صلاح الدين عووضة

أسفل الجبل !!


*عصر يوم جميل توجهنا نحو الجبل بغرض تسلقه..

*هو جبل صغير خلف مزارع مصنع تعليب كريمة للخضر والفاكهة..

*وكان معنا – إلى جانب صبية حي المصنع – الروسية الصغيرة لينا..

*ثم نفر من أولاد بلدة العقدة الذين يحملون ألقاب طيور وحيوانات..

*وقد أشرنا مرة إلى شغف أبناء العقدة هذه بالأسماء غير البشرية..

*فهناك الضب والبومة والجقر والكُرجي و(الدجاجي الحاضني)..

*وفي موقع أبناء العقدة الإلكتروني قرأت لأحدهم يوماً تعقيباً على كلمتنا تلك..

*كان تعقيباً ظريفاً فيه المزيد مما فاتنا من مسميات (تلصق) بأصحابها العمر كله..

*وعندما بلغنا منتصف الجبل – تقريباً – توقفنا لتواصل لينا الصعود لوحدها..

*توقفنا بـ(ضبنا وبومتنا وجرادتنا ودجاجتنا الحاضنة)..

*والآن حين أسترجع ذكرى ذلكم الأصيل أنتبه لشيء على قدر من الأهمية..

*فما حال بيننا وبين مواصلة الصعود هو الافتقار إلى الفضول..

*والفضول هذا هو الذي قاد لينا إلى القمة لتقف على ما يُوجد هناك..

*وآنشتاين لديه مقولة مشهورة وهي (من حسن الحظ أن الفضول لا يُعلّم في المدارس)..

*ومعروف أن صاحب النسبية كره المدرسة بسبب رتابة مقيدة للفضول هذا..

*فما كل التلاميذ يعجبهم أن يكون هنالك سقف معرفي لما يدرسون من علوم..

*أو هكذا يُشعرهم بعض الذين يتكفلون بمهمة تدريسهم..

*وبدلاً من أن يدرك أساتذة آنشتاين سبب ملله وصفوه بأنه (بليد)..

*ثم نصحوا بتحويله إلى مدرسة مخصصة لذوي القدرات الاستيعابية البطيئة ..

*وحكايتنا الخاصة بالجبل هذه توضح الفرق في الفضول بيننا والدول المتحضرة..

*وأنا هنا لا أعني السودانيين وحسب وإنما أغلب شعوب العالم الثالث..

*فهم مبتكرون – بدافع من الفضول – ونحن مقلدون..

*وشباب زماننا هذا يفلحون جداً- هذه الأيام- في تقليد أغاني الراب الغربية..

*حتى الغناء نكتفي فيه بالتقليد الأعمى رغم أنه غريب على ذائقتنا الموسيقية..

*ويبدو أن جين الفضول ليس من بين الجينات المتوارثة فينا..

*وفي الحالة هذه فنحن مطالبون بأن نجعله فضيلة مكتسبة..

*وكذلك جينات النزوع نحو الحرية عوضاً عن الخنوع للكبت والقهر والدكتاتورية..

*وقد أطلق علماء نفس معاصرون على الخنوع هذا مصطلح (رهاب الحرية)..

*وقالوا إنه صار قاصراً – في زماننا هذا – على الشعوب التي تتهيب الديمقراطية..

*وترضى – من ثم – بأن تكون قطيعاً بشرياً يقوده القاهرون..

*ووصفوا أفراد مثل الشعوب هذه بأنهم (عبيد العصر)..

*وربما لينا هي الآن عالمة فضاء..

*ونحن ما زلنا (أسفل الجبل!!).

صحيفة الصيحة