مقالات متنوعة

نظام التفاهة


كتب علي التجوال للإتيان بفواتير مبدئية للعمل.. دلفت الى أول محل ..كانت الفتاة تتحدث في الجوال ..ابتسمت تجاهي ولم تتوقف عن الحديث ..عندما طالت وقفتي ..قالت للجانب الآخر (دقيقة ..خليك معاي) ..أبعدت الهاتف قليلاً وسألتني (نعم؟) ..قلت لها (نحن جهة حكومية..عايزين نعمل خزانات لمعمل عندنا ..ممكن نعرف امكانية تنفيذه ..لأنو عندنا شروط لازم تتوفر ..)..عندها اعتذرت للجانب الآخر بعبارة (برجع ليك) ..سردت عليها طلباتي ..كانت عند كل شرط ..كانت تتصل بالهاتف الثابت لتسأل شخصا ما ..ومن ثم ترد علي..مما دعاني لسؤالها (انت بتسألي منو كل مرة؟) ..قالت (بسأل الرئاسة) ..(ليه؟؟ إنت دا مش شغلك ؟؟ إنك تكوني موجودة في المعرض وتجيبي على كل الأسئلة وكمان المفترض توريني المميزات بتاعة كل نوع؟) ..هزت كتفيها قائلة: (ما في ناس بيجوا كتير؟؟) ..هل هذا تبرير لكونك لا تعلمين شيئاً مما تعرضين؟؟..لم تعرني انتباها ..فقد عادت للجوال قائلة (أها قلتي شنو؟).

المحل الثاني ..هذه المرة كانت الفتاة تجلس أمام (لاب توب) ..مستغرقة ..حتى أنها لم تلتفت إلا بعد أن ألقيت السلام ..حكيت لها ما أتيت لأجله …بدون المرور بأي تفاصيل قالت: (أدينا رقم تلفونك والمهندس حيجي يقيس ويحدد ليكم السعر) ..مهندس شنو يا بتي ..نحن فقط نريد فاتورة مبدئية اذا توفرت الشروط عندكم ..قالت وهي تضغط على أزرار اللاب توب ..(معليش ما عندنا فواتير هنا ..إلا في الرئاسة في المنطقة الصناعية )..(كيف يعني؟؟ ..إلا أمشي المنطقة الصناعية ؟؟..طيب انتوا فاتحين هنا ليه؟؟) ..بدأ صبرها ينفذ (نحن فاتحين عشان تعرفي الأنواع والأشكال ..عجبتك ..تخلي تلفونك يجيك المهندس ..لكن فاتورة مبدئية وحركات زي دي ما عندنا ..إلا تمشي الرئاسة )..هززت رأسي متعجبة وقلت لها (يا بتي ..انتوا كدا ممكن تفقدوا زبائن كتيرين ..خاصة في الشارع دا في جنسيات أخرى ..منافسين ليكم ..يقابلوك بابتسامة ..يضيفوك ويدوك شاي ..يستجيبوا لأي طلب ..ويغروك بكل شيء ..عشان تشتري منهم ..) ..هزت كتفيها غير عابئة وقالت (الله ..كريم)..هل من أحد يتطوع لشرح الفرق بين التوكل والتواكل لتلك الصغيرة ؟ ..

قرأت مقالاً على صفحة أحد أصدقاء الأسافير ….يقول المقال إن المهنة صارت (وظيفة) …يتعامل شاغلها معها كوسيلة للبقاء لا أكثر ..تجده لا يحاول تطوير نفسه ..ولا البحث عن اضافات يمكن أن تفتح مجالات أخرى ..اقتباس من المقال (يمكن أن تعمل 10 ساعات لوضع قطعة في سيارة وأنت لا تجيد إصلاح سيارتك ..تبيع كتباً لا تقرأ منها سطراً واحداً ..انحدر مفهوم العمل الى المتوسط ..بالمعنى السلبي للكلمة) ..هذا الكاتب يتحدث عن النماذج التي صارت هي السائدة ..قل أن تجد شخصاً يحب عمله ويخلص له ..وبالتالي يتقنه ..ستلاحظ أن أغلب الأشياء تبدأ جيدة ومن ثم تنحدر لتصل الى الحضيض ..ذلك أننا نتعامل معها كوسيلة للبقاء ..لا أكثر ..الكاتب تحدث عن الظاهر ة عالمياً ..قال إن العالم الآن يجتاحه (نظام التفاهة) في كل الأصعدة ….حسب رأي مؤلف الكتاب الفليسوف الكندي (آلان دونو) ..أن التافهين حسموا المعركة ..(لا لزوم للكتب المعقدة ..لا تكن فخوراً أو روحانياً ..فهذا يظهرك متكبراً ..لا تقدم فكرة جيدة ..فستكون عرضة للنقد ..لا تحمل نظرة ثاقبة ..وسع مقلتيك ..أرخ شفتيك ..فكر بميوعة وكن كذلك ..عليك أن تكون قابلاً للتعليب ..لقد تغير الزمن ..فالتافهون هم السائدون)..على هذا النسق ..فقد طرقت آذاني قبل قليل أغنية من ركشة تسير بجانبي مطلعها يقول (بتدقا ..أعمل حسابك ..صعبين أهلي ما تجيني ..أزعل.. طرشق ..اتشقا).

صباحكم خير – د ناهد قرناص
صحيفة الجريدة