منوعات

قصة «عرّاف مصري» سَكن منازل جنرالات إسرائيل: «لقد أصبحت الرجل الخفي»


بعد هزيمة الجيش المصري في 5 يونيو 1967 اشتدت حرب الجواسيس بين جهاز المخابرات المصري ونظيره الموساد بشكل كبير، وهو ما نتج عنه وقوع كثيرين في فخ الخيانة، وعلى النقيض نجاح خطط أسهمت في خداع الإسرائيليين، وبالتالي تحقيق نصر أكتوبر 1973.

في أعقاب حرب 1967 توافد المهاجرون إلى إسرائيل ظنًا منهم أنها المكان الأمثل للإقامة بعد انتصارها على الجيش المصري، وكان من بين هؤلاء الشاب السوفييتي «دافى كرينهال»، الذي اتسم بجسده النحيل وضعف بنيانه، بجانب ملابسه الرثة.

وعلى أساس هذه الهيئة المثيرة للشفقة لم يعر الأمن الإسرائيلي أي اهتمام لـ«دافي»، ليمنحوه الإقامة مباشرةً، وذلك حسب المنشور بموقع «المجموعة 73 مؤرخين».

ووفق المذكور بالموقع ألحقت السلطات الإسرائيلية «دافي» ضمن المهاجرين العاملين بالزراعة رغم عدم امتلاكه أي خبرة في هذا المجال، حينها قضى 3 أشهر يتقرب من زملائه ويحكي لهم قصة حياته وسبب شروده.

وأخبر «دافي» زملاءه أنه يهودي سوفييتي اُعتقل والده من قبل الحزب الشيوعي عندما كان عمره 11 عامًا، بعدها توفيت والدته ليتوجه إلى تركيا بصحبة رجل يوغسلافي، ومنها تحرك بحرًا إلى إسرائيل، ليثير تعاطف من حوله.

وتقرب «دافي» من جيرانه، وذات يوم كان جالسًا مع جارته «راشيل» وأمها «استير»، قبل أن يتوقف عن الحديث فجأة معهما ثم نظر إلى راشيل قائلًا: «لقد أخطأ يارون بلونسكي كثيرًا في حقك عندما رفض الاعتراف بما فعل، لقد شعر بالخزي والندم وقرر أن يدفع الثمن، وسيدفع قريبًا».

حينها صمتت «راشيل» ووالدتها لفترة طويلة، لأن ما ذكره «دافي» حدث بالفعل معها بعدما تورطت في علاقة مع شخص يدعى «يارون» في علاقة غير شرعية تسببت في هجرتها من العراق.

وفي الأسبوع التالي فوجئت «راشيل» بتلقيها رسالة من أوروبا وبها شيك بمبلغ ضخم، وكان من توقيع «يارون» والذي كتب «تقبلي اعتذاري»، لتبدأ راشيل في قص نبوءة «دافي» لجميع من حولها.

وصل صيت «دافي» كعرّاف إلى المزرعة التي يعمل بها، وخلال قضائه إحدى السهرات مع زملائه تغيرت ملامحه فجأة وقال لهم: «خسارة أن يتلف محراث جميل كهذا»، وعلى الفور توجه كل فرد للتحقق من حالة المحاريث، والتي كانت جميعها بحالة جيدة.

كانت الصدمة في اليوم التالي بعد أن اكتشف زملاؤه تلف المحراث الرئيسي فى المزرعة دون سبب، ومن هذه الحادثة بدأ العديد من الأشخاص التوافد عليه ليحدثهم عن مستقبلهم.

ومع انتشار قصص «دافي»، فوجئ في أحد الأيام بقدوم أحد الأشخاص إليه مرتديًا ملابس رسمية، ليخبره بضرورة توجهه إلى تل أبيب، وفي الوقت نفسه كان رجل جهاز المخابرات المصرية «أمجد» سعيدًا بابتلاع الموساد الطعم.

أشرف فؤاد الطحان، أو «دافي كرينهال»، هو شاب مصري من أسرة بسيطة، كانت والدته أوكرانية الجنسية، وتوفي والده قبل أن يُولد، ليقضي الشتاء مع أمه وجده السوفييتي، أما صيفًا فيتوجه إلى مصر للعيش مع عائلة والده.

بهذا الشكل استطاع «أشرف» الجمع بين الثقافتين المصرية والسوفييتية، والتحدث باللغة الروسية بلكنة أهل أوكرانيا، قبل أن تتوفى والدته وهو في سن 11 عامًا، ليعيش بشكل دائم مع جده في أوروبا.

وبسبب معاناته في المعيشة مع جده تمكن من الهروب إلى الإسكندرية، وهناك فوجئ بانهيار منزل أسرة والده باستثناء ابنة عمه «وفاء»، والتي أحبها بشدة وهي الوحيدة التي راسلته خلال وجوده في أوكرانيا، ليصاب بحزن شديد إلى درجة تسوله في المساجد، ومن هنا علمت المخابرات المصرية بظروفه وبدأوا في إعادة تأهيله مستغلين إمكانياته.

بكل هذه الخطوات تمكن «أشرف» من الدخول إلى جهاز الموساد، باستغلال المخابرات المصرية لتعبيرات وجهه الغريبة في إقناع من أمامه بأن لديه قدرة على قراءة الطالع.

وفي حقيقة الأمر كانت كل الأمور التي يرويها من إعداد المخابرات المصرية، بعد إقناعهم لـ«يارون» بضرورة إرسال الأموال لـ«راشيل» حتى تبدو الأمور طبيعية، وذلك كسر محراث المزرعة عن طريق أحد العملاء.

ومع استدعاء «أشرف»، أو «دافي»، إلى تل أبيب قابل زوجة الجنرال «كوهين» أحد قادة الجيش الإسرائيلى، وهي من طلبت إحضاره بسبب قدرته على قراءة الطالع.

بهذه الثقة حضر «دافي» إحدى الحفلات، وفيها كان منتبهًا لأحاديث زوجات الجنرالات، لينظر فجأة إلى زوجة سكرتير وزير الصناعة قائلًا: «قصة ميراث بلغاريا لا أساس لها من الصحة»، وتابع: «زوجك يواجه خطرًا كبيرًا جدًا».

وفي اليوم التالي استقبل النائب العام الإسرائيلي وثائق تثبت تورط سكرتير وزير الصناعة فى وقائع فساد، ليصبح «دافي» العراف الرسمي لجنرالات إسرائيل.

بهذا الشكل تمكن «دافي» من حضور حفلات جنرالات الجيش الإسرائيلي، ويطلع على أهم المعلومات التي يسمعها أو تقع تحت عينيه، وعلى الفور يراسل المخابرات المصرية.

ثقة الإسرائيليين في «دافي» جعلته مطلوبًا في الموساد، وعليه تم عرضه على جهاز كشف الكذب وعبر الاختبار بنجاح، ليتسابق الجنرالات على اصطحابه في منازلهم.

قضى «دافي» بعض الأيام في منزل الجنرال «كوهين»، وخلال إحدى الجلسات تنبأ له بأنه سيثبت جدارته فى قيادة خط بارليف، ليصاب الأخير بالدهشة إثر تكليفه من قِبَل الوزارة بقيادة الحصون الشمالية فى خط بارليف.

ومن هذه الواقعة حرص «كوهين» على أن يصحبه «دافي»، بل يسكن في منزله بحجرة صغيرة، وخلال توجهه إلى عمله كان يتركه بالبيت، حينها تلقى أمرًا من المخابرات المصرية بالسفر إلى قبرص، وفوجئ بعدها بأن الجنرال يطلب منه نفس الأمر لمقابلة أحد أصدقائه المالكين لشركة سياحية.

وبوصول «دافي» إلى قبرص قابل رجل المخابرات المصرية «أمجد»، والذي مده بجهاز إرسال واستقبال، وكتاب الشفرة والحبر السري، بجانب تعليمات جديدة، ليتحول منزل «كوهين» إلى مركز للتجسس.

وفي أواخر عام 1972 تلقى «دافي» رسالة من المخابرات المصرية بضرورة توجهه إلى خط بارليف مع «كوهين»، والذي وافق على الأمر بصعوبة بعد أن تنبأ الآخر له بأنه سيدخل التاريخ.

التعامل مع «دافي» يتم باعتباره شخصا لا وجود له، الجميع يتحدث أمامه بشكل طبيعي دون حذر، حتى قال في رسالة بعثها للمخابرات المصرية: «لقد أصبحت مثل الرجل الخفي».

بهذه المقدمات توجه «دافي» إلى خط بارليف بصحبة «كوهين» في مارس 1973، وتمكن من تصوير المكان من الداخل من خلال أزرار سترته المزودة بكاميرات، وهو ما كشف كل تفاصيل ذلك الحصن للمخابرات المصرية.

وفور انتهاء المهمة توجه «دافي» إلى أحد زملائه بالمخابرات المصرية وسلمه الميكروفيلم المحتوي على كل الصور، ومن خلالها بدأت القوات المصرية في تدريب جنودها على أساس التفاصيل المذكورة، لهدم ذلك الحصن في معركة العبور.

واستمر «دافي» في عمله إلى أن تلقى برقية من المخابرات في أواخر عام 1973، وكان أمرًا بضرورة مغادرة إسرائيل ليستقل طائرة متوجهة إلى روما، ومنها إلى مطار القاهرة، وكان لا يعلم سبب طلب رحيله المفاجئ إلى أن شنت القوات المصرية حربها بعد أسبوع واحد.

ومن هنا انتهت علاقة «أشرف» باسم «دافي» نهائيًا، وبعد انتصار الجيش المصري طلب من المخابرات أن تبحث له عن «وفاء» ابنة عمه، حتى عثروا عليها.

المصري لايت


تعليق واحد