اقتصاد وأعمال

أسعار الصرف.. جدلية تنامي الواردات وتناقص الصادرات


على مدى الشهور الماضية ظلت أسعار الدولار توالي ارتفاعها بمتوالية ثابتة، أسعار مقابل العملة المحلية حتى فاق الدولار في الأسبوع الماضي حاجز السبعة عشر جنيهاً، وهو رقم رفع حاجب الدهشة لدى العديد من المهتمين بالأداء الاقتصادي، وتباين أسباب الارتفاع حسبما يقول المهتمون بمشكلات تدني الإنتاج وسط القطاعات المنتجة، وتنامي حجم الواردات بشكل مضطرد، فيما نشطت مبادرات رسمية وغير رسمية للتنبيه بمخاطر مواصلة ارتفاع الدولار وأثرها السلبي على مجمل الوضع الاقتصادي.

وقال متعاملون في أسواق العملة أن سبب تراجع الجنيه أمام العملات الأجنبية في الفترة الأخيرة يرجع لتنامي حجم الواردات، مع عدم قدرة الجهاز المصرفي على السيطرة على سوق النقد، وطالبوا البنك المركزي بضرورة التدخل العاجل لإيقاف ارتفاع الدولار بالسوق الموازي، وعزوا الزيادة الأخيرة في الأسعار لزيادة الطلب على الدولار مع شح المعروض.

ويتفق خبراء اقتصاديون على أن المشكلة في السياسات ومعالجة إشكالية تذبذب سعر العملة مرهون بتوقف الفساد والترهل الحكومي والحرب، فضلاً عن ترشيد الاستيراد مثل استيراد الثوم من الصين والألبان من السعودية واللحوم من أثيوبيا، الأمر الذي أضعف العملة الوطنية، كما أن زيادة الجمارك حل جزئي وليس كلياً، ووفقاً لقانون العرض والطلب فإن سعر العملة يتحدد من خلال توافر العملة وكمية الطلب علىها، فعندما يزيد الطلب عن العرض فإن سعر العملة يأخذ في الزيادة وهذا ما حدث في حالة الدولار أمام الجنيه في الآونة الأخيرة رغم السياسات التي أعلنت من البنك المركزي، حيث قل تواجد الدولار في السوق مقابل ازدياد الطلب عليه، وأدى ذلك لزيادة سعر الدولار وفي ظل هذه الأزمة الاقتصادية تواصل استيراد بشكل غير مدروس لسلع يمكن وصفها بالكمالية أو الاستفزازية وأدى ذلك لزيادة عمليات الاستيراد لتصبح بحجم 9 مليارات دولار للسلع الأساسية والترفيهية مع ركود تام لحركة التصدير للخارج مما سبب انخفاضاً للعملة الوطنية، وأيضاً انخفاض معدل دخول الدولار داخل البلاد سواء بسبب ركود حركة التصدير و ازدياد عمليات الاستيراد أو من خلال انخفاض معدل تحويلات العاملين بالخارج إلى ذويهم، عموماً وإن وجدت هي خارج الجهاز المصرفي تماماً، وتنشط حالياً حركة دؤوبة من قبل المستوردين لتوفير دولار يضمن لهم استيراد مستلزمات شهر رمضان، الأمر الذي أدى لزيادة طفيفة في سعر الدولار بالسوق الموازي فضلاً عن تزايد أعداد الراغبين في أداء العمرة في شهري رجب وشعبان.

ويرى الخبير الاقتصادي دكتور هيثم محمد فتحي أن الأسواق والمستوردين تنشط دائماً مع اقتراب شهر رمضان للاستعداد للشهر الكريم، مشيرًا إلى أن الاقتصاد السوداني شهد خلال السنوات الماضية زيادة الطلب على الاستيراد بعد انخفاض المنتج المحلي والاعتماد على استيراد السلع لعدد من الأسباب، ومع زيادة الطلب على العملة الأجنبية وعدم قدرة البنوك على تلبية احتياجات التجار وأصحاب الشركات المستوردة من العملة الأجنبية يتجهون للسوق الموازي لتنفيذ طلباتهم والوفاء باحتياجاتهم.

وأضاف: تحت ضغط الطلب يقوم السوق الموازي برفع السعر لتحقيق المزيد من الأرباح الطائلة جراء الاحتكار لذلك بات من الطبيعى ظهور أسعار كل يوم مختلفة لأسعار السلع والمنتجات في السوق تدهش المواطنين بسبب التضخم في الاقتصاد والذى تسبب في ارتفاع سعر الدولار الأمريكى بسبب تحرير سعره وانخفاض قيمته إلى زيادة شعور المواطنين بارتفاع الأسعار وخصوصاً أسعار المنتجات التي تعتمد على الاستيراد، ومع ارتفاع سعر الدولار الجمركي، داعياً إلى وضع معالجات عاجلة تتمثل في توفير الدولار وتسهيل إجراءات الاستيراد مع ضرورة إشراك الجهات ذات الصلة في السياسات المرتبطة بحركة التجارة في ظل ارتفاع الأسعار الذي نتج عن صعود صرف العملة الأجنبية في السوق السوداء، لافتاً إلى أن ارتفاع الأسعار الذي تشهده الأسواق يسبب أزمة للمستهلكين وخصوصًا مع ضعف الرواتب من جهة، وتضخم الأسعار من جهة أخرى لتفادي الاقتصاد الوطني حدوث تضخم ركودي بسبب الارتفاع الكبير لمعظم أسعار السلع خاصة أن ارتفاع الأسعار سببه الشح الكبير في العملات الأجنبية، وقال إن ذلك الأمر من الممكن أن يؤدى لتقليص الاستيراد وعدم انسياب السلع من الخارج، مبيناً أن الأسواق تحتاج لمراقبة ومتابعة دورية خاصة أنه سوف تكون هناك بعض الزيادات غير المبررة كالسكر والسلع المنتجة داخلياً والتي يستغل فيها المواطن بحجة موسم رمضان.

ويعزو فتحي ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الجنيه السودانى لعدة أسباب أجملها في ضعف الإنتاج والإنتاجية وبالتالي تقليل الصادرات السودانية وتراجع مساهمة القطاعات المنتجة في الناتج المحلي الإجمالي إضافة لزيادة الطلب على الدولار بأكثر من المعروض فضلاً عن وجود أشخاص يشترون الدولار كمخزن للقيمة وزيادة الطلب عليه لتغطية حاجة المسافرين للعلاج والدارسين بالخارج، بجانب مشكلة الحظر على التحويلات البنكية في إطار العقوبات الاقتصادية على السودان في الشق التجاري والرسمي للدولة والتي تقف عائقاً أمام المستثمرين الأجانب لتحويل أرباحهم، مبينًا أن جميع هذه الأسباب زادت الطلب على الدولار ورفعت سعر صرفه مقابل الجنيه السودانى في ظل ارتفاع واردات البلاد لأكثر من “9” مليارات سنوياً مقابل “3” مليارات دولار للصادرات.

ولا شك أن الحل لمشكلة ارتفاع سعر الدولار يستوجب التركيز على زيادة الإنتاج وخفض تكلفته لخلق وفرة تجسر الفجوة بين الواردات والصادرات وتخفض عجز الميزان التجاري وأن تتخذ الدولة سياسات حازمة للحفاظ على استقرار سعر العملة وإيقاف صادرات الخام السوداني زراعية كانت أم صناعية وتطويرها وزيادة القيمة المضافة للصادرات وتدخل الدولة كشريك بنسبة كبيرة في مجال المعادن وإنتاج الذهب أو إقامة شركات كبرى (مساهمة عامة) للعمل في مجال الذهب والمعادن وخفض الإنفاق الحكومي.

الخرطوم: مروة كمال
صحيفة الصيحة