تحقيقات وتقارير

عقبات محسوبة في طريق التطبيع مع أمريكا



من أهم شروط التطبيع مع أمريكا مصالحة المواطنين وبسط الحريات العامة، ووقف الحروبات الداخلية، وإغاثة المحتاجين في مناطق الحروب، وبسط الأمن لكل المواطنين.. لكن بدأت تظهر عقبات محسوبة في تقديري لا تساعد على التطبيع المنشود، الذي أصبح أمل الغالبية العظمى من المواطنين نرصد من هذه العقبات:

أولاً: حرية التعبير والحرية الاجتماعية يجب الاعتراف بأن حرية التعبير في الصحف المتاحة الآن لا توجد في كثير من الدول العربية والافريقية حولنا، إلا أن هناك بعض القيود ما زالت توضع في طريق ممارسة الأحزاب المعارضة لنشاطها، إذ ما زال نشاط اللقاءات الجماهيرية والندوات العامة محظوراً خارج دورها، مثل حزب الأمة القومي بزعامة الإمام الصادق المهدي، الذي استقبلته حشود ضخمة غير مسبوقة في زيارته الأسبوع الماضي للجزيرة أبا، مما يؤكد استمرار قوة الإمام الصادق في جماهيريته المؤثرة على الساحة السياسية في السودان، ويؤكد أيضاً انتفاء أية مقارنة له بأي فصيل من أحزاب حزب الأمة المنشقة عنه.. الحرية الاجتماعية هي مطلب أصيل مشروع للغالبية العظمى من المواطنين الجالسين على الرصيف بعيدين عن السياسة ولكنهم مؤثرون جداً في حركات تغيير الأنظمة، إذ يتأرجح رضاؤهم وعداؤهم مع الأنظمة بصورة مستمرة، وتوصل علم الإحصاء واستقراء المستقبل الى أن مكونات الحياة الطبيعية من البشر والكائنات والمكونات الأخرى للحياة محكومة في رسم بياني يسمى منحنى التوزيع الطبيعي، وهو على شكل هلال مقلوب (Normal Distribution Curve).
تشكل منطقته الكبرى شمال ويمين خط وسط الغالبية العظمى، وعادة تكون 90% وباقي الـ10% مقسوماً 5% أقصى اليمين و5% أقصى اليسار، وتسمى هاتان المنطقتان في علم الإحصاء الانحراف القياسي (Standard Deviation)، يقوم خبراء الإحصاء باستبعاد هذا الإنحراف القياسي من تحليلهم واستقرائهم للمستقبل والتركيز على منطقة الوسط فقط.. في السياسة الـ5% على اليمين تمثل ناشطي ومحركي إدارة الدولة، والـ5% الأخرى على اليسار تمثل الناشطين في معارضة النظام المشرئبين لإزالته، لذلك لا أدري مَن ولماذا بعض المسسؤولين يثيرون ويدفعون الجالسين على الرصيف في اتجاه معاداة وكراهية النظام وإبعادهم من مصالحته، وذلك بالمساس بحرية اجتماعية منضبطة تمنحهم الراحة من عناء كدهم وجهدهم في مقابلة متطلبات أسرهم، بعد يوم من الشقاء و(الجري).. هذه الفئة الغالية من الشعب تنشد العيش الكريم المتمثل في الحصول على السلع والخدمات في يسر وبأسعار في مقدورها، وفي ذلك نرصد قرارين في تزامن غريب مثير للشك صدرا الأسبوع الماضي- الأول منع (الشيشة) والثاني محاربة بعض أفراد هذه الشريحة الجالسة على الرصيف في أرزاقهم، مثل (ستات الشاي والكسرة، والباعة المتجولين، وأصحاب الطبليات وزبائنهم المنتشرين في الأحياء) بإزالة أماكنهم بالقوة المفرطة المستفزة دون خلق البدائل لهم مسبقاً.. تعاطي الشيشة- (أنا شخصياً لم أدخن شيشة في حياتي)- يتم في أماكن متفاوتة بين مقاهي (خمسة نجوم) وأخرى شعبية في الأحياء، وتكون دائماً تحت إضاءة ساطعة (مثل ميدان الباسكت) تبعد شبهة أي سلوك غير سليم مثل تعاطي المخدرات، يقضي بها الرواد (قرابة الخمسمائة ألف يومياً) ساعات من الأنس البريء، ويدفع أصحابها رسوماً وضرائب باهظة.. البديل المباشر لهذه الأماكن بعد قفلها هو الشقق المفروشة والمنازل المؤجرة، والتي خلف جدرانها يتم تعاطي الشيشة والمخدرات، وإغواء الشباب من الجنسين بممارسات غير كريمة واختلاط غير شرعي، وتفشي العلاقات الجنسية المحرمة وحتى الشذوذ يمارس.. وفي ذلك طرفة عميقة المعاني تقول (إن أحد الشباب بعد منع الشيشة في الأماكن العامة حمل (شيشته) وذهب الى أصدقاء سوء له مجبراً، يجلسون في مكان مظلم بعيداً على النيل يتعاطون المخدرات، وعندما أراد التدخين من الشيشة طردوه قائلين (ياخي ما تقعد معانا بى شيشتك دي بتجيب لينا الهوا)..
لماذا تم المنع فجأة بعد أن التزم أصحاب تلك الأماكن بكل الضوابط، وسددوا كل الرسوم الباهظة المطلوبة.. لماذا تستعدي الحكومة عليها شريحة بعيدة كل البعد عن السياسة، وتحولهم الى خانة كراهية النظام والانضمام الى فئة المنادين بإزالته.. أعتقد أن هذا القرار فيه دس للسم في الدسم، من أفراد لا يؤيدون مصالحة المواطنين المؤدي الى التطبيع مع أمريكا والمجتمع الدولي، واستمرار حالة عدم الرضا من النظام، خاصة وأن الغالبية العظمى تعيش الآن على أمل التحسن في البلاد بسبب التطبيع، الذي يؤدي الى مزيد من الحريات الاجتماعية والسياسية والانفراج الاقتصادي.
ثانياً: متزامناً مع ذلك القرار حملات إزالة عنيفة لأماكن تجارة شعبية في الأحياء، مستفزة للبائعين وزبائنهم من شباب وكهول ونساء، إضافة الى الحملات المستمرة لستات الشاي والكسرة، اللائي ينشدن الرزق الشريف لإعالة أسرهن، بينما يترك المتسولون بالآلاف في الطرقات وإشارات المرور ومعظمهم أجانب.. مالكم كيف تحكمون!!
ثالثاً: فرَحْ البعض وشماتته من الانشقاق الرهيب في الحركة الشعبية غير سليم، لأن هذا الإنشقاق يعمق أزمة السودان وسعيه للتطبيع مع أمريكا عبر وقف الحروبات وإرساء دعائم الأمن والأمان في ربوعه، وإغاثة المحتاجين المتأثرين بالحروبات..لا أستبعد فرضية أن هذا الإنقسام المفاجيء واستقالة الحلو وإصراره عليها وعلى عدم الجلوس مع عقار وعرمان في كاودا، والخروج منها حتى لا يقابلهم.. لا أستبعد أنه بفعل أياد خارجية وعدتْ الحلو بالوقوف معه جعلته (ايدو مليانة) للحد الذي يتعنت بهذه الصورة، وهو مشهود له بعفة اليد واللسان واللطف والذكاء (هو خريج اقتصاد جامعة الخرطوم عام 1978) وهو أيضاً يعلم أن عرمان واجهة الحركة الشعبية في المجتمع الدولي، يجلب لها الدعم المادي والمعنوي، ويعلم أن سقفه الذي رفعه لمستوى المطالبة بتقرير المصير مرفوض دونه خرط القتاد- و(القتاد شجر شوكي)، وغير وارد في أي اتفاق أو مطالب، ولم يرد حتى في اتفاقية السلام الشامل لعام 2005م، التي منحت الجنوب حق تقرير المصير، والذي بموجبه انفصل الجنوب في يوليو 2011..
السودان الآن أصبح في (كماشة) دعت الحلو لاتخاذ هذا الموقف المتشدد الذي لا يشبهه- فك الكماشة الأول في الجنوب والآخر في الشمال.. سلفاكير مهما تدثر بدبلوماسية الوفود والزيارات للشمال لن يرضى بغير زوال الإنقاذ، ولن ينسى دعم الحكومة لرياك مشار، والذي تمرد عليه وكاد أن يزيله من حكم الجنوب، وفي الفك الشمالي مصر مهما تدثر نظامها الرسمي بالمطايبات والمجاملات والدبلوماسية والعلاقات الأخوية بين الرئيسين وهو صامت تماماً أمام إساءات الإعلام المصري للسودان ورموزه، لا يمكن أن يرضى عن نظام السودان لسبب بسيط، هو أن نظام مصر الحالي جاء نتيجة انقلاب على شرعية حكم الأخوان المسلمين عبر انتخابات ديمقراطية، انقلب عليهم واستولى على السلطة وحرّم نشاطهم وحاكمهم لدرجة الإعدام لقياداتهم، في مقابل ذلك فإن نظام الحكم في السودان ومنذ 28 عاماً حكم الحركة الإسلامية، وهي جزء أصيل من تنظيم الأخوان المسلمين.. هذه (الكماشة) تصب حول السودان ومنطقة (كاودا) لا يمكن الوصول اليها بالدعم العسكري وخلافه إلا عبر دولة الجنوب، التي أصبحت منطقة وجود عسكري مصري داعم لنظام سلفاكير، لذلك انزعجت أمريكا وطالبت بمداولات كاودا الأخيرة بين عقار وعرمان وقطاع الشمال جنوب كردفان.
عليه يجب العودة الى مصالحة الجالسين على الرصيف- وهم الغالبية- وعدم إثارتهم بقرارات غير منطقية في حرياتهم الشخصية، ومحاربتهم في مصادر رزقهم دون تحضير بدائل، مع توخي اليقظة والحذر والاستعداد لتطورات انشقاق الحركة الشعبية.

اخر لحظة


‫3 تعليقات

  1. سبحان الله موضوع من ورق
    مثل الكاتب الحريات في الشيشة وستات الشاي والكسرة وهلم جرا
    وربط بين الموضوع مع الحركة الشعبية
    كل هذا العبث حاول الكاتب ان يجد موضوع ولكنه لم يفلح ومافي سوداني بوافق على المهزلة الحاصلة .. ستات الشاي واشباهن وبائعات الكسرة .. توجد مطاعم واماكن مخصصة لبيع مثل هذه الاشياء .. والشيشة امرها يضحك .. كيف يزعل الكاتب من قفل مكان الشيشة هذا بدل ان يؤايد هذا الموضوع جعل له مقال ؟؟؟!!!
    سبحانك ربي .
    خربطت ياكاتب المقال ولم تجد موضوع مفيد تنسند عليه وصرت تجمع نقاط معلومة للجميع لكي تحلي بها مقالك !!!!

  2. مقال تافه لايسوى المداد الذى كتب به. كاتب المقال إما شحص مغرض يحاول تاليب العطالة والمتعطلين أمام ستات الشاى وإما إنسان خبيث يحاول دس السم فى الدسم بدفاعه عن الظواهر السالبة فى عاصمة البلاد. وتراه يحشر إنقسامات الحشرة الشعبية وعلاقات الجنوب ومصر بالسودان فى غير مكانها… أتعجب كيف تسمح صحيفة مثل آخر لحظة بنشر مثل هذه التفاهات؟