تحقيقات وتقارير

“الصغار في قبضة الشرطة” ربما يكون بعض الأطفال مجرمين في نظر القانون ولكن أليست هناك طريقة خاصة لتنفيذه عليهم؟!


قبيل مغيب الشمس بقليل وهو موعد زيارة المرضى بجميع المشافي، وقتئذ تخشى أن لا تجد قدماك موطئاً عندما تخطو خطوة جراء ازدحام الشارع، وفي الأثناء شاهدنا ما يمزق القلب إرباً، وسط عدد السيارات المارة إضافة إلى الراجلين الزوار وغيرهم من عابري الطريق، سمعنا صافرة إنذار قادمة إلينا ومن الطبيعي أن يُفسح لها الطريق، بالتالي توقفت حركة السير تماما ريثما تعدي تلك السيارة اعتقاداً منا جميعا بأنها سيارة إسعاف كون المنطقة تعني بالمشافي، ولكن زاد اندهاش البعض أو ربما الكل عندما ظهرت سيارة شرطة النجدة وهنا ظننت أنا ومن وافقني تفكيري بأن هناك أحد المسؤولين سولت له نفسه زيارة دور الصحة ورؤية معاناة المواطنيين جراء ما يحدث لهم ولمرافقيهم من تردٍّ في الخدمات يقابله ارتفاع في تكاليف العلاج، ولكن كانت الفاجعة حينما رأينا السيارة تحمل طفلين صبي لا يتعدى العاشرة وبجواره فتاة تكبره بعام أوعامين بالكثير، وكان الصبي يجهش بالبكاء والفتاة مطأطئة رأسها من نظرات الناس إليها، الذين لفتت انتباههم تلك الصافرة التي توحي بالخطر دائما، لم لا تستحي وكل من رآها على متن سيارة الشرطة فوراً أدرجها في قائمة المجرمين دون النظر إلى أبعاد الأمر؟ أما ذاك الصغير كان بكاؤه خشيةً من المجهول، ربما لا يدري ماذا فعل وإلى أين ذاهب وماذا سيحدث له؟ جلها استفهامات تدور في خلده ونتيجتها يزداد رعبه

ظاهرة تشرد الأطفال
ما أسلفناه ليس من وحي الخيال ولا حكاية (كان يا ما كان)، بل مشهد ربما يتكرر في جميع أنحاء عاصمة الفريقين يوماً تلو آخر، وكان أحدهما قد شهدت الشرطة اخضرار ربيعها في عهده، الفريق حسين أول من اهتم بأمر الكلاب البوليسية آنذاك التي تعد أحد أهم أدوات مكافحة الجريمة، هذا غير الإنجازات الأخرى التي يقر بها من ينصف الحق جميعنا نؤمن بأن الشرطة في حماية الشعب، أما الأسئلة التي تطاردني الآن هي ماذا جرى للفريق حسين حتى تصدر ولايته قوانين تجحف في حق هؤلاء الأبرياء؟ لماذا يعاملون بالذل وإهانة الكرامة؟ هناك من يقاطعني بقوله إن أطفال الشوارع يشوهون منظر المدينة وهم يتسولون في أرجائها، وأيضا من يقول جلهم مجرمون ويتعاطون الممنوعات، وآخر يضيف أن هؤلاء تنظمهم عصابات في الشأن، حسنا فنقل كل ما ذكر صحيح، إذن، أين المؤسسات المعنية مثل ديوان الزكاة وزارة الرعاية الاجتماعية وحقوق الإنسان ومؤسسات التمويل وكثير من هذه الشعارات التي ليس لها أصل على أرض الواقع؟ إذا حكمنا بالنظرية الطبية، ألا يجب معالجة المرض بدلاً عن مواجهته بالمسكنات لفترة؟ لماذا لا ينقب الفريق حسين في أسباب تشرد هذه الأعداد المقدرة من الأطفال والنساء على قارعة الشوارع، يسألون ليل نهار حتى يسدون رمقهم من الجوع في ولايته؟ ولماذا لا يحاسب من يعيشون حياة رغدة من رصيد المؤسسات المعنية بهؤلاء؟ جل التساؤلات نطرحها على الفريق ليته ينظر في أمرها قبل استصداره قرارات جمع الأطفال الضعفاء من الأرصفة بهذه الطريقة المذلة، التي لا تشبه أعوان الشرطة،كونهم حماة للمستضعفين ولكل المواطنين.

الظواهر السالبة
ربما يتهمني البعض بأني أؤيد المتسولين على ما يفعلوه، بل لا، فأكثر ما يزعجني ويزعج كثيرون غيري منظر التسول في إشارات المرور وعلى الأرصفة، خاصة صغار السن والمسنين كون هذه الشريحة ضعيفة وفاقدة سند، وهي مسؤولية ولي الأمر من الفئة الحاكمة، وبذلك عليها توفير مساكن ورعاية كاملة لكل محتاج ضعيف إذا لزم الأمر، أما النفقة على على المساكين والفقراء فضلاً على المحتاجين، هي حق من حقوقهم ورد في نص القرآن وفي جميع نصوص حقوق الإنسان، إذن، لماذا هذا الضجيج في شأن المتشردين من وقت لآخر؟ وبإمكان الفريقين معالجة القضية بشكل مدروس ونهائي طالما التفتا لتنظيم وتنظيف وتأمين العاصمة، حتى لا يجري عليهما المثل الشعبي السائر (تغطية السما بالريش)، ما يعني أنه لا يمكنهما منع التسول والتشرد، إذا لم تتحسن أوضاع المواطنين المعيشية، ومحاربة من يمتهنون التسول بثوب الفقراء الحقيقيين، بالتالي تخلو شوارع العاصمة من الظواهر السالبة تماما.

شرك العوز
وأخيرا نتمنى أن تكون الشرطة رمزا للحماية وبث الطمأنينة في نفوس المواطنين وليس العكس، ما قصدت تفسيره فيما سبق ذكره هو دراسة المسؤولين لأبعاد ونتائج القرارات قبل تنفيذها، بوضع الحلول التي تحفظ للآمر والمأمور مكانتهما وكرامتهما..
حقيقة احمر وجهي خجلاً وقتئذ عندما شاهدت سيارة الشرطة تطلق إنذارها، وهي تحمل طفلين وإن كانا قد أخطآ فهما بريئان، وبلاشك وقعا في شرك الحاجة والعوز ما جعلهما يتسولان أو يسرقان، أليس هذا مخجلاً في حق الشرطة ذاك الاسم الشامخ؟ وأيضاً من حقها القيام بواجبها كامل، ولكن بطريقة مقبولة لجمع الأطفال من غير تنبيه لكل المارة، حتى لا تلجأون إلى إذلالهم والتقليل من شأنهم، والمعلوم بأن سيارة الشرطة لا يُحمَل عليها إلا مجرم.

الخرطوم – خالدة ودالمدني
صحيفة اليوم التالي