الطيب مصطفى

بين (هوس الفضيلة) والأوْبة إلى الله!


الكاتبة السعودية مشاعل العيسى بعد أن رتعت في كل الموبقات وعاشت غربة بل غيبوبة فكرية ونفسية مجنونة أكثر عمقاً وانغماساً في دركات هوى النفس الأمارة بالسوء من تلك التي عاشتها فتاتنا السودانية المتمردة على الفضيلة الناقمة على كل من يعلون من شأنها ظانّةً أن تخبُّطها هو عين الحضارة التي اتخذتها ربّاً أعلى في سبيلها تناضل وفي هواها تجادل ومن أجلها تهتك أستار الحياء وتتجرَّد من كل خلق قويم.. مشاعل العيسى تحكي في الأسطر التالية رحلتها الخائبة مع حالة الضياع وكيف عادت إلى ربِّها طائعة مختارة بعد أن اكتشفت زيف ما كانت تتقلب في مستنقعه الآسن.. فهل تقرأ فتاة (هوس الفضيلة) الأسطر التالية من تجربة تلك الراجعة إلى الله حتى تختصر الطريق إلى الأوبة سيما وأنها في بدايات الخروج إلى عالم هوس الرذيلة؟! آسف فقد اختصرت المقال ليوافي المساحة المتاحة.

هتْكُ الأسرار

اليوم أقلد قلمي شرف هتْك الأسرار.. أسرار الضياع.. لم تكن توبتي نتيجة ظروف قاسية أو محنة عارضة بل كنت أنعم بكل أشكال الترف والحرية في كل شيء، وكنت أجسد العلمنة بمعناها الصحيح، وكانت أفكار الحداثيين وخططهم نهجي ودستوري، وكتبهم مرصوصة في مكتبتي، وقلمي تتلمذ على أشعار نزار قباني، وكان إسقاط الحجاب حلماً يداعب خيالي، وقيادة السيارة، الممنوعة للنساء في بلادي، قضيتي الأولى أنادي بها في كل مناسبة.

أما تحرير المرأة من معتقدات وأفكار (القرون البالية) وتثقيفها وزرع مقاومة الرجل في ذاتها فقد تشربتها وتشربتها خلايا عقلي. وسعيت لتسليط الضوء على جبروت الرجل وأنانيته، وقدمت الرجل المتحرِّر على طبق من ذهب على أنه يفهم المرأة وأنه هو الذي استخرج كنوز أنوثتها وقدَّمها معه جنباً إلى جنب.

وشوَّهت صورة الرجل المتدين في نفسي على أنه اكتسب الخشونة والرّعونة من بيئة الصحراء وتعامل مع الأنثى كما تعامل مع النوق وهو يسوقها بين القفار، كانت الموسيقى بالنسبة لي (غذاء الروح).. هي نديمي من الصباح إلى الفجر، أما الرقص بكل أنواعه فقد جعلته رياضة تعالج تُخمة الهموم وكنت أدعم نظريات فرويد بأمثلة واقعية، وأنسب المشاكل الزوجية إلى الكبْت، والعقد من آثار أساليب التربية القديمة التي استخدمها أهلنا معنا وكانت أفكاري تجد بين المجتمع النسائي صيتاً عالياً ومميزاً وسِرت على هذا النمط سنين عديدة.

في يوم من الأيام وفي أحد الأسواق كنت جالسة في ساحته لفت نظري شاب متدين بهيئته التي تدل على التدين.. أظنه في فوق العشرين من العمر.. أعجبني هدوؤه وراودتني بعدها أفكار غريبة عليّ جداً.. كانت علامات الرضى بادية على محيّاه.. خطواته ثابتة رغم أن قضيته في نظري خاسرة هو والقلة التي ينتمي إليها يتحدون مارداً جباراً (تقدم وحضارة) ولا يزالون يناضلون.. سخرت بداخلي منه ومنهم، لكنني لم أنكر إعجابي بثباته، فقد كنت أحترم من يعتنق الفكرة ويثبت عليها.

حاولت أن أحلِّل الموضوع فقلت في نفسي: ربما هؤلاء الملتزمون تدينوا نتيجة الفشل فأخذوا الدين شعارات ليشار إليهم بالبنان، لكن منهم العلماء والدكاترة وماضٍ عريق فقد ملكوا الدنيا حيناً من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب أو ربما هو الترفع عن الرغبات.

عند هذه النقطة بالذات اختلطت عليّ الأمور.. الترفع عن الرغبات معناه الكبت والكبْت لا ينتج حضارة!! حاولت أن أتناسى هذا الحوار مع نفسي لكن عقلي أبى عليّ ولم يصمت ومنذ ذلك الوقت عشت في حيرة، وبدأ الزلزال يعصف بكياني، فقدت اللذة التي كنت أجدها بين كتبي ومع أنواع الموسيقى والرقص ومع الناس كافة.. علمت أني فقدت شيئاً، لكن ما هو؟

لست أدري.. اختليت بنفسي لأعرف.. طرقت أبواب الطب النفسي دون جدوى.. فقدت الإحساس السابق بل لا أشعر بأي شيء.. كل شيء بلا طعم وبلا لون..

رجعت مرة أخرى لنقطة البداية.

إنه بعد ذلك الحوار.. تساءلت كل ما أتمنى أستطيع أخذه.. ما الذي يحدث لي إذاً؟!! أين ضحكاتي المجلجلة وحواراتي التي ما خسرت فيها يوماً؟ جلسات السَّمر والرقص؟ كيف ثقل جسدي بهذا الشكل؟!

بدأت أتساءل.. هذه الموسيقى المنسابة إلى مسمعي لماذا لم أعد أشعر بروعتها؟ لو كانت غذاء الروح لكانت روحي الآن روضة خضراء.. وأين تلك الكتب التي احترمت كتّابها وصدقتهم؟ لماذا تخذلني الآن كلماتهم ولا تشعل حماسي كما كانت؟!!

وهنا لاح لي سؤال صاعق هل هؤلاء الغربيون فعلاً أفضل منّا؟ وبماذا أفضل؟ تكنولوجيا؟ وبماذا خدمت التكنولوجيا المرأة عندهم؟

خدمت الرجل الغربي، والمرأة أين مكانها؟ معه في العمل وأخرى في المرقص تتراقص على أنغام الآلات التي اخترعها الرجل وأخرى ساقية للخمر الذي صنعه الرجل ونوّع من أسمائه!! اكتشفت حقيقة أمَـرَّ من العلقم.. الرجل تقدم وضمن رفاهيته وتملص من الحقوق والواجبات، حتى في جنونه جعل المرأة صالة عرض لكل ما خطر على خياله واخترع لها رقصات بكل الأشكال:

رقصت وهي واقفة وجالسة ونائمة ومنتصبة ومقلوبة.. كما رقصت الراقصة كما اشتهاها العازف، اشتهاها ممثلة، فمثلت كل الأدوار التي تحاكي رغباته من اغتصاب وشذوذ، أي دور وكل دور!! اشتهاها عارية على الشاطئ فتعرَّت!!

اكتشفت الخديعة الكبرى في شعار حرية المرأة، فإذا نادى بها رجل فهو الوصول إلى المرأة ، ثم من ماذا يريدون تحرير المرأة، من الحجاب؟ لماذا الحجاب؟ إنه عبادة كالصلاة والصوم.

كنت سأحرم نفسي منه إلى الأبد لولا أن تداركتني رحمة ربي، يريدون أن يحرِّروني من طاعة الأب والزوج بالرغم من أنهم حُماتي بعد الله.. يريدون أن يحرروني من الكبْت، كيف ولماذا سميتم العفة والطهارة كبْتاً؟ كيف؟ ما الذي جنوه من الحرية الجنسية؟ أمراض ضياع !!حرروا المرأة كما يزعمون.. أخرجوها من بيتها تكدح كالرجل وضاع الأطفال!! واليوم يدرسون ضياع الأطفال.. تبَّاً لهم وتبَّاً لعقلي الصغير كيف صدقهم؟ كيف لم أرَ تقدمنا والمرأة متمسكة بحجابها؟!

بعدها عرفت علتي وعلة الشباب جميعاً.

أولاً: مشكلتنا الأساسية: أننا لا نعرف عن الإسلام إلا اسمه وعادات ورثناها عن أهلنا كأنه واقع فُرض علينا.

ثانياً: لم ندرك طريقة الغزو الحقيقية.. خدَّرونا بالرغبات.. شغلونا عن القرآن وعلوم الدين، فهي خطة محكمة تخدير ثم بتر، ونحن لا نعلم.

الطيب مصطفى
صحيفة الصيحة