استشارات و فتاوي

بين أمي وزوجتي .. مشاكل لا تنتهي


السؤال
توفيت زوجة أبي الأولى، وكان قد أنجب منها طفلتين، وأراد أن يتزوج امرأة أخرى؛ كي تربي له طفلتيه، فلم يجد سوى أمي، حيث كان قد فاتها سن الزواج، وقد تزوجت بعد الأربعين، وأنجبتني أمي وهي في الخامسة والأربعين من عمرها، وبعد ذلك حدثت المشاكل بين والديَّ حتى اتفقوا على الانفصال مع عدم الطلاق، وأقنعتني أمي بأن خالتي هي من تعولني، وأما والدي فلا يقوم بشيء، وكنت أذهبُ له كل خميس وجمعة، وفي الإجازات الصيفية، وكانت أمي تحدث المشكلات بسبب ذهابي لوالدي، ومرت الأيام، ودخلتُ الكلية، وأصيب والدي بالسرطان، وتوفي، وكنتُ قد رافقته في المستشفى إلى أن توفاه الله، وقد مات -والحمد لله-، وهو راضٍ عني.

قابلتُ زوجتي في الكلية، وكأي شاب أردت الإبداء بالإعجاب بها، ولكني لم أكن أحب أن أغضب الله، فأبلغت والدتها عن مشاعري، وعن ظروفي العائلية والمادية، ووافقت، على أن أنتهي من كليتي في موعدي، وأتقدم لها رسمياً -إن شاء الله-، وكنتُ أعمل مع الدراسة؛ حتى أوفر مصاريف كليتي، وبعد ذلك تخرجت من الكلية، ووجدت عملاً، وتقدمت لزوجتي، ووافق أهلها، مع العلم أن والدها قد توفي، ووافقت أمها على الزواج، وأن تجلس مع والدتي في نفس الشقة، ولكنها عندما تعاملت مع والدتي أدركت أمها أنه لا يمكن لابنتها أن تسكن مع حماتها؛ بسبب سوء معاملة أمي، وطلبت مني أن أستأجر شقةً لها ولو بإيجار جديد، وحدثت مشاكل أسفرت على انفصالنا؛ بسبب عدم مقدرتي على إيجارٍ شقة، وأمي خيرتني بينها وبين زوجتي، وبعد ذلك مرت سنتان، وقمت بالتقدم لها مرة أخرى، ووافق أهلها، بشرط أن أجد شقة إيجارٍ قديم، ووافقت، وبعد شهرين من الخطوبة حصلتُ على عقد عمل في السعودية، فقررتُ الحصول على شقه تمليك بدلاً من الإيجار، ووفقت -والحمد لله-، وقبل أن أتزوج أحضرت أمي لتؤدي مناسك الحج، وتبقى معي، فبقيت حوالي سبعة شهور تقريباً، وبعد ذلك تم الزواج، وبدأت المشاكل على أسبابٍ لا تُذكر، وحاول الناس الإصلاح بيني وبين والدتي، وتم الصلح، وسافرت، وأحضرت زوجتي، وأردت أن أحضر أمي لتبقى معي، وبدأت المشاكل في السعودية بين زوجتي وأمي، مع العلم أن والدتي هي السبب في المشاكل، فهي توجه الإهانات والسب لزوجتي، وبصوتٍ عالٍ، إلى أن قررتُ أن تسافر زوجتي إلى مصر قبل موعد سفرها بحوالي ثلاثة أيام؛ لتجنب كثرة المشاكل، وأمي تطلب مني أن أعلم زوجتي بأنها سوف تجلس مع والدتي، وإن لم يعجبها فالطلاق، مع العلم أن والدتي قد اختلفت مع كل الناس، حتى مع إخوانها وبناتها، فماذا أفعل؟ هل أترك عملي في السعودية -مع العلم أني أدفع أقساطاً شهرية-، أم أطلق زوجتي، أم أترك والدتي في مصر؟ ولو تركت والدتي في مصر، وكلمتها كل يوم عبر التليفون، وتحملت إهانتها، وزرتها مرتين في السنة، مع التكفل بمصاريفها، هل هذا يُعتبر عقوقاً؟ أفيدوني أفادكم الله؛ لأني في حيرةٍ من أمري، مع العلم أيضاً أن زوجتي ذهبت مصر لتضع أول مولود لنا، فماذا أفعل؟

الجواب

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإننا بدايةً نُرحبُ بك، ونشكر لك الحرصَ على البر، وقد سعدنا بتواصلك، ونسأل الله أن يهيئ لك من أمرك رشداً، وأن يُصلح لك الأحوال.

لا يخفى على الفضلاء من أمثالك أن شريعة الله تأمرك ببر الوالدة، وتأمرك بعدم ظلم الزوجة، ونذكرك بأن ظلم الزوجة لا يدخلُ في البر؛ لأنه لا طاعةَ لمخلوقٍ في معصيةِ الخالق، والنجاة في أن تُعطي الوالدة حقها، وتُعطي الزوجة حقها، وإن غضبت الوالدة.

وإذا أديتَ ما عليك تجاه الوالدة كاملاً، لكنها لم ترض، فالمهم هو إرضاء الله، وعليك بالصبر على كل ما يصدر منها مهما كان، وشجع زوجتك على احتمالها لأجلك، وقدر لزوجتك صبرها وإحسانها للوالدة، واعلم أن الزوجة يمكن أن تتحمل وتتحمل إذا وجدت منك الإكرام والدعم المعنوي، وشعرت بالحب والأمان.

ويُسعدنا أن نبشر كل من أدى ما عليه من البر بقول الله العظيم بعد الحديث عن البر: {ربكم أعلمُ بما في نفوسكم إن تكونوا صالحين فإنه كان للأوابين غفوراً}.

وننصحك بالتقليل من فرص الاحتكاك بين الوالدة والزوجة، وأظهر الحفاوة بالوالدة عند الاجتماع، وأكرم زوجتك في خلوتكم، وهون على نفسك، وتجنب التوتر، وانقل المشاعر الجميلة بين الطرفين، واعلم أن الخصام والصلح بين النساء أمرٌ طبيعي؛ لأن الغيرة موجودة، والأم تعتقد أن زوجة الابن جاءت لتشاركها في حب ولدها وفي جيبه، فاحرص على إشعار الوالدة أن مكانتها محفوظة، وبين لزوجتك أنك سعيدٌ بصبرها وإحسانها إلى والدة الجميع، واجتهد في إكرام أهلها، وسوف تبادلك الوفاء، وتعاونوا على طاعة رب الأرض والسماء، وتوجه إليه، واسأله المعونة؛ فإنه يصرف قلوب الرجال والنساء.

د. أحمد الفرجابي
المشكاة