تحقيقات وتقارير

مساعٍ أمنية لإزالة السودان من قوائم الإرهاب عطا في دهاليز جماعات الضغط


أنهى مدير جهاز الأمن والمخابرات السوداني، الفريق أول محمد عطا المولى، يوم (الإثنين) زيارة نادرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، فهل يمكن القول إن سني وضع السودان على قوائم الدول الراعية للإرهاب انتهت هي الأخرى.

وخلال زيارة الأيام المحدودة التي تمت بمقتضى دعوة رسمية من رئيس وكالة المخابرات المركزية الأميركية (سي. آي. إيه) مايك بومبيو، انخرط عطا المولى في لقاءات ذات طابع أمني مع نظرائه الأمريكيين، بجانب مباحثات أجراها مع أعضاء بالكونجرس، وذلك طبقاً لما جرى نشره، فيما يعلم الجميع أن رجالات المخابرات يعملون بمنهاج سرية صارم، وتارات بنهج (ما خفي أعظم).

في عز الجمر

التعاون الأمني بين (الخرطوم – واشنطون) كان مبذولاً حتى في أحلك سنوات القطيعة بين البلدين، اللذين وصلا حالة من العداء العلني، كادت تودي بالطيران الأمريكي إلى قصف السودان، ربما أسوة بما جرى مع أفغانستان والعراق، ولكن كلمة السر دون حصول ذلك كان تعاون الخرطوم اللا محدود في ملف مكافحة الإرهاب، وذلك طبقاً لإقرار الرئيس عمر البشير ومدير المخابرات السابق صلاح عبد الله (قوش) الذي سبق أن زار واشنطون في تلكم الأيام الكالحات.

وبعد الانفراجة الكبيرة في علاقة البلدين التي تلت إصدار الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما لأمر تنفيذي، قضي برفع جزئي للعقوبات الأمريكية المفروضة على السودان، مع إمكانية إنهاء العقوبات بشكل كلي بعد مضي مهلة (180) يوماً لمراقبة سلوك السودان وتقدمه في قضايا ذات طابع أمني وسياسي.

وفرضت الولايات المتحدة الأمريكية طوقاً من العزلة على السودان بداية من العام 1993م، وسمّى الكونجرس السودان مع الدول الراعية للإرهاب، ما ترتب عليه عقوبات ذات طابع عسكري واقتصادي، ثم أحكمت واشنطون الخناق على الخرطوم في العام 1997م بأمر تنفيذي صادر عن الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلنتون.

بلا انقطاع

تقليب صفحات الكتاب الأمني المفتوحة بين بلاد النيلين وبلاد العام سام، يحوي تفاصيل مثيرة تتكشف بشكل يومي. فمثلاً قال وكيل وزارة الخارجية عبد الغني النعيم في ندوة عن علاقات البلدين وانعقدت قبيل شهر تقريباً إن من ثمرات هذا التعاون كان وصول معلومات أمريكية للأمنيّين السودانيين، وجنّبت الخرطوم ضربات مميتة (على حد تعبيره)، هذا مقروء مع دهشة عملاء (سي. آى. إيه) من حجم المعلومات التي وصلتهم من نظرائهم السودانيين، وساعدت فيما بعد في تعقب ورصد قادة تنظيم (القاعدة).

واليوم هنالك تنسيق أمني محكم بين البلدين، قاد لإدارة ملفات تخص مكافحة الإرهاب وتهريب البشر، وإحكام إغلاق الحدود السودانية في وجه منتوِي الالتحاق بتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) أو جماعة (بوكو حرام) في غرب أفريقيا.

مطالبات للكونجرس

لن نتطرق كثيراً للجوانب الأمنية، حيث أن المتاح فيها هو بالضبط ما تريد أن توفره المراصد الأمنية، أضف إلى ذلك التكهنات، وعليه فلنغص ما وراء لقاءات عطا المولى لأعضاء الكونجرس من الديمقراطيين والجمهوريين.

ولكن قبل ذلك يلزمنا التذكير بزيارة وفد البرلمان السوداني إلى الأراضي الأمريكية، وعقده لقاءات من أعضاء الكونجرس كذلك، ومطالبتهم بإزالة اسم السودان من سجلات الدول الراعية للإرهاب.

يقول رئيس البرلمان، بروفيسور إبراهيم أحمد عمر إنهم التقوا خلال زيارتهم للولايات المتحدة الأمريكية بـ(10) من أعضاء الكونجرس بمكاتبهم لتنويرهم بما يدور في السودان من حوار وطني وتعديلات دستورية، والحديث حول دخول البلاد في مرحلة جديدة بعد الرفع الجزئي للحصار الأمريكي، مضيفاً: قلنا إن هذا الأمر يتطلب الذهاب بعلاقات البلدين للأمام، وبالتالي إذا جاءكم خطاب من الخارجية يحوي طلب رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب فعليكم الموافقة عليه، ذلك لأن السودان لا يأوي إرهابيين، بل يحارب الإرهاب والمخدرات وتجارة البشر.

عن ذلك يقول الخبير الاستراتيجي، اللواء (م) د. محمد العباس الأمين، إن الكونجرس الأمريكي يحتوي في ثناياه على جماعات ضغط مؤثرة ما يزال بعضها يستبطن مواقف سلبية بحق السودان، خاصة الديمقراطيين، مشيراً في أحاديثه مع “الصيحة” إلى أن أحاديث مدير الأمن السوداني المدعومة أمريكياً عن التقدم الكبير الذي تحزره الخرطوم في معالجة شواغل تهم الإدارات الأمريكية، من شأنه تذويب الجليد، وإنهاء فترة (180) يوماً كما تحب الخرطوم وتشتهي.

الاقتصاد حاضر

هل يمكن أن تكون لقاءات عطا بالكونجرس ناقشت قضايا ذات طابع اقتصادي. سؤال يرد عليه محمد عباس الأمين بالقول إن عطا يمكنه تقديم إيضاحات أمنية تسهم في جذب الاستثمارات الاقتصادية، وتطمئن أعضاء الكونجرس المنتمي معظمهم إلى طبقة رجالات الأعمال بأن السودان هو أرض الفرص.

بينما يذهب الخبير في العلاقات الدولية، عمر خلف الله يوسف، إلى أن اللقاء ولو كان لتقديم إيضاحات أمنية، فهو يحمل في طياته أبعاداً اقتصادية. ونبه في حديثه لـ “الصيحة” إلى أن تذمر الشركات الأمريكية من نظام المقاطعة قد يكون من دوافع واشنطون لرفع العقوبات أو لتقديم استثناءات بمنح تراخيص عبر مكتب مراقبة الأصول الأمريكية (أوفاك).

ويقول خلف الله إن الحاجة التي كانت تدفع الشركات الأمريكية إلى التذمر من الحظر المفروض على السودان مطالبة بالاستثناءات، تدفع أعضاء الكونجرس اليوم إلى خلق فرص للمصالح الاقتصادية بين البلدين.

وعليه يتوقع كل من الأمين وخلف الله أن تنتهي المهلة التي منحتها واشنطون للخرطوم برفع كلي للعقوبات، مع إزالة من قوائم الشر، لا سيما وأن الخطى تجدّ نواحي أن يحدث ذلك دون ضغط ودون لوبيات.

الصيحة


‫2 تعليقات