تحقيقات وتقارير

شهادة الزور في المحاكم :إهدار لمباديء العدالة


تضرر عدد كبير من المتقاضين في قضاياهم أمام المحاكم، وآخرون تم الزج بهم في السجون لسنوات طويلة بسبب شهادة زور قيلت في حقهم، حيث أصبحت هذه الظاهرة مهنة أمام محاكم كثيرة، تخصص روادها في قلب دفة التحكيم، تتراوح أسعار تلك الشهادة على حسب نوع وطبيعة القضية، الأمر الذي جعل شهادة الزور مهدداً للأمن الاجتماعي وسبباً في تفكك الأسر وتهتك النسيج الاجتماعي، وهو ربما قاد المشرع لجعل المادة (104) من القانون الجنائي لسنة 1991م تنص على معاقبة مرتكبها بالأشغال الشاقة لمدة عشر سنوات، وبالرغم من ذلك فإن خبراء ومختصين يرون أن العقوبات غير رادعة وتستوجب التعديل بالإبعاد والغرامة بحسب ما أوردوه للصحيفة في التحقيق التالي

مبالغ متفاوتة
يقول العرضحالجي الذي التقته (آخر لحظة) كثرت شهادات الزور أبان تعويضات الخسائر التي نتجت من أحداث الإثنين عقب وفاة الدكتور جون قرنق، حيث شهدت تلك الفتره تزويراً في شهادات الملكية للمحلات التجارية التي نهبت بغرض حصول ضعاف النفوس على أموال دون وجه حق، وقال حتى من هم وراء السجون يشهدون لبعضهم زوراً، فقد حدث أن شهد سجين لزميله بالسجن بتبرئته من جرائم عديدة، ولكن القاضي كشفه بمجرد أن ذكر اسمه أمام القاضي لوجود سابقة له، وكان يزامل المتهم في زنزانة واحدة، مشيراً إلى انتشار ظاهرة شراء الذمم بمبالغ مالية متفاوتة على حسب نوع القضية وتتراوح ما بين (500 إلى ألفين جنيه).

وفي زاوية بعيده من المحكمة يقف شاب في العقد الثالث من عمره، أشار لي العرضحالجي بالتوجه إليه، وأن أطلب منه مساعدتي بأن يشهد لي في قضية طلاق، لأن شاهدي في القضية قد غادر البلاد، وبالفعل ذهبت إليه وأخبرته بذلك، فلم يتوانَ في الامتثال لطلبي البسيط مقابل أن أدفع له مبلغاً وقدره (500) جنيه، وقال إنه دائماً يكون مساعداً للمظلومين ومناصراً لهم في قضاياهم حتى يحصلوا على البراءة، ولم استرسل معه كثيراً في الحديث، وقطعت له موعداً يكون فيه المبلغ بحوزتي حتى أضمن شهادته .

ضحايا
محمد يحي في الخمسين من عمره يقف أمام مدخل محكمة عريقه بالخرطوم، يحدثنا ودموعه تغطي عينيه بأن شهادة زور سلبت أرضه التي دفع فيها مبالغ طائلة، وجعلته حبيس السجون لمده ثلاثه أيام .
وفي إحدى الولايات الوسطية القريبة من العاصمه يقول (م/م) إنه تعرض للسجن والتعذيب لمدة (30) يوماً ذاق فيها ويلات الألم، عندما شهد عليه أحدهم بشهادة زور بتهمة سرقة مجوهرات تقدر بـ (30) ألف جنيهاً.

تعاني منها المحاكم
ويرى المحامي والقانوني عبد الفتاح سوركتي أن عقوبة شهادة الزور ضعيفة وغير رادعة، ولا تتناسب مع الجرم، وقال يتوجب أن تكون العقوبة هي الإبعاد عن البلد، مع الغرامة، مشيراً لمعاناة جميع المحاكم بالسودان من وجود هذه الظاهرة التي أرجعها إلى تفشي الفساد والعطالة وضعف الوازع الديني والنفسي، وطالب سوركتي بإعطاء المشرع السلطة التقديرية للمحكمة، مع ضرورة تنقل القضاء بصورة منظمة، وأن ذلك يساعد في كشف من يشهدون بالزور، لأنهم يترددون بصوره دائمة على القاضي، فيعرفهم من أشكالهم، موضحاً أن شهادة الزور تؤدي إلى تفكك المجتمع وتشجع على ممارسة الجريمة، حيث تولد الأحقاد بين المتهم والشهود، وتدفعهم إلى الانتقام الذي يصل إلى القتل في بعض الأحيان، وقال إن شهادات الزور موجودة بكل الأقسام وأمام المحاكم، وأصحابها مشهورون ومعروفون، وأصبحت مهنة لها أصولها وفنونها.

إهدار لمباديء العدالة
ويرى الخبير القانوني مجدي سرحان أن انتشار الظاهرة يؤدي إلى ضياع حقوق المتقاضين وإهدار مباديء العدالة، مشيراً إلى أن الظاهرة جديدة على المجتمع السوداني، وانتشرت بصورة واسعة نتيجة للضائقة الاقتصادية وانعدام الضمير، وهى تتعلق بالقضايا الكبيرة والصغيرة، لافتاً إلى صعوبة اكتشافها أو ضبطها، واعتبر سرحان جريمة شهادة الزور أخطر من المخدرات لأنها آفه مجتمع ودين تؤدي لدمار الأمن القومي، داعياً المشرع السوداني لتعديل عقوبة الإدلاء باقوال كاذبة حتى تصل إلى السجن المؤبد ليتعظ الاخرون.

تطوير التشريعات
وطالبت هيئة علماء السودان بضرورة تطوير أجهزة مراقبة وملاحقة هذه الظاهرة، بالإضافة لتطوير التشريعات والقوانين، ووصف الأمين العام لهيئة علماء السودان إبراهيم الكاروري الجريمة بالخطيرة، وعدها من الكبائر التي تحدث فوضى في المجتمع، وقال قد يتجاوز الحدث في من يشهد شهادة الزور العقاب بالأثر الغيبي، وهو غضب الله في الآخرة، وأضاف لابد من وجود أجهزة تهتم بالمراقبة وتغليظ العقوبة .
بينما استنكر عضو مجمع الفقه الإسلامي جلال الدين المراد عدم التفات الدولة للمجتمع السوداني بوضع حصانة له من العادات الدخيلة التي ظهرت، موضحاً أن الشعب السوداني محافظ، ولكن الانفتاح على القنوات والشبكات العنكبوتية، إلى جانب جيران السوء الذين كان لهم تأثيرهم على تغيير نمط الحياة، مثل المصريين الذين تخصصوا في شهادة الزور، مضيفاً ولم تلتفت الحكومة إلى وضع حصانة لهذا المجتمع، وقال إن الرسول صلي الله عليه وسلم شدد على عدم شهادة الزور، عندما ذكر الموبقات التي تدخل النار وقال: (كان متكئا فجلس وقال ألا وشهادة الزور، حتى قلنا ليته سكت)، وزاد إن شهادة الزور تقضي على قواعد المجتمع وتدعو للاحتراب والاقتتال وتحول الحق إلى باطل، وطالب القضائية بوضع حيثيات لهذه القضية حتى يظهر شاهد الزور، وطلب من القضاء أن يسألوا الشاهد أسئلة كثيره متعددة، قبل أن يضع يده على المصحف، وقال التداخل الثقافي والانفتاح الخارجي والبحث عن المال حجب عن الناس مستقبل الحياة في الآخرة، وأسهم بصورة كبيرة في تفشي الظاهرة .

قابل للمراجعة
ويرى رئيس لجنة التشريع والعدل بالبرلمان أحمد التجاني أن القانون قابل للمراجعة والتعديل مثلما تمت مراجعة قانون جريمة الاغتصاب عندما انتشرت الجريمة، مضيفاً كذلك يتم مراجعة قانون شهادت الزور إذا انتشرت الظاهرة، وأصبحت مستفحلة، لأن التشريعات قابلة للتطوير والتعديل، لافتاً لعدم وجود مبررات لارتكاب هذه الجريمة، وقال شهادة الزور تهزم أسس العدالة، لأن قرارات المحاكم مبنية على البينة، وهي الشهادة، وتكمن خطورتها في إصدار قرارات يجرم بريئاً أو يبريء مذنباً، وقال إن المسؤولية مجتمعية، حيث يساهم المجتمع ككل في عملية الإصلاح المجتمعي.

في طريقها لتكون مهنة
وفي هذا الصدد يقول البروفيسور علي بلدو استشاري الطب النفسي والعصبي في ظل التشابكات الراهنة والضغوط الكثيفة، وطول أمد التقاضي وصعوبة الإثبات وتقارب العقوبات مع التردي المريع في الوازع الأخلاقي، والانحطاط في الذوق العام، مع تدهور مستوى السعادة للمواطن السوداني، فإن شهادة الزور فى طريقها لأن تكون مهنة معترف بها فى قاع المدينة، ولعلها ستنافس الكثير من المهن الشريفة، مضيفاً هذا يمثل صدمة عنيفة وانهياراً للقيم، سيؤدي إلى ضياع الحقوق وفقدان الثقة وعدم الإيمان بالقانون والعدالة، وبالتالي تهتك النسيج المجتمعي الذي لم يبق منه إلا القليل -على حد قوله-.

يعانون من الإرهاب
وقال بلدو من يقومون بالإدلاء بشهادة الزور يمكن ألا يخرجوا عن فئات محددة يمكن إجمالها في فئة تعاني من الإرهاب المعنوي أو المادي، وهذه الفئة تقوم بهذا العمل خوفاً من العقاب وطمعاً في الثناء والمدح، أو أي تقارب وجداني وروحي، وفئة دافعها الطمع والجشع والرغبة في الثراء السريع، وبالتالي تصبح شهادة الزور مهنة تدر دخلاً في ظل الظروف الطاحنة، حيث أصبح عدد كبير من شعبنا يمتهنها سراً، بل البعض يجاهر بها، فيمكن أن يحدثك أي شخص بأن (فلاناً) يمكنك الاتصال به للإدلاء بشهادة الزور، بينما يمتد الأمر إلى فئة أخرى تتميز بحسن النية وسلامة السريرة، ويكون محركها الشهامة والشعور بعمل الخير، وينشط هؤلاء في شهادات الزواج والطلاق والنسب والبطاقات الشخصية والضمانات وما شابه، لافتاً إلى وجود فئة تكون صاحبة مصلحة مادية أو نفسية مثل الرغبة في الانتقام والتشفي ومحاولة الحاق الأذى بالآخرين أو إشانة السمعة، وهذ النوع يستمتع ويستلذ بهذه الشهادات ويبدع في فبركتها، ومعظمهم يعانون من اضطرابات شخصية ومشاكل اجتماعية مزمنة، أما النوع الأخير فهو الذي يقوم بأداء شهادت الزور كنوع من عدم الراحة والرغبة في الظهور وتعذيب الآخرين .

تحقيق: زكية الترابي
صحيفة آخر لحظة


‫2 تعليقات

  1. كلهم أرجعوا الظاهره للوضع الأقتصادي لكن نسوا دور الجهاز الرقابي الشرطه.
    المطلوب تتطوير و تعديل الشرطه و تأهيل أفرادها كان هم قابلين للتأهيل

  2. لخطورة الامر و ما يترتب عليه من اضرار بالغة و مميتة
    لا بد من إنشاء بنك للشهود في الشبكة العنكبوتية للهيئة القضائية
    يتم فيه تسجيل بيانات كل الشهود السابقين و اللاحقين و نبذة عن شهاداتهم و عن القضايا التى شهدوا فيها
    و على القضاة و المحامين التأكد من حالة الشاهد من الموقع قبل نظر القضايا