية كالقوى الاجتماعية في طبيعتها. وهنالك منظومة قيم ثقافية وسياسية، كيف يتصرف الناس في الانتخابات، وفي المسائل العادية إزاء بعضهم البعض، وفي خطابهم السياسي، ومع القوى الدولية. هذه كلها مسائل تحتاج أن تترسخ من خلال التحربة السياسية، حتى عند كبار السياسيين. نحن مهتمون بهذا الجانب التكويني لذلك لدينا عدد مقدر من الإصدارات الفكرية ولدينا برامج فكرية وثقافية لترسيخ تلك المبادئ، ومستعدون للتعامل مع الجميع نحو تحقيق تلك الأهداف.

هل التعليم على طريقة (بعد ما شاب ودوه الكتّاب) مجدية؟
– نعم، مجدية وممكنة. ممكنة من خلال نظم معينة، صحيح أنت لا تربي الناس بالقوانين، ولكنك تنظم السلوك الإنساني في هذه الناحية بوضع اشتراطات معينة في الحملات السياسية الانتخابية، وفي طريقة المشاركة بالنسبة للقوى السياسية المختلفة، وهذه أشياء يمكن من خلال القوانين والتدريب أن ترّسخ. على كل حال الربط بين القيم والممارسات وترسيخها من خلال مدونة سلوك هو شيء مطلوب ومكن.

يمكن أن نعلم الجماهير كيف تعبر عن نفسها دون عنف. حتى التظاهر هو مشروع ويمكن أن نعلم الناس كيف يمارسونه، بمقابل ذلك هل يجوز للحكومة أن تقتل المواطن البسيط فقط لأنه تظاهر؟ نعوذ بالله أن ننتمي لنظام كهذا فاقد للوعي والثقة بالنفس. نحن نريد أن نعبر الضفة لنلتحق بالشعوب الحرة.

المنع بدعوى هشاشة الأوضاع؟
– أتفهم تماماً كجزء من الاتفاق النهائي أن نفرض على أنفسنا عهداً تعاقدياً بأن نمتنع طواعية لعام أو عامين من التظاهر في قلب الخرطوم توطئة لمساعدة الأحزاب لتدريب كوادرها وعضويتها على التظاهر السليم كما نصّ الدستور. في هذه الأثناء نترك التظاهر مفتوحاً بغير تصديق في الساحة الخضراء في الخرطوم وحوش الخليفة في أم درمان، وميدان المولد في بحري، مفتوحة لمن يشاء آناء الليل وأطراف النهار، هذا أفضل كثيراً من منع حق دستوري أو قتل النفس التي حرم الله بسببه. ثم دعنا نطلب من الأحزاب أن تربي أعضاءها وأفرادها الذين يعملون باسمها على قيم وأخلاق سياسية معينة، دعنا نربي الناس على كيف يتظاهرون ويعبرون عن رأيهم بدون تخريب، هذا كله ممكن جدًا. الأهم من ذلك كيف نربي الأحزاب، حتى على الصيغة الشورية بداخلها لجعلها منارات للعمل الشوري والممارسة الديمقراطية، وهذا ممكن جداً.

ويمكن إدخال تلك الثقافة في المقررات الدراسية منذ المرحلة الابتدائية، أعرف دولاً فعلت ذلك. منذ الطفولة يربونك على كيف تتخذ قراراً مستقلاً، كيف يمكن أن تصوت، أن تتفاعل وتتحالف مع آخرين لتحقيق هدف معين، وتربى على ذلك الأجيال القادمة. رأيت ذلك مباشرة في اليابان. حتى الأجيال القديمة يمكن أن تربى.

هناك من يلخص الأزمة السودانية في شخص الرئيس أمبيكي؟
– أمبيكي شخصية على درجة من قوة الشخصية والتصميم وهو منحاز إلى الدول النامية. أعتقد المشكلة الرئيسية أمامه هي أنه “منشر” في أكثر من قضية والوقت المتاح له في العمل على الملف السوداني يتقلص بسرعة، ومنذ دخول الأمريكان في الملف أصبحت معه في الساحة قوة يصعب قياسها أو التنبؤ بتصرفاتها، فكما ذكرنا سابقاً الدور الأمريكي يمكن في عهد ترمب أن يتشكل بأي شكل: ملاك أو شيطان.

أي مشكلات تواجه مبيكي؟
– ذكرت بعضها أعلاه وأضيف إليها محددات إدارية ومالية بالنسبة للآلية. وضع في اعتبارك أنك لو جئت بشخص جديد فسيكون عليه أن يبقى سنوات ليحصل خبرة أمبيكي بالملف، وكما يقول المثل (ليس من الحكمة أن تغير الخيول في منتصف النهر). بدلاً من تغيير الخيل علينا أن نشجعها على دخول المخاضة. ولكن على الآلية والرئيس أمبيكي طرح مسارات للعمل ومقترحات للحلول، وهو ما يتطلب جهداً فكرياً مضاعفاً.

كيف تنظر للأحاديث الداعية لترشيح البشير لدورة رئاسية جديدة؟
– حقيقة، أصبحت متحرجاً من الحديث في هذه المسألة، لأن هذه المسائل تحمل محملاً شخصياً. فقد قلت رأياً موضوعياً جدا قبل أربع سنوات، وعانيت ما عانيت منه. أنا لستُ ضد شخص بعينه، ولا ضد الرئيس، ولستُ حكماً على أدائه، وهذا شأن الشعب السوداني. يمكنك القول إنني الآن أقل مثالية مما كنت، وأكثر واقعية، وبالتالي ضد أن تجرنا هذه القضية إلى خلاف مستفحل، وإلى وانشقاقات وانشطارات.

أقول إذا حدث اتفاق، وتوافقت القوى الوطنية على الرئيس الحالي أو أي شخص آخر، لن نفسد الحفل، وسنقبل ذلك باعتباره خطوة نحو الكمال، وليست الكمال بعينه. لقد أصبحت القضية بالنسبة لي إجرائية. في نهاية الأمر أرجو أن نتوصل إلى نظام مستقر تكون فيه فترة الحكم محددة. حدث ذلك في الدورة الحالية أو التي تليها، فالمهم أن يحدث. ولكن لا أحب ان أطيل الجدل في هذه “الغلوتية” كأن هناك معركة شخصية ضد الرئيس. إذا حدث إصلاح سياسي حقيقي، فأي تضحيات أخرى في سبيل ذلك كقضية التجديد للرئيس تصبح ساعتئذٍ مسألة فرعية.

كيف ترى مقولة رئيس دولة جنوب السودان بأن إصرار الخرطوم على تطبيق الشريعة الإسلامية أدى إلى الانفصال؟
– غريب أن ينسب ذلك لسلفاكير، لأنه هو الشخص الذي وقع على اتفاق ميشاكوس، وهو من قبل بالصيغة التي وردت عن الشريعة الإسلامية فيه، وبمقتضى اتفاق مشاكوس هو قبل ليس فقط بالصيغة التي وردت عن الشريعة، بل أكد التزامه أن يعمل الطرفان بمقتضى اتفاق مشاكوس من أجل الوحدة. هذا كله صدر تحت توقيعه، فهل كان قادة الحركة الشعبية يلتزمون بشيء ويعملون بغيره؟

إذاً هو إقحام للشريعة ليس في محله؟
– قضية الدين أقحمت لا شك، ولكن هذا لا يبرر القول بأن موضوع الدين لم يكن عاملاً أصلاً في المشكلة، وصحيح وجدت ممارسات خاطئة من الحكومات الوطنية دفعتها شعارات سياسية ودينية من قوى حزبية، ولكن إذا تحدثت عن إقحام الدين من بعض القوى السياسية لا يمكنك أن تخطئ في رؤية الاستغلال السيئ لقضية الدين من قبل مجموعات الإفانجيليين في الولايات المتحدة الأمريكية الذين كانوا أكبر كتلة دافعة للانفصال بخطاب ديني متطرف. هم من وظف الرئيس بوش وإدارته لمصلحة الانفصال.

هناك حقائق مهمة: الجنوب لم يتعمق في الوجدان الوطني بما فيه الكفاية، مثلاً عندما نبحث في المصادر التاريخية ككتاب “الطبقات” لود ضيف الله لا نجد ذكراً للجنوب والجنوبيين وكأن العلاقة مع الجنوب كانت منسية. تاريخياً تتحمل قوى عديدة المسؤولية، ولكن القضية في أساسها لم تكن دينية، لا في تمرد توريت عام ١٩٥٥ ولا في تمرد ١٩٨٣.

يتبع

حوار: مقداد خالد
صحيفة الصيحة


تعليق واحد

  1. مع اختلافي الشديد مع غازي ومعظم قيادات الحركة الإسلامية إلا أن أمين حسن عمر وغازي صلاح هما من خيرتهم وهما مفكران متطوران يؤمنان بالحريات والتداول السلمي للسلطة وتجديد الفكر الإسلامي وليس الدين الإسلامي كما يروج التكفيريون.