العيطة .. قصة قصيرة

دخل محمد المدرسة عمره فوق العاشرة وخرج منها دون أن يعرف كيف يكتب اسمه .. كان يلغب بين أقرانه بالعيطة .. عوير جنس عوارة مبالغة .. تنم هندامه عن فوضى عارمة .. غير مرتب وغير مهندم ولا يحظی باحترام أحد .. عندما يضحك يضحك بطريقة هستيرية حتى يسيل لعابه وبتطاير رذاذه علی من حوله .. علاقته أكثر حميمية مع الكلاب والقطط والبهايم .. نظر والده فی أحواله .. فاختار له ما تناسبه من المهن فأصبح راعيا يرعى اغنامه وكل بهايم أهل الحلة مقابل مبلغ شهرى على كل رأس ، ومن طرائفه ، أول يوم سرح عاد فى المساء يطالب ناس الحلة بحق السرحة وعندما قالوا له الشهر فيه ثلاثين يوما وانت لم تسرح سوى يوما واحدا ؟ اجابهم : انتوا باقى ليكم شنو غير تسعة وعشرين يوم !!! المهم العيطة أستمر فى رعي البهائم .. وأخذ يستحوذ علی بعض الرضا وقليل من الاحترام ..
واستمر به الحال هكذا سنينا عددا الى ان جاء فى ذلك اليوم بعد الرواح وجلس القرفصاء ينتظر والده الحاج حتى فرغ من صلاته وبادره : ابوي الحاج انا داير اعرس .. ما تعرسوا لي .. انا ما كبرتا وبقيت راجل يابا ..
التفت إليه ابوهو الحاج وهو يطوی سجادته وينادي علی والدته : يا سكينة هووووی .. سكينة .. تعالى اسمعی العيطة الليلة قال شنو ؟؟؟
قال شنو ؟
قال داير اعرس عندك ليهو عروس ؟
بری …. يورينی العروس الدايرة .. وحات الله أكان بت العمدة اخطبا ليهو …
العيطة شال عكازو وقام ينقز ويعرض ويضرب فی الكوراك ..
ها جنا كفا ها ما تلم علينا الحلة .. داير بت منو ؟
داير بت المدرس .. السيدة بت محمود …
بلحيل بت التاية خاتية القول ما فيها كلام .. من دربی ده وعلى بيتهم .. الله يتم ليك يا العيطة ولدی ..
حاجة سكينة لفت الحلة كلها بی كراع كلب ما لقت عروس لی العيطة .. يع يع .. مالی انا بعرس العيطة .. العيطة !!!! بری بری الراعي السعوب ده .. قهقه قهقه .. عريس العدو ….
جات حاجة سكينة راجعة بی خفي حنين .. والعيطة يتوحوح غالبو الصبر زي مقروص الدبيب .. اها يمة خلاص عرستی لي ؟؟؟ هووووی يا العيطة ولدی البنات القاريات ديل بنات المدارس وحات الله كلهن زايغات ومطرطشات مارقات من يدين اهلن .. ابن وكل واحدة انا دايرة اقرأ .. انا دايرة أتم تعليمی .. والتمت تعليما انا دايرة اتوظف انا دايرة اشتغل .. حتى البايرة بت عمك النعيم أبت .. محن آخر زمن …
أخذ العيطة يبكی ويجعر بأعلى صوته .. وحلف تاني ما يسرح بالبهايم .. ورفض الكلام مع أي زول تاني فی الموضوع ده … وشاع فى الحلة العيطة مرض .. ناس يقولوا العيطة جنة وناس يقولوا سحروهو فى السرحة .. وناس يقولوا عرستو جنية ومنعتو السرحة والطلعة .
مضت شهور والعيطة لا يفارق البيت .. حتى أتاه احد المغتربين من أولاد الحلة بعقد عمل بمهنة راعي لا تنطبق المواصفات والشروط إلا عليه .. سافر العيطة وترك البلد ووجد نفسه فی الغربة وأكمل خمسة سنوات غيرت فيه الكثير ، ثم عاد فی تلك الليلة الصيفية المقمرة للحلة وهو يركب عربية آخر موديل ويرتدی البدلة والجزمة والكرفتة ويتحدث بلكنة خليجية وكأنه أمير .. إنه شخص آخر ليس ذلك العيطة المألوف والمعروف لديهم ..
ثلاث أيام ذبايح .. والناس يأتون لرؤيته وسماع حديثه متعجبين … وتسری الشائعات هنا وهناك .. العيطة جاب مليارات .. جاب القروش متل الرز .. دفيس دفيس .. هووووی وحات شيخی قالوا جاب شنطة دهب .. اريتو يا يمة عريس الدر بتی .. واقبلت كل واحدة تعرض بنتها للزواج من العيطة .. وحاجة سكينة تضحك وتتريق : كان فی قسمة ما بفوتك ..
القطاعة يا حاجة سكينة ما تمرقيهو مننا .. بناتی التلاتة .. يعزل بس .. وحات خوتك وعشرتك مشتهياك ومشتهية نسبك ..
أصبح العيطة حديث الساعة وسبحان مغير الأحوال .. والبيوت القبيل رفضتو كلها جات تطلب ودو .. والناس كلها بقت منتظرة العيطة يفتح خشمو ويقول داير بت فلان ..
مضت أيام وليالی والعيطة صامت يجوب بسيارته الفارهة القرية شرقا وغربا ويتردد علی البندر خلسة ويعود .. تبدو علی محياهو علامات النعمة والروقة ..
وفي أحد الأمسيات اتلملمن نسوان الحلة كلها فی بيت سكينة أم العيطة وخصمنها بی النبی توريهن العروس الدايرة العيطة .. فما كان منها إلا ونادت ؛ العيطة .. العيطة .. هووووی .. ياولدی ريحنی وريح بالی الله يريح بالك ، النسوان ديل اكلن لحمی .. اها يا ولدی انت داير بت منو؟
وقف العيطة شامخا يتجول بنظره بينهن ويبتسم .. وهن يتحرقن شوقا لمعرفة الخيار وكل واحدة تتمناهو زوجا لبنتها .. تنحنح العيطة عدة مرات ثم عاد يقول : البتعرسنی منو ؟؟؟
حاجة زينب بسرعة انا .. أقصد بتی انا ..
التومة .. بتی انا ..
سعاد .. بناتی الخمسة متل الدهب المختوم .. تختار بس ..
ميمونة .. ها الطقيشة دی خبارو بياخد بناتك أتى .. بنات عمو أربعة يكيلن العين ..
النعمة .. بس بس وحات شيخی انا واختی سكينة من ما قمنا كان يفرقتا الموت .. وأنا ود اختی ما بديهو واحدة فيكن تشمنو قدحة . … العيطة عريس الهنا ويستاهل بتی انا ..
ضحك العيطة وأخذ يفرفر من الضحك .. وقال : العيطة ده مات زمان .. مات يوم طردتن امو وذليتنها .. يوم بناتكن قالن راعی وسعوب .. والقدامكن هسی ده ما العيطة .. ده رجل الأعمال محمد الحاج الأمين .. عندو شركات فی الخارج وارصدة فی البنوك ومتزوج من بت العز ماريا غانم وعندو تلاتة أولاد !!
زينب ناولينی موية .. زينب اقرصينى .. ميمونة حي أحي انا .. سجمنا .. سجمنا .. سواها العيطة .

بقلم
أحمد بطران

Exit mobile version