تحقيقات وتقارير

ما تزال لا تتناسب مع جهدهم زيادة أجور رجال الشرطة.. ترياق ضد التساقط والابتزاز


وزير الداخلية: عشرات الضباط تركوا الخدمة لضعف الرواتب
وزير الدولة بالداخلية: الزيادات الأخيرة أكدت اهتمام الرئيس بالشرطة
برلمانون يشكون من تناقص نسبة التجنيد بسبب ضعف الرواتب
الخرطوم: صديق رمضان
تغيرت ملامح وجه المهندس إبراهيم محمود حينما كان وزيراً للداخلية وهو يتحدث تحت قبة البرلمان، ويومها كان الجدل محتدماً حول أداء الوزارة الهامة، وصوبت ناحيتها الاتهامات، ومنها قول جهرت به النائبة البرلمانية في تلك الدورة سامية هباني التي كشفت عن تورط أحد أفراد شرطة المرور في حادثة رشوة مع ابنها الذي كان يقود سيارته بشوارع الخرطوم، ولم يجد المهندس إبراهيم محمود ردًا غير الدفاع عن منسوبي وزارته من النظاميين، ومضى بعيدًا حينما أكد أن منع ظاهرة تلقي الرشاوي يتوقف على زيادة أجور رجال الشرطة، وكشف عن تساقط في قوة الجهاز المنوط به حفظ ممتلكات وأرواح المواطنين من الخدمة بسبب ضعف المخصصات. وهو قول وجد ارتياحًا لدى عدد من النواب الذين جهر بعضهم – ولا يزالون – بأن ضعف الرواتب أسهم أيضًا في تناقص نسبة التجنيد وزاد نسبة عزوف الشباب عن الالتحاق بالقوات النظامية.
شكوى بالصوت العالي
والشكوى من تساقط رجال الشرطة وخلعهم البزة العسكرية واختيارهم لمهن أخرى بسبب ضعف أجورهم ظلت مستمرة ومتجددة حتى وقت قريب، فهذه المشكلة ظلت تشكو منها قيادات بالجهاز الأمني الهام منذ أكثر من عشر سنوات، وكانت أبرز شكوى حملت بين طياته مخاوف واضحة تلك التي أطلقها مدير شرطة ولاية الخرطوم الفريق محمد الحافظ في العاشر من أكتوبر في العام 2013، وذلك حينما جأر بالشكوى من وجود حالات هروب من الخدمة واستقالات واسعة وسط صفوفها جراء الأوضاع الاقتصادية ، وقال المدير يومها إن تأمين العاصمة الخرطوم يحتاج لـ(130) ألفاً من قوات الشرطة، معترفًا بأن العدد المتوفر لا يتعدى نصف هذا الرقم، وأشار الحافظ خلال لقائه بلجنة التشريع والحكم المحلي بالمجلس التشريعي ولاية الخرطوم، إلى أن تساقط القوة المدربة نتيجة للظروف الاقتصادية يهدد للشرطة، بعد اتجاه كثير من الأفراد للعمل فى مجالات أخرى مثل التنقيب عن الذهب.
شكوى متجددة
ويبدو أن القضية شكلت هاجساً لدى قادة الشرطة، فالناطق الرسمي المحال للتقاعد العام الماضي الفريق السر أحمد عمر لم ينس بعد أن وضع عصا الترحال عقب 35 عامًا من الخدمة الشرطية، أن يشير إلى قضية تساقط رجال الشرطة، فقد أرجعه إلى ضعف الأجور الشهرية والمخصصات التي يتقاضاها منسوبو الجهاز المسؤول عن بسط الأمن ومحاربة الجريمة، ورغم اعتراف الفريق السر بأن ضعف الأجور ينسحب على كل الموظفين بالدولة إلا انه رأى أن الأمر بالنسبة لأفراد الشرطة مختلف لوجود قرار يحول بينهم والعمل الإضافي في مكان آخر، لافتاً إلى أن الشرطي يقضي 24 ساعة من العمل المتواصل في موقعه، غير أنه أكد أن الحل يكمن في مسعى وزارة الداخلية الذي يستهدف توفير الخدمات التي تخفف على رجل الشرطة مثل التعليم والصحة والسكن، وتمنى الفريق السر أن تجد هذه المشكلة الاهتمام المطلوب.
استقالات بالجملة
إذا كان الفريقان محمد الحافظ والسر عمر قد كشفا عن حقيقة وجود تساقط بصفوف الشرطة، فإن وزير الداخلية الفريق عصمت عبد الرحمن وأمام البرلمان قد كشف أخيراً عن تساقط أعداد كبيرة من ضباط الشرطة السودانية وتركهم الخدمة، مؤكداً تقديم 231 ضابطاً استقاتهم، عازيًا ذلك إلى ضعف المرتبات وسوء الأحوال الاقتصادية بالبلاد، وطالب عبد الرحمن بتحسين أوضاع الشرطة نظراً للتحديات الأمنية التي تواجه البلاد من صراعات قبلية وارتفاع ملحوظ في معدلات الجريمة.
على ذات الطريق
وعلى طريق وزير الداخلية مضى وزير الدولة بذات الوزارة بابكر دقنة الذي جأر بالشكوى أيضاً أمام البرلمان من ضعف مخصصات رجال الشرطة، حيث قال تحت قبة الهيئة التشريعية القومية إنّ عشرات من أفراد الشرطة تقدّموا باستقالاتهم من الخدمة، واتجهوا إلى مهن أخرى، أو انضموا إلى المنقبين عن الذهب، بسبب ضعف مرتباتهم، وطالب دقنة، خلال تنويره لجنة من المجلس الوطني في فترة سابقة، أن يستصحب في إجازة ميزانية الدولة، أن أفراد الشرطة لا يمكن لهم الاستمرار في الخدمة في ظل هذه الوضعية، داعياً إلى زيادة مرتباتهم حتى يقوموا بدورهم على الوجه الأمثل.
تجاوب وتفاعل
ولحماية جهاز الشرطة من نزيف التساقط وترك الخدمة، ولتحصين أفرادها من الابتزاز، فإن الدولة وحينما أيقنت أن أجور رجال الشرطة متواضعة ولا توازي ما يقدمونه من جهد بل تسهم في ضعف أدائهم، فإنها عملت على رفع هذه الأجور على مراحل، ومنها مرحلة قررت خلالها الدلولة إحداث زيادات كبيرة على الأجور الشهرية لمنسوبي الشرطة من رتبة جندي إلى عميد حيث جاءت كالآتي، زيادة مرتب الضباط برتبة العميد بمعدل (990) جنيهاً، العقيد (830)، المقدم (800)، الرائد (730)، والنقيب (680)، الملازم أول (660)، والملازم (540)، وعلى صعيد ضباط الصف فقد تمت زيادة راتب المساعد بمبلغ (470) جنيهاً، الرقيب أول بـ (360)، العريف (340)، وكيل العريف (320)، والجندي (300) جنيه، وعلى إثر الزيادات المتتالية فإن أجور منسوبي الشرطة شهدت تحسناً جيدًا مقارنة بالماضي، حيث تراوحت بين الألف وثلاثمائة جنيه لمن هم في رتبة الجندي إلى ثلاثة آلاف وثمانمائة جنيه لمن هم في رتبة المقدم، وجعلت آخر زيادة أجور لمنسوبي الشرطة كما يلي: الجندي 1378 جنيهاً، وكيل العريف 1450 ج، العريف 1535 ج، الرقيب 1630ج، الرقيب أول 1740 جنيهاً، المساعد 2050 ج، الملازم 2350 ج، الملازم أول 2400 ج، النقيب 2750 ج، الرائد 3350 وأخيراً المقدم 3950، ولم نتمكن من الحصول على تعديلات أجور الرتب العليا الأخرى.
هل من مزيد
ضابط شرطة متقاعد سألته عن أثر الزيادات الأخيرة في أجور منسوبي الشرطة، فأشار بعد أن “فضل حجب اسمه” الى أنها وبكل المقاييس تعتبر جيدة وخطوة متقدمة في طريق توفير حياة كريمة لرجل الشرطة الذي أكد أنه يحمل روحه في يده من أجل توفير الأمن والأمان للمواطنين ، ويلفت إلى أنه لم يكن من المنطق أن يتم منح شرطي يعمل على حراسة حدود البلاد مبلغاً متواضعاً لحمايتها من تسلل الأجانب ودخول الخمور والمخدرات وتهريب البضائع حيث كان أعلى أجر لضباط الصف لا يتجاوز الألف جنيه، معتبراً أن ضعف الرواتب خلال الفترة الماضية كان مدخلاً لبروز ظواهر الاستقطاب والرشوة رغم تأكيده على محدوديتها وحتمية وجودها في كل مجتمع مهما كانت درجة نقائه، مؤكدًا على أن الزيادات الأخيرة تجاوزت هدفها المادي إلى المعنوي، حيث شعر رجل الشرطة أن ما يقدمه من جهد وأداء يجد التقييم من قبل الدولة.
غير أن الضابط المتقاعد يرى أن البون شاسع بين الأجور بشكلها الجديد وتكاليف الحياة، ويعتقد بأهمية زيادتها خاصة للعاملين في مواقع إيرادية مثل الجمارك والسجل المدني ومكافحة التهريب والمخدرات، وقال إن اكتفاء الشرطي براتبه في مواجهة تكاليف الحياة وتوفير الخدمات الأخرى ينعكس بصورة مباشرة على أدائه الذي يأتي على درجة عالية من التجويد، مطالباً الحكومة بمزيد من الزيادات لمنسوبي الشرطة الذين يؤكد على أنهم “يستحقون” أن توفر لهم الأجواء الجيدة للعمل دون ضغوط.
اهتمام مقدر
من ناحيته، فإن وزير الدولة بالداخلية بابكر دقنة، وحينما سألتة “الصيحة” عن هذه القضية قال: لابد من التأكيد على حقيقة اهتمام رئيس الجمهورية المشير عمر البشير بالشرطة التي أكد أنه يوليها اهتماماً خاصاً وتقديراً، واعتبره دقنة داعماً أساسيًا لها معنوياً ومالياً، وأضاف بابكر دقنة: من قبل ذكر رئيس الجمهورية في حديث تلفزيوني أن الشرطي أكثر إنسان معرض للابتزاز، وقال إنه يتعرض لاغراءات وتهديدات في ذات الوقت، وشدد الرئيس على ضرورة حمايته بتوفير أمنه وسلامته عبر تحسين وضعه وواقع أسرته، وفي هذا فإن السيد الرئيس أوفى بما وعد باهتمامه الكبير بتغيير وضع الشرطي نحو الأفضل عبر توفير الخدمات وزيادة الأجور، والحمد لله المرتبات شهدت تحسيناً جيداً جداً وغير مسبوق.
توقف التساقط
سألنا وزير الدولة بالداخلية: هل هذا يعني تراجع التساقط والابتعاد عن الخدمة؟ فاجاب قائلاً: نعم، أتوقع أن تنحسر نسبة التساقط إلى أدنى مستوياتها وصولاً إلى مرحلة الانعدام، فالزيادة الأخيرة التي تم تطبيقها في شهر فبراير تعتبر جيدة ومجزية وأتوقع في ظل اهتمام رئيس الجمهورية أن تمضي نحو الأفضل، وقال إن الإستراتيجية القومية للأعوام 2017 – 2021 تستهدف في المقام الأول منع تساقط منسوبي الشرطة على كل المستويات، بالإضافة إلى توفير الضمان الاجتماعي، وامتدح حرص ورعاية رئاسة الجمهورية لكل المشروعات التي دفعت بها رئاسة الشرطة، مبينًا أن هذه الرعاية تستدعي مضاعفة الجهود والمضي في خطط التطوير والترقية في كل المجالات الشرطية المختلفة.
مزيد من الاهتمام
في كل الاحتفالات الشرطية التي يشرفها رئيس الجمهورية فإنه يشدد من خلال خطابه على ضرورة الاهتمام بالفرد من خلال تحسين المرتبات والمعاش والسكن والعلاج والتعليم للأبناء، وهذا ما أشار إليه خلال افتتاحه في مارس منشآت شرطية جديدة، وقال إن توفير الخدمات للشرطي تعني توفير الأمن للمواطنين، مشيداً بدور الشرطة في الحفاظ على الأمن، معلنًا رضاه عن أداء قوات الشرطة، ولم يكتف المشير بذلك، بل منح قوات الشرطة وسام الإنجاز العسكري، كما منح الرئيس المدير العام لقوات الشرطة الفريق أول هاشم عثمان الحسين نجمة الإنجاز العسكري، وحتى ينصرف الشرطي لعمله دون هواجس فإن الزيادات الأخيرة التي طرأت على أجور منسوبي الشرطة وبحسب كثيرين يجب أن تستمر وصولاً إلى مرحلة إحساسه بالأمان الوظيفي، وزيادة الأجور تعني بكل تأكيد بخلاف تجويد الأداء إبعاد شبهات تلقي منسوبين بهذا الجهاز رشاوى أو تعرضهم لابتزاز مثلما أشار رئيس الجمهورية .

الصيحة


‫2 تعليقات

  1. يعني راتب مقدم في الشرطة في السودان أقل من 900 ريال سعودي في حين مقدم الشرطة في السعودية يتقاضي ما لا يقل عن 17 ألف ريال سعودي شهرياً ( ده بعد التخفيضات الأخيرة في الرواتب) !!! فرق كبير و رواتب ضئيلة جداً لشرطة السودان مقارنة بنا يقومون به من عمل … أتمني تعديل رواتبهم بما يتناسب مع حجم العمل حتى نقضي على الفساد

  2. بصراحة انا لو مابحب العمل في سبيل حماية الوطن واهله كان استقلت
    واحب كوني ضابط شرطة
    لاكن مرتبي لايوفر ابسط الاحتياجات
    ابي دفع لي كافة مصاريف الزواج
    واشتري لي منزلا
    والان زوجتي واطفالي معه تحت رعايته
    الحمد لله اني من اسرة ثرية
    .
    لاكن هناك الكثير من الضباط اقرو اذا وجدو البديل خلعو شعار الشرطة