داليا الياس

“الآخر”!


نعم.. أنت!.. يا نصفي.. يا ذلك المتكئ على مرفق حياتي.. إنسان ما.. يقاسمني العيش فوق البسيطة.. والموت تحتها ذات يوم!
أعبر أيامك أو تعبر أيامي.. تحمل معظم صفاتي الفيزيلوجية والفيسيلوجية.. وتشاركني نعمة الأكسجين والماء والضحك والبكاء وتحلق بأحلامك نحو ذات السماء أو تتضرع رافعا كفك إليها بالدعاء!
أنا وأنت.. مخلوقان ضعيفان من مخلوقات رب قادر ومجيد.. أتى بنا لأرضه لأغراض العبادة والتضرع، فاكتشفنا نحن سهوا متاع الدنيا الزائل.. فعشقنا.. وكرهنا.. وابتكرنا.. وزرعنا.. وصنعنا.. و.. ثم اختلفنا وأمعنا في التحدي والخصام!
فكنت أنا أنا.. وأنت آخر.. والعكس صحيح بيد أني أخرى!
فلماذا تبدلت فطرتنا المحبة؟.. ولماذا تناصبني العداء وتفسح المجال للظنون والهواجس والمشاعر القميئة لتستكين بيني وبينك ويستطيل ظل حائط الصد المنيع؟!
لماذا تبدلت إنسانيتنا.. وتحولت العلاقة التكاملية التي بيننا إلى أخرى تفاضلية يسعى كل منا لفرض سيطرته فيها على الآخر وتنصيب نفسه سيدا آمرا ناهيا له من الجبروت والغرور ما له؟!!
أين الرحمة التي جبلنا عليها.. والسكن الذي أقر لنا.. والمودة التي تحفنا؟.. لماذا أصبحنا نتقن كل فنون الجدال والنضال ونجهل فن الوصال والاحتمال؟.. لماذا لم نضع منهجا دائما للتعايش بحيث يتسع صدرك لتذمري وأفرد تسامحي ليغطي سوءات أخطائك الصغيرة؟
من قال إننا كائنان مختلفان يجب عليهما أن يظلا دائما في عراك مستمر حول عشب الحياة الذي ما فتئ يفني من وقع أرجلنا وهي تضرب عليه لتثبت ذاتها؟!
إنني يا رفيق حياتي.. أري أن نهدئ من روع أفكارنا المتطرفة ونقلل حدة المنافسة ونعقد هدنة عاجلة لنعيد النظر في أمر الجندر والسيادة وكل حكايات المجتمع الشرقي القديمة والحديثة التي سمحت لهوة الاختلاف بيننا بالاتساع وعلمتنا أن نكتشف أدق الفروقات بيننا ونصنع منها حواجز أزلية تحول بيننا وبين الاستقرار والأمان والسكينة!!
أنا وأنت.. مخلوقان متحدان.. تجمعنا المؤانسة والإنسانية والأنس.. ولا يفرقنا حتى النسيان!.. أنا وأنت طيفان يعبران المدى ويشكلان غيما ماطرا ينبت خيرات الأرض من جوفها الصلد فتزهو الخضرة في جنباتها وتزدهي المساحات.. أنا وأنت ضلعان سويان من المحبة والامتنان والتقدير والاحترام.. ما كان اعوجاج أحدهما مذمة أو انتقاصا من قدر ما يجب أن يكون عليه من تعاون وترفق ورحمة.
أنا وأنت.. عباد الله الذين اختصهم بنعمة العقل والعاطفة.. ومنحمها أفضلية الإيمان والإسلام.. وأقر لهما فضل الدعاء والاستجابة.. وكلفهما بأعمار الأرض وتكاثر البشرية!
فلماذا تفرقنا القوانين والأعراف والممارسات والقناعات؟.. ومن منا الذي نادى صوته عاليا مطالبا بالمساواة بينما شرعت علينا القوامة؟.. من الذي تنازل عن أدواره ومسؤولياته وسمح للآخر بالتغول عليها ليسلبه امتيازاته ويمد له لسان التحدي ساخرا؟
لا أنتظر إجابة محددة.. فكلانا شريكان أصيلان في التردي الواضح الذي طال علاقتنا وجعلنا رجلا وامرأة لا يمتان لمسمى الإنسانية بصله ولا يجوعهما رابط إلا ليفرقهما ويجعل كلا منهما آخر.. له عالم مختلف وتفاصيل وطقوس وأبعاد مختلفة يعيش من خلالها عزلة كاملة عن الآخر!
فتعال نتفق على أن نستعيد ما خلقنا لأجله من إعمار واخضرار ونماء ومودة..
تعال أحترم رجولتك وتدلل أنوثتي.. تعال بعيدا عن هواجس الأنا والأفضلية والأقوى والأحسن والأذكى والأرفع شأنا والأنبل عاطفة والأطول عمرا!!
ألا ترى معي أنها جدليات أزلية بيزنطية لم تقدم لنا الكثير ولا أضافت لنا من السعادة والنجاح شيئا يذكر؟!
فرجاء لا تناصبني العداء.. ولا تمتحني دائما بالخذلان والجحود والتبخيس.. فلم يعد للنخاسة سوق.. ولا للوأد ميدان.. هناك فقط متسع للامتنان والكرامة والأمل.. فالحياة تستعصي مزاليجها يوما بعد يوم.. وتتبعثر مفاتيحها في جميع الاتجاهات.. فدعنا نبحث عنها سويا.. لنفتح كل الأبواب المغلقة.. ونبدأ ببوابات ذواتنا التي تخبئ وراءها مواريث محزنة من الندية والصلف والعداء الخفي والمعلن.. فنظل نرزح تحت وطأة تاريخ القبيلة الأزلي ولا نتذوق لشهد إنسانيتنا طعما.. ولا نبلغ لمدى جمالنا حدا.. معدمين من أروع ما فينا.. لتنسرب سنواتنا من بين أصابعنا دون أن ندري.. فنلتفت فجأة لنجد الموت يتربص بنا ولم نعرف بعد إجابة السؤال: شبابك في ما أفنيته؟!
آخر.. وأخرى.. ولكننا.. معا.. نحن.. ركيزتا العالم.. وميكانيزم الحياة.. دفء الأرض.. ورحمة السماء.
تلويح:
أنا وانت أسياد الغرام.. والريدة.. والشوق.. والوفا..
ما تخلي بيناتنا الملام.. والحيرة.. والصد.. والجفا..
أديني إحساس بالأمان.. وأنا ياخي بديك الدفا..

داليا الياس – اندياح
صحيفة اليوم التالي


‫2 تعليقات

  1. يا سلام عليك يا استاذة داليا رائعة انت يا استاذة
    رائعة انت يا انسانة كتاباتك مريحة و سلسة و واقعية
    و صادقة