تحقيقات وتقارير

الخرطوم .. حرب (الشيشة)


جددت لجنة الشؤون الأمنية بمحلية الخرطوم قرارها بإغلاق مقاهي تدخين (الشيشة) بالمناطق والأسواق التابعة إداريا للمحلية في العاصمة السودانية اعتبارا من مطلع الأسبوع الجاري. وبحسب تعميم صحفي لمحلية الخرطوم، فإن لجنة أمن المحلية برئاسة معتمد المحلية الفريق أحمد علي أبوشنب أمرت بإغلاق مقاهي تدخين (الشيشة)، لما وصفته بالآثار الاجتماعية والصحية السالبة.

محاربة الدخيل
صب القرار الأخير في ذات السياق الذي انتهجته ولاية الخرطوم منذ مدة لمحاربة ما تصفه بالظواهر السالبة والدخيلة على المجتمع السوداني، وكانت حكومة ولاية الخرطوم قد قررت منع تدخين الشيشة في الأماكن العامة والشوارع والساحات، بجانب عدم إصدار أيِّ تصاديق لمحلات لتقديم الشيشة، ووصف القرار وقتها بأنه يُعتَبَرُ من القرارات المُهمَّة التي تعمل على محاربة انتشار بعض العادات الضارة والدخيلة على المجتمع السوداني، والتي تفشت بصورة كبيرة في أوساط الشباب.
غير أن معتمد الخرطوم الأسبق د.عبد الملك البرير يشدد على أن القرار لا علاقة له بالجوانب السياسية أو الأمنية أو أي شيء آخر، ويقول إن ما يضر بالناس لا يمكن انتظاره أو التهاون معه، ويضيف أن السلطات اتخذت إجراءات متدرجة للقضاء على تعاطي التمباك، وأضاف في تصريح سابق لـ(السوداني) أنه ليس مقتنعاً تماماً بما تم اتخاذه من إجراءات حتى الآن، ولكنه يرى أنها تصب في خانة التغيير المتدرج، حتى يتم القضاء تماماً على هذه الظاهرة.
في المقابل فإن قرار منع الشيشة قوبل بالاستياء، وتسبب صدروه وتطبيقه المفاجئ في خسائر كبيرة على المستثمرين في مجال المقاهي، بل ونظمت حملات إلكترونية لمناهضة القرار عبر موقع الفيسبوك.
حزب الأغلبية
تشير التقديرات إلى أن ما يربو على ربع الشعب السوداني يدخن أو يتعاطى التمباك. ووفقاً لدراسة أجرتها وزارة الصحة الاتحادية مع منظمة الصحة العالمية عن متعاطي التبغ والتمباك حتى عام 2009م، فإن عددهم وصل لـ(11) مليون سوداني، يتوزعون بين «3- 5» ملايين مدخن.
وبغض النظر عن الأضرار الصحية الكبيرة التي تنجم عن هكذا تعاطٍ، فإن صدور قراراتٍ بهذا الشكل لا يُجدي نفعاً لا سيما إن اعتبر الأمر تدخلاً في حريات الناس، واختراقاً قسرياً لخصوصياتهم. لذلك فإن الكثيرين يتوقعون ألا ينجح القرار الأخير في الوصول لمقاصده، بل على العكس قد يؤدي في المقابل لازدهاره وتصاعد سعره.
ويقول الكاتب الصحفي محمد عبد الرحيم إن النهج الذي اتبعته معتمدية الخرطوم في معالجة هذه الظاهرة لا يمكن أن يكون هو المناسب والأفضل لدفع الناس لتركها، فقد تأصلت لدرجة أن القرار حولها يحتاج إلى تروٍّ ودراسة وحملة مسبقة تؤدي إلى اجتثاثها إذا كان هذا القرار يهدف فعلاً إلى هذا وليس هو من باب القرارات التي تَصدر عشوائياً وتُحدث ضجيجاً وتُثير الناس وأحاديث المجالس. ويضيف عبد الرحيم لـ(السوداني) أن القرار خاطئ، وأتى في توقيت خاطئ، لاعتبارات تتعلق بأن الأصل في الأشياء الإباحة، وأنه كلما كثرت الموانع والقوانين نفر الناس من السلطة.
ويتفق معه المحلل السياسي د.صلاح الدومة الذي يرى في مستهل حديثه أن تعاطي الشيشة في مجمله ظاهرة سيئة تضر بصحة المواطن والمجتمع، مما يؤثر على الأمن القومي على المستوى البعيد. ويمضي الدومة في حديثه لـ(السوداني) ويقول إن مثل هذه القرارات في مثل هذا الوقت تعبر عن حالة من غياب الرشد، فالبلاد في منعطف حرج، وتوجد الكثير من القضايا الشائكة التي تضع الشعب السوداني (40 مليون نسمة) على المحك، فبدلاً عن محاربة الغلاء وإيجاد حلول لتلك المشكلات تتجه السلطات لهكذا قرار.
السياسي والتنفيذي
وفي ظل الجدل الدائر حول خلفية القرار، تبرز العديد من التحليلات حول دوافع القرار، فبعض المراقبين يرى أن القرار يعبر عن صعود للتيارات المتشددة في أروقة المؤتمر الوطني ودوائر صنع القرار، وتمضي ذات التحليلات إلى أن نفوذ هذا التيار في تنام مستمر لا سيما في حالة الانفصال.
ويرى مُراقبون أن صعود التيار السلفي المتشدد في السودان، ووصول تأثيره لا على المستويات في السودان، ألقى بظلاله على مُجمل المشهد السياسي والاجتماعي، ويستدلون بوصول وجوه من ذلك التيار للقنوات الإعلامية الرسمية على حساب شخصيات أخرى كانت توصف بأنها في خانة المتصوفة المعروفين بالتسامح.
ويرى مُراقبون أن ظاهرة صعود التيارات الدينية المُتطرِّفة في المنطقة ككل، باتت تهدد كافة أوجه الحياة المدنية في غالبية الأقطار العربية، لا سيما بتسلطها باسم حماية الأخلاق العامة، وتحت هذه التسمية ترتكب من الجرائم ما لا يمكن قبوله في الإسلام الصحيح الذي يقول دعاته المستنيرون إنه صالح لكل زمان ومكان.
تجفيف التمرد
في الاتجاه الآخر ثمة رأي مخالف يرى أن القرار يأتي لأسباب أمنية، تتعلق بأن تجمعات الشيشة باتت مرتعاً للكثير من الظواهر السالبة التي تؤرق السلطات، لكن ثمة من له رأي يخالف كل ذلك.
من جهة أخرى يقول محمد عبد الرحيم إن القرار لا علاقة له بالإجراءات السياسية، ولا يمثل بالضرورة رؤية الحزب الحاكم المؤتمر الوطني، ويدلل على ذلك بأنه لو كان قراراً سياسياً لطُبِّقَ في كُلِّ السودان، أو حتى على مستوى الولايات الشمالية على الأقل. ويُشدِّدُ في ذات الوقت على أن القرار تم دون دراسة لإمكانية تطبيقه، الأمر الذي سيكون له تأثير سلبي على متخذيه، بجانب أنهم لم يلتفتوا جيداً لآثاره الاقتصادية والاجتماعية. ويُقرُّ راشد في ذات حديثه بأن قرار التضييق على تراخيص التمباك نتاج لتقديرات غير موفقة، وسيكون خصماً على صورة الحكومة ككل.
ويشدد محمد عبد الرحيم على أن القرار لا علاقة له بالمؤسسة السياسية، بل يمثل اتجاهات الجهاز التنفيذي الذي يتحمل تبعاته، ولا علاقة له بأي شكل من أشكال التحليلات الأخرى.
(بزنس الكيف)
ويرى مراقبون أن الدولة لم تكن متشددة في الفترة الماضية تجاه التبغ لاعتبارات تتعلق بمساهته الكبيرة على مستوى الناتج القومي، والخدمات الاجتماعية والاقتصادية. وتقول بعض التقديرات إن صناعة التبغ تودع يومياً أكثر من مليون جنيه في خزانة الدولة.
ومن الملاحظ أن مُنتَج السجائر المحلي في السودان أصبح أحد السلع السبع الخاضعة لضريبة الإنتاج، وهو الأكثر دخلاً ويأتي في أعلى القائمة، ففي العام 2005م مثل التبغ المحلي نسبة تحصيل بلغت «111%» من الأهمية النسبية من حيث المساهمة النسبية في إيرادات رسوم الإنتاج أو ضريبة الإنتاج بزيادة «83.8%» عن العام 2001م و«17.2%» بزيادة «8%» عن 2004م. وفي العام 2005م وحدها دخلت البلاد ما لا يقل عن «920.312.4» كيلوغرام من التبغ المستورد بأنواعه المختلفة «سجائر وخام، وسجائر، ومعسل»، وهو ما يمثل ضعف الكمية التي دخلت البلاد في العام 2003م، وهي «317.263.2» كيلوغرام.
وكما هو واضح من الأرقام المذكورة بأن نسبة الاستيراد والإنتاج المحلي في تزايد كبير وذلك يعكس نسبة الاستهلاك في السودان وزيادة عدد المدخنين. ورغم إجراء عدد من المسوحات والبحوث ورغم الجهود المبذولة من الجهات الحكومية ممثلة في وزارة الصحة والمجهودات الشعبية وبعض الجمعيات والمنظمات، إلا أن مشكلة تعاطي التبغ ما زالت تمثل هاجساً كبيراً للمختصين عزتها إلى فرض شركات التبغ لنفسها في الأسواق متصدرة قائمة السلع الأكثر إنتاجاً على المستوى المحلي.

تقرير: القسم السياسي
السوداني


‫4 تعليقات

  1. محلات الشيشة عبارة عن اوكار للجريمة المنظمة.
    هناك تخطط وتدار كل اشكال الجريمة في محل الكيف..محاربتها افضل للمجتمع .
    ثانية المشاكل الصحية .مما يزيد تتكلفت العلاج للأسرة وللدولة.
    هي عادات ضاره ودخيلة علي المحتمع يجب نبذها.وهي مسولية الدولة محاربتها وتجفيف مصادرها .

  2. الشيشة تنقل امراض اللثة والسرطان وامراض البشرة والجلد وتنقل الاتهابات والسل الرئوي ..وتناولها من شخص لاخر ينقل الرذاذ اللين الملوث من فم لاخر … وشراب حجر شيشة واحد يوازي شرب الف سيجارة مجتمعة مما يسرع في الاصابة بالسرطان كما ان الشيشة تسبب الاصابة بموية في الرئة تسبب امراض القلب ..

    كما اان الشيشة تشجع علي العطالة والتبطل والتسكع وعدم الانتاج وتدمير الشباب ويرتاد محلاتها المجرمين لتوزيع المخدرات ونشرها بين الشباب .

    قرار اغلاق المحلات سليم جدا.

  3. ليس من حقه منع الشيشه وكبت حريات الناس ما هكذا يحكم الناس ايضا الإكثار من تناول الفول مضر اكثر من الشيشه اذا كان المنع يقاس بالضرر ليس من حق المعتمد سوا كان ابو شنب او ابو دقن التضييق علي الناس وكتمهم لانه معتمد اتركوا سفاسف الامور والتفتوا الى الأهم فالشعب السوداني لا ينقاد ولا يقبل المساس بحريته