تحقيقات وتقارير

تخلو منه شوارع العديد من الدول العربية الوجود الأمني بطرق المرور السريع.. مطبات صناعية


وزير الدولة بالداخلية: المخدرات والاتجار في البشر سبب الارتكازات

البصات ملزمة بالتوقف في حواجز التفتيش الأمني وعند ارتكازات الشرطة

عقب انتهاء إجراءات دخولنا إلى الممكلة العربية السعودية عبر مطار جدة عند الخامسة صباحاً، مباشرة وعلى متن بص توجهنا صوب مدينة مكة المكرمة، ورغم أن الوقت كان مبكراً غير أن العربة التي تقلنا لم تتوقف في حاجز أمني، بل واصلت مسيرها طوال سبعين كيلو متراً إلى أن حططنا رحالنا بالمدينة المقدسة مع شروق الشمس، وعدم وجود محطات توقف أمنية من الملامح البارزة لتجوالنا بالمملكة، وحدث لنا ذات الشيء في زيارة عبر البر إلى مصر، وهذا جعلنا نتساءل: لماذا لا يتم إيقاف المركبات على طرق المرور السريع مثلما هو حادث في السودان، ولماذا لا توجد حواجز تفتيش في الدولتين الجارتين تسير فيها الإجراءات الأمنية ببطء ويهدر خلالها وقت الراكب مثلما هو حادث ببلادنا؟.

بصات بمواصفات خاصة

البص السياحي الذي يقوده سوداني من مدينة سنار وتعود ملكية المركبة لشركة رابطة مكة التي تمتلك وللمفارقة تسعمائة بص حديث وعلى درجة عالية من الرفاهية، ولكن السائق السوداني وحينما شعر بأن الحيرة تملكتنا بسبب العدد الضخم الذي تمتلكه هذه الشركة من البصات، كشف عن وجود شركات نقل بالمملكة تمتلك أكثر من خمسة آلاف بص وأخرى عشرة آلاف، فيما تمتلك شركة حافل السعودية ثمانية عشر ألف بص، بالمقابل فإن عدد البصات السياحية في السودان لم يتجاوز حاجز الثلاثة آلاف بص، ورغم ذلك يشكو أصحابها من إغراق السوق بها وضعف الإقبال على السفر، والبص الصيني الذي تواجد معنا طوال أيام زيارتنا يختلف كلياً عن البصات الصينية الموجودة بالسودان من حيث الفخامة والراحة، حيث يوجد به حمام بالقرب من الباب الخلفي يستعمله الركاب دون الحاجة إلى إيقاف البص، بالإضافة إلى وجود مساحة أسفل الممشى تم تجهيزها لنوم ثلاثة أفراد في الحالات الطارئة مثل المرض، بالإضافة إلى وجود توصيلة كهربائية على ظهر كل مقعد لتركيب شاحن الهاتف السيار، وعلمنا أن للسعودية معايير ومواصفات ثابتة تفرضها على الشركات عند استجلاب مركبات النقل ذات السعات العريضة التي تتحرك في كل أرجاء المملكة وطوال ساعات اليوم حيث يفضل الوافدون والمواطنون السفر ليلاً.

رحلة بدون توقف

بعد قضاء ثلاثة أيام تحركنا عقب أداء صلاة المغرب بمسجد الراجحي من مكة المكرمة صوب المدينة المنورة، والمسافة بين المدينتين المقدستين تبلغ أكثر من أربعمائة وخمسين كيلو متراً، وطوال هذه المسافة لم يتوقف البص لدفع رسوم عبور طريق مثلما هو حادث بالسودان، ولم نر رجل مرور يحمل في يده جهاز تحصيل إلكترونياً، كما لم يتم إيقافنا من قبل أفراد شرطة لإجراء عمليات تفتيش، بل لا نبالغ إن قلنا بأننا في طريقنا إلى المدينة ذهابًا وإياباً لم يواجهنا رجل نظامي، حيث توقف البص في الذهاب مرة واحدة بإحدى الكافتريات لتناول وجبة العشاء بالقرب من مدينة ينبع، وعند العودة توقف لتناول وجبة الغداء، والملاحظ أن الكافتريات لا تفرض رسوماً على من يريد قضاء حاجته في حماماتها التي تحترم الإنسان، ولأنني كثير التسفار بالسودان بحثت عند وصولي موقع الحمامات في الكافتريتين عن من يتحصل رسوماً لدخولها فلم أجده وضحكت على نفسي ـ ويبدو أننا تعودنا على أن ندفع أينما ذهبنا في دولة الجبايات والرسوم، وأخبرنا صاحب الكافتريا الأولى التي توقفنا فيها أن البلديات تضع لهم شروطًا صحية قاسية وتسجل حملات وزيارات مفاجئة للاطمئنان على توفر المعايير المطلوبة لتقديم الأغذية للمسافرين، وهنا وفي كافتريا على طريق الخرطوم القضارف وحينما سألت صاحبها بداية هذا العام عن الرقابة الصحية المفروضة عليهم من قبل المحلية ضحك وقال “ديل عاوزين قروش بس، تسدد الرسوم وتاني ما في زول بشتغل بيك”.

إلى القاهرة

ذات الملامح التي أثارت انتباهنا بعدد من طرق المرور السريع بالمملكة العربية السعودية وجدناها شاخصة في آخر رحلاتنا عبر البر إلى العاصمة المصرية القاهرة انطلاقاً من الخرطوم، فبعد خروجنا من معبر قسطل أشكيت الحدودي بمحلية وادي حلفا السودانية ودخولنا الأراضي المصرية عند منتصف النهار، كان لزامًا علينا وكان ذلك قبل افتتاح معبر أرقين ان نعبر بحيرة النوبة من الضفة الشرقية إلى الغربية حيث مكثنا قبالة النهر أكثر من ساعتين، ثم وصلنا بعد رحلة نهرية استغرقت ساعة إلى مدينة أبوسمبل السياحية، وطوال هذه المسافة، لم يتم إيقافنا أو تفتيشنا بل ولم نر ذهاباً وإياباً رجال شرطة رغم وجود حواجز أمنية، ولكن البص لا يتوقف فيها، وبعد قضاء فترة استراحة قصيرة بمدينة أبوسمبل توجهنا صوب مدينة أسوان التي تبعد 300 كيلو متر وأيضاً لم يتوقف البص طوال هذه المسافة، لنصل إلى عاصمة الصعيد المصري عند المساء، فكان خيارنا أن نواصل رحلتنا دون توقف، فاستغللنا بصاً آخر متجهاً نحو القاهرة، فتحرك عند التاسعة مساءً، حيث تبعد العاصمة المصرية عن أسوان 900 كيلو متر، واستمرت الرحلة أكثر من 12 ساعة، لم نتوقف خلالها إلا مرتين بمدينتي الأقصر وسوهاج لتناول مشروبات ومأكولات، وعند التاسعة صباحاً وصلنا إلى القاهرة، وتكرر ذات الأمر في رحلة عودتنا إلى الخرطوم.

تفسير وتوضيح

وطوال هذا المشوار الطويل والشاق لم يتم إيقافنا ولو مرة واحدة في حاجز تفتيش أمني بل تختفي تماماً المظاهر الأمنية في الطريق، وهذا جعلني أسأل شرطياً مصريًا كان عائدًا معنا من القاهرة إلى أسوان، وقال إنه كان في مهمة رسمية، وعن سبب عدم وجود مظاهر عسكرية في الطريق رغم الاضطرابات الأمنية التي تشهدها مصر، أشار إلى أن الإستراتيجية الأمنية التي يتم تطبيقها في كل طرق المرور السريع بمصر تقوم على قاعدة “الأمن الغائب الحاضر”، لافتاً إلى وجود الكثير من القوات على مقربة من الطرق ولكن المسافر لا يراها، وعند حدوث حادث أمني فإن وصولها لا يستغرق الدقيقة الواحدة، وأرجع هذه السياسة إلى السياحة، وقال: “السياحة والمظهر العسكري المكثف لا يجتمعان، فالسائح لا يشعر بالراحة وينتابه إحساس عند الوجود العسكري المكثف بالطرق أن الأوضاع الأمنية ليست جيدة”.

“الصبر بس”

طوال السنوات التي انصرمت من عمر “الصيحة” فإنها ابتعثتنا إلى كل ولايات البلاد في مهام صحفية، وهذا يعني استقلالنا كل خطوط المواصلات المتجهة من العاصمة الخرطوم صوب ولايات البلاد المختلفة، واتضح لنا أن البون شاسع في سياسة التعامل مع طرق المرور السريع بالسودان والجارتين مصر والسعودية، فهنا على المسافر أن يتحلى بالصبر لأن المركبة التي يستقلها وخاصة البصات السياحية يتعين عليها التوقف كثيرًا لدفع رسوم العبور وفي حواجز التفتيش الأمني وعند ارتكازات شرطة المرور الثابتة والمتحركة، وفي رحلة إلى الفاشر حاضرة ولاية شمال دارفور العام الماضي، فإن البص توقف بنا أربع عشرة مرة في نقاط مرورية وأمنية، وكان ذلك بسبب التوقيع على زمن التحرك بين المحطة والأخرى، وهذا النظام كان هدفه ضبط سرعة البصات السفرية وأخيراً استعاضت عنه شرطة المرور وفي تطور نوعي وغير مسبوق بالمراقبة الإلكترونية عن بعد ما أسهم في انخفاض ارتكازات شرطة المرور إلى أدنى المستويات، وهي ذات الاستراتيجية المطبقة في السعودية، حيث تتم مراقبة البص عبر أجهزة بداخلها تتصل بالأقمار الصناعية بغرفة مراقبة بمقر شرطة المرور، وهذا ما أشار إليه السائق السوداني الذي التقيناه في السعودية، وقال إن هذا المنهج جعل السائقين يتقيدون بالسرعة المحددة ومن يتجاوز يتلقى رسالة نصية سريعة في هاتفه تحدد مخالفته ومبلغ الغرامة المفروضة عليه، ويتم إرسال ذات الرسالة إلى الشركة المالكة للبص.

الحواجز الأمنية والتفتيش

من أكثر الطرق التي توجد بها حواجز أمنية هما طريقا شريان الشمال المتجه إلى مدينة وادي حلفا وكذلك طريق الخرطوم كسلا فكثيرا ما يتم إيقاف البص من قبل رجال بلباس مدني وعسكري لإجراء تفتيش في أكثر من أربع نقاط وفي بعضها يتم إنزال الركاب لإجراء تفتيش شخصي، مع ملاحظة وجود مكثف للأجهزة الأمنية والشرطية بل حتى التابعة للقوات المسلحة، وعمليات التفتيش تأخذ من المسافر الكثير من الوقت بالإضافة إلى نقاط تحصيل رسوم استعمال الطرق، أما في الطرق الرابطة بين ولايات دارفور فإن الحواجز الأمنية “البوابات” التي ينصبها رجال بلباس عسكري وينتمون لجهات شبه نظامية فإنها ورغم الحرب التي أعلنتها عليها حكومات الولايات الدارفورية ما يزال بعض منها موجود، ومن قبل أوضحنا أن عدد الحواجز الأمنية في الطريق الرابط بين الفاشر ونيالا في مسافة لا تتجاوز المائتي كيلو متر تبلغ 31 نقطة، يجب على سائق المركبة التوقف فيها ودفع رسوم غير قانونية إلى من يقفون في الحواجز ويحملون أسلحة .

تجربة رائدة

إذا كانت شرطة المرور قد أبدعت فكرة المراقبة الإلكترونية وعملت على تنفيذها على أرض الواقع وقوبلت باستحسان كبير لأنها أسهمت في إلغاء نقاط التوقف الكثيرة على طرق المرور السريع التى تخصم كثيراً من زمن المسافر وتزيد عليه من وعثاء السفر، فإن السلطات الأمنية والشرطية بولاية شمال دارفور ابتدعت نظاماً متقدمًا وغير موجود في ولايات البلاد الأخرى ورغم أنه يدوي إلا أنه يلقي بظلاله الإيجابية على رحلة المركبة التي تسير بانسياب ودون توقف في حواجز التفتيش الأمنية حتى تصل العاصمة، وتتمثل الفكرة في تواجد أربعة أفراد من جهات أمنية مختلفة امام كل بص يتأهب للسفر خاصة نحو الخرطوم حيث يفترشون الأرض بقطعة من القماش ويطلبون من المسافر وضع حقيبته وكل أمتعته قبل إدخالها مستودع البص وفي دقائق معدودة يجرون عليها تفتيشاً احترافياً ثم يعيدونها إلى صاحبها دون أن تتأثر محتوياتها بالتفتيش، وهذه الطريقة التي لا أعرف هل توقفت بالفاشر أم ماتزال مستمرة تختصر للمسافر الكثير من الوقت الذي يهدره في نقاط التفتيش بطرق مرور سريع بولايات أخرى.

تشابه أوضاع

طرحت ملاحظتي هذه على عدد من المختصين فاتففوا على أهمية التفتيش والمراقبة بطرق المرور السريع، إلا أنهم يرون بأن التطور التكنلوجي الذي بات سمة مميزة للعصر يجب الاستعاضة عنه بالطرق التقليدية للتفتيش والمراجعة، وأجمعت على أن شرطة المرور حققت إنجازاً تستحق عليه الإشادة والتكريم بإدخالها المراقبة عن بعد، ويعتقدون أن التفتيش عن المخدرات يجب أن يشهد أيضاً تطوراً ونقلة إلى الأمام، وأكدوا على أن الجهات الرسمية مطالبة بمراعاة زمن المسافر، ورغم أن بعضهم أرجع التفتيش والتوقف في الحواجز إلى ظروف البلاد الأمنية، إلا أن هذا المبرر بدا لي غير منطقي لجهة أن السعودية التي يزورها سنوياً أكثر من عشرة ملايين ويوجد بها ذات الرقم من الأجانب المقيمين وتخوض حرباً في اليمن وتتوجس من تنظيم داعش فإنها لا تفرض مثل هذه القيود، كما أن الأوضاع الأمنية في السودان مقارنة مع مصر تعتبر أفضل بكل المقاييس.

هذا جعلني أسأل وزير الدولة بالداخلية بابكر دقنة عن الوجود الأمني بطرق المرور والارتكازات الكثيرة، فأشار في حديثه لـ(الصيحة) إلى أن ارتكازات رجال المرور وبعد تطبيق المراقبة الإلكترونية لن يعود لها وجود، وأكد أن الدوريات تكتفي بالمتابعة، ولن تتوقف البصات، وأكد أن هذا أسهم في خفض زمن وصول المركبات إلى وجهاتها وقلل من نسبة حوادث الحركة، وأضاف: أما التفتيش فالغرض منه ليس مضايقة المواطنين بل مكافحة ومحاربة المخدرات والاتجار في البشر، وهاتان من الجرائم التي لا نجامل فيها ونعمل جاهدين للحد منها.

الصيحة


تعليق واحد

  1. “ويبدو أننا تعودنا على أن ندفع أينما ذهبنا”
    ..
    اكتر سطر ضحكني???