منوعات

قصة سيف القذافي .. مُجرم حرب أم «إصلاحي سعى لتغيير جماهيرية والده؟»


«هو ليس في زنزانة، بل لديه بيت مُريح وزوجة جديدة، وابنة عُمرها 3 سنوات»، هكذا نشرت صحيفة «كوريري ديلا سيرا» الإيطالية، مقالاً بعنوان «حياة سيف القذافي الجديدة»، العام الماضي، خلال فترة اعتقال سيف الإسلام القذافي، أشارت خلاله بأنه «ليس سجينًا بل حُرًا».

في الوقت نفسه، نشرت صحيفة «لوموند» الفرنسية تقريرًا، عن حقيقة تواجد نجل الرئيس الليبي السابق، في ليبيا، مشككة في وجود معلومات مؤكدة حول ما إذا كان معتقلا أو في حالة إطلاق سراح.

ونفى العقيد عجمي العتيري، آمر كتيبة أبوبكر الصديق، بمنطقة الزنتان، ما تردد، مؤكدًا أن «نجل القذافي موجود الآن في مكان آمن بليبيا»، وأنّه يرى أن «سيف سيكون له دوراً في استقرار ليبيا، لأن ثلاثة أرباع الشعب الليبي صاروا مؤيدين للنظام السابق لهول ما عانوه في السنوات الماضية»، وفقًا لقناة «فرانس 24».

وبعد أكثر من 5 سنوات من الجدل، أطلق سراح سيف الإسلام القذافي، طبقًا لقانون العفو، وسط جدل بأهمية تواجده في المشهد السياسي من عدمه، بينما سيبحث هو عن مدى جديّة تحقق عبارة السخرية التى أطلقها عندما ألقي القبض عليه في 2011، قال خلالها: «بعد فترة من الزمن ستجربون هؤلاء الحكام وتعرفونهم على حقيقتهم، ستجدون أن هؤلاء الحكام ملائكة ومثل العسل، والله قدمت لهم الكثير من الخير في السابق، ولكن لم أجد فيهم ذرة خير».

يصف الكاتب، محمد عبد المطلب الهوني، في كتابه «مكر السياسة وسخرية الأقدار»، سيف الإسلام القذافي، قائلًا: «لم يجد نفسه ابنًا عاديًا لأب عادي، قد يتصارع معه قليلاً أو كثيرًا ليبني ذاته بمعزل عنه، ولم يجد نفسه ابنًا لملك في دولة قد يكون دوره فيها أوضح، أو ابنًا لرئيس جمهورية لها قوانين واضحة يخضع فيها انتقال الحكم لإجراءات وتراتيب واضحة، حتى وإن كانت صورية».

القصة تبدأ من «باب العزيزية» بالعاصمة، طرابلُس، وتحديدًا سنة 1972، بمولد الابن الثاني، لمُعمر القذافي، «سيف الإسلام»، صبيًا يحمل جينات وسطيّة، وبعد سنوات الصبا، ذهب ليدرس الهندسة في لندن، فعادَ محملاً بالأفكار الليبرالية، لذا استطاع خلال سنوات شبابه، أن يصنع لنفسه صورة الفتى المُعتدل، أو كمّا كان مُشاع عنه «إصلاحي» أرادَ تغيير «جماهيرية والده» نحو الأصلح، حسبْ المؤشرات المبدئية آنذاك.

يشرح «الهوني» موقف «سيف» موضحًا: «لم يجد سيف الإسلام نفسه في مواجهة نظام بوليسي قمعي يحمل واجهة ديمقراطية كما هو الشأن في دول الجوار قبل زلزال 2011، بل وجد نفسه ابنًا لقائد ليس ملكًا ولا رئيسًا للجمهورية، بل نصف إله».

«قبل الثورة الليبية، كان (سيف) مستعجلاً إصلاح ما أفسده والده»، حسبْ وصف «الهوني» في الكتابه المذكور، مستفيضًا في الوصف: «رغبات سيف في الإصلاح المُبكر، كانت تُشبه المثل الإيطالي الذى يقول (من يضع لحمًا كثيرًا على المشوى، يحرق أفضله)».

رغم ذلك، لم يكُن «سيف» بريئًا تمامًا، ولا آثمًا، فيما عدا ما يحسب له وساهم في نجاحه جديًا، مثل إطلاق سراح مساجين الرأي وتحسين أوضاعهم، ففي السنوات الأخيرة قبل الثورة الليبية، وتحديدًا في 2006، قام بزيارة أماكن الاعتقال وقدم توصيات فعلية بتحسين أوضاع المساجين، كمّا قاد تيارًا إصلاحيًا لاستحداث الدستور الليبي.

«أراد ان يصلح كلَّ شيء، فلم ينصلح أيُّ شيء، باستثناء إطلاق سراح مساجين الرأي أو تحسين أوضاعهم. بل إنه أصبح في السنوات الأخيرة، ومن حيث لا يدري، أداة بيد الفاسدين و(القطط السِّمان) التي حاول مطاردتها. واستعدى من حيث لا يريد ولا يدري كلَّ الأطراف الفاعلة في المشهد السياسي، من أبيه إلى إخوته إلى اللجان الثورية إلى الحرس القديم إلى قبيلته، وعندما اشتعلت البلاد غيظًا، حاول استرضاء هؤلاء، فاستعدى الجماهير الغاضبة، والشباب الذي طالما عوَّل عليه، فكان أن خسر الجميع، وأصبح (طريدة تائهة)»، هكذا وثَّق «الهوني» في كتابه، نقطة تحوّل «سيف» من إصلاحي إلى شخص ديكتاتوري.

عبّر خطاب مُتلفز في فبراير 2011، مُدته حوالي 37 دقيقة، قال إن «الجيش بخير، سيكون لهُ دور كبير في فرض الأمن بأي ثمن، وسنقضى على الفتنة»، كمّا حذر من «وجود أعداد كبيرة من العرب، تحديدًا من المصريين والتونسيين الذين يحملون السلاح في شوارع ليبيا»، قائلاً: «ليبيا ليست تونس أو مصر، لدينا قبائل وعشائر وتحالفات، وفي حالة الفوضى ستحدث حرب أهلية، والسلاح موجود حاليا في كل مكان، لقد شاهدنا بعض المدنيين يستولون على دبابات ورشاشات في البيضاء».

وأضاف «سيف» بلهجة حادة: «ستسيل دماء، أنهر من الدماء في كل مدن ليبيا، وأنتم ستهاجرون من ليبيا لأن البترول في هذه البلاد سيتوقف والشركات الأجنبية غدا ستغادر ليبيا والأجانب سيغادرون ليبيا وشركات النفط ستغادر ليبيا ومؤسسة النفط ستتوقف».

وفي صباح اليوم التالي، شهدت شوارع العاصمة الليبية طرابلس وغيرها من المدن مظاهرات حاشدة احتجاجاً على الخطاب الذي ألقاه «سيف»، ومن تلك النُقطة بدأت المعركة، وتحول الابن إلى «غنيمة حرب أو استثمار لهذه المليشيات».

وفي نوفمبر 2011، ألقي القبض على «سيف» على أيدي من وصفوا بـ «ثوار الزنتان»، إحدى مدن ليبيا التى تبعد 136 كيلو مترًا، جنوب غربي العاصمة، والذين رفضوا تسليمه للسلطات الليبية، ومثّل مرتين أمام محكمة الزنتان الجنائية بتهمة «المساس بالأمن الوطني».

وفي يوليو 2015، صدرَ حكما بإعدام رئيس مخابرات نظام القذافي عبد الله السنوسي، ورئيس وزرائه البغدادي المحمودي، ونجله سيف الإسلام القذافي رميًا بالرصاص، واتهمتهم المحكمة بـ«التحريض على إثارة الحرب الأهلية، والإبادة الجماعية، وإساءة استخدام السلطة، وإصدار أوامر بقتل المتظاهرين، والإضرار بالمال العام، وجلب مرتزقة لقمع ثورة 17 فبراير».

وبعد مرور عام، أي في يوليو 2016، نشرت وسائل إعلام ليبية قرارًا بقرب الإفراج عن سيف الإسلام، وأشار قرار وزارة العدل في الحكومة الليبية المؤقتة بالإفراج عن سيف الإسلام القذافي، ان الإفراج «استنادًا إلى قانون العفو العام رقم 6 لسنة 2015 الصادر عن مجلس النواب».

المصري لايت