رأي ومقالات

حسب ونسب توت عنخ آمون ملحمة أمريكية لتحرير التاريخ


لماذا تتمنع الحكومة المصرية أمام دعوات توظيف تكنولوجيا تحليل الحمض النووي لحسم الجدل حول نسب توت عنخ آمون؟
اضطر حوّاس لاستبدال الصور بأخرى يظهر فيها آمون بلونه الأسود الذي عُرف به منذ اكتشف هاوارد كارتر مقبرته ومومياءه عام 1922
لم يقدم حوّاس أية أدلة علمية تدحض نظريات الأصل الأفريقي ولم يقدم إجابات على الأسئلة التي طرحها الأمريكيون

(1)
شهد الساحلان الأمريكيان الشرقي والغربي وبعض مدن الوسط الأمريكي مظاهر احتجاج صاخبة استنكاراً وتنديداً بتصريحات أدلى بها د. زاهي حوّاس، عالم المصريات المعروف والوزير ورئيس المجلس الأعلى للآثار السابق في مصر، ضمن محاضرة قدمها مؤخراً بمدينة فلادلفيا. وقد انعكست مظاهر الاحتجاج وتداعياتها على المسارح الإعلامية والثقافية الأمريكية، كما انعكست بصور مُختلفة على مُجتمعات المُهاجرين الأفارقة والعرب.
كان العالم المصري يُخاطب جمهوراً شديد الاهتمام والإعجاب بالحضارة الفرعونية وملوكها العظام وملكاتها الجميلات، وقد جاء – ذلك الجمهور – لحُضُور افتتاح معرض الملك توت عنخ آمون الذي أُقيم في عدة مدن أمريكية قبل انتقاله قريباً الى أوروبا. قال حواس: (إن توت عنخ آمون لم يكن أفريقياً أسود، وإن الحضارة المصرية الفرعونية ليست أفريقية الأصل والمنشأ)، ولكأن خبير الآثار الدولي قد فتح على نفسه بهذه الكلمات الباب الذي تأتي منه كل الرياح والزعابيب!
(2)
وقد ذهبت بعض التحليلات في هذا الصدد مذاهب قددا، ألمح بعضها الى أن تصريحات حواس ربما كانت تمثل موقفاً مصرياً رسمياً مَدروساً، الغرض منه التعبير عن ضيق النخبة الحاكمة في مصر ومعارضتها لبرنامج “مصر القديمة نور العالم” الذي تُنظِّمه جهات أمريكية ضاربة التأثير والتمويل تتبنى نظرية المنشأ الأفريقي للحضارة المصرية القديمة، ويَشتمل البرنامج على عروض ضخمة ومظاهر ثقافية ومحاضرات علمية في عددٍ من دول العالم.
ردود الفعل العاصفة الرافضة لتصريحات حوّاس استندت على تحفظات علمية وتوجسات عنصرية. من الوجهة العلمية، فإن هناك جُهُوداً وإسهامات مُتواترة عبر السنوات الستين المُنصرمة حمل لواءها مُؤرِّخون وعلماء أوروبيون وأمريكيون وأفارقة متخصصون في المصريات والدراسات النوبية تتبنى نظرية المنشأ الأفريقي للحضارة المصرية القديمة. وقد تقبلت هيئة اليونسكو طروحات هؤلاء العلماء لحدٍ كبيرٍ، حيث تبنت الهيئة الدولية عدة مؤتمرات علمية بغرض التداول حولها وتقويمها، وحثت العلماء على استئناف مجهوداتهم باتجاه مزيد من الإضافات العلمية.
والتوجس العنصري الذي استبطنه في تصريحات حواس عدد من منظمات الأمريكيين السود والمهاجرين الأفارقة مصدره بالدرجة الأولى أن العالم المصري لم يقدم بين يدي إعلانه المُفاجئ أية أدلة علمية تدحض نظريات الأصل الأفريقي المستقرة وتقدم بإزائها طرحاً تفسيرياً بديلاً، بل ولم يحاول، مجرد محاولة، الإجابة على الأسئلة المنطقية التي يطرحها إعلانه تلقائياً وأبرز هذه الأسئلة: اذا لم تكن الحضارة المصرية القديمة التي قامت في قلب أفريقيا ورسخت في صعيد مصر، في مناطق أسوان عاصمة مصر القديمة وامتداداتها في عمق القارة السوداء، حضارةً أفريقية ولم يكن توت عنخ آمون ورصفاؤه أفارقة، وبما أن الثابت تاريخياً أن العرب لم يدخلوا مصر إلاّ سنة ٦٤١، فمن إذن كان بناة تلك الحضارة ومن أين جاءوا؟!
(3)
والحال كذلك فقد بدا العالم المصري وكأنه يقول للأمريكيين، ومن ورائهم الدنيا والعالمين: صحيح إنه ليست لديّ نظرية تفسيرية مقابلة ادفع بها النظريات القائمة، وصحيح إنني لا أعرف ما هي الأصول العرقية للمصريين القدماء، ولكنني أعرف شيئاً واحداً وهو أنه لا يمكن ولا يُعقل أن يكون سود أفريقيا هم سدنة تلك الحضارة وأعمدتها!!
الافتقار الشديد للروح العلمية والتثبُّت المنهجي في تصريحات حواس، فضلاً عن الملمح العنصري الذي تلَمّسه بين ثناياها الأمريكيون سوداً وبيضاً، في بلد شديد الحساسية بحكم خلفيته التاريخية وتكوينه الديمغرافي، أضعف بلا شك من مصداقية العالم المصري الكبير وخصم من أرصدته العلمية والأخلاقية، ولكنه الى ذلك بعث الى الحياة من جديد قضية كان الجدل حولها قد خفت وانحسر.
ولسود الولايات المتحدة ومنظماتهم مع حواس قصصا ربما كان العالم المصري الكبير يفضل إغفالها وتجاوزها، ومن ذلك المُظاهرات الهادرة التي قادتها في شوارع لوس أنجلوس قبل سنوات منظمات الأمريكيين الأفارقة، احتجاجاً على الصور الدعائية لمعرض سابق لتوت عنخ آمون، وفيها يظهر الملك الشاب بلون أبيض، وقد اضطر حواس في ذلك الوقت للانحناء أمام العاصفة واستبدال الصور بأخرى يظهر فيها آمون بلونه الأسود الذي عُرف به منذ أن اكتشف البريطاني هاوارد كارتر مقبرته ومومياءه عام ١٩٢٢. ويبدو أنّ ما بين حواس، الذي قضى شطراً كبيراً من حياته في الولايات المتحدة، وبين الأمريكيين الأفارقة لم يكن عامراً حتى على الصعيد الشخصي، فقد كَتب هو نفسه مُؤخّراً في إحدى اليوميات العربية: (وقد كان بعض الأمريكان يرسلون لي خطابات تهديد دون أن يوقعوها بأسمائهم ويلقونها أسفل باب مكتبي، ومن ضمن هذه الكتابات: ليس معنى أن هناك سيدة أمريكية بيضاء تحضر لك القهوة كل صباح أنك أبيض. في الحقيقة أنت أسود)!
(4)
ومهما يكن من أمر فإنه مما لا شك فيه أن نظرية المنشأ الأسود تجد قبولاً راسخاً وعميقاً في الدوائر الإعلامية الثقافية والفنية الأمريكية، ومن شواهد ذلك أن الفيلم الأمريكي الشهير “آخر ملوك اسكتلندا” الذي حصل على جائزة الأوسكار يشتمل على مشهد يقول فيه الممثل الأسود فورست ويتاكار: (نحن الزنوج سبقنا العرب في الطب والصين في الصناعة واليونان في الفلسفة وأن حضارتنا الفرعونية سبقت الجميع)!
وأطروحات المنشأ الأفريقي للحضارة الفرعونية تمتد جذورها الى عهد قديم كما تجد إسنادها وتجلياتها في العديد الإسهامات العلمية الحديثة. والى جانب العلماء الأوروبيين فقد كان لعدد من الباحثين الأفارقة سهمٌ وافرٌ في إحيائها وتزكيتها. ومن أشهر هؤلاء الأفارقة العالم السنغالي انتا ديوب (١٩٢٣- ١٩٨٦) الذي قدم أمام عدد من المؤتمرات الدولية، أعمالاً تثبت الأصل الأفريقي للحضارة المصرية عن طريق تحليل التماثيل المنحوتة من أحجار البازلت والجرانيت وتلك المصبوغة باللون الأسود كتمثالي توت عنخ آمون ورمسيس الثاني. وقد وجدت إسهامات أنتا ديوب صدىً واسعاً على الصعيد الدولي كما نظمت اليونسكو مؤتمراً خاصاً لمُناقشتها.
والى ذلك، فقد أشارت كثير من الدراسات المعتمدة في الدوائر الأكاديمية الغربية الى الأصل الحامي للمصريين القدماء والجُهُود المُترابطة والحثيثة في اتجاه تقعيد اللغة المصرية الفرعونية وتأصيلها في أنسجة اللغات الأفريقية القديمة، لا سيما الحامية والكوشية التي ما زال البجة والعفر والنوبيون يتكلمون بها في وادي النيل وضفاف البحر الأحمر، كما أشارت الى العُمق الجغرافي والديمغرافي لهذه الحضارة. وذلك فضلاً عن ما هو ثابت عن أصول الأسرة الفرعونية الخامسة والعشرين، التي ترجع الى ما وراء منحني النيل في النوبة العليا في مناطق مروي وجبل البركل الذي تجعل منه الميثولوجيا الفرعونية موطنًا لالهة مصر القديمة.
(5)
المعارضون لدعاوي حواس خرجوا من الجدل المحتدم حول أصل تون عنخ آمون بعدة تساؤلات أبرزها: إن التقدم العلمي في مجال الآثار والتطور في تكنولوجيا الاستكشاف قد بلغ في يومنا هذا ذرى عالية، فلماذا تتمنّع وتتردد الحكومة المصرية، ممثلة في المجلس الأعلى للآثار، فتقدِّم رِجلاً وتؤخِّر أخرى، أمام الدعوة لتوظيف منتجات التكنولوجيا والعلم الحديث لحسم الجدل حول الملك توت عنخ آمون، ومن ذلك التكنولوجيا الطبية المُتمثلة في تحليل الحمض النووي؟ فإذا كانت تحليلات الحمض النووي قد تمكّنت بنجاح باهر من تحديد أصول كثير من الأمريكيين الأفارقة وردها الى جذورها في القبائل الأفريقية مثل الأشانتي والفولاني وغيرها، وإذا كانت ذات التكنولوجيا قد تمكنت من أن تكشف، كما أعلن حواس نفسه في عدد من محاضراته، أن الملكة حتشبسوت كانت بدينة، عظيمة الكفلين، وانها ماتت تحديداً بمرض السرطان، فلماذا لا تمضي السلطات المصرية قدماً في تطويع هذه التكنولوجيا لكشف الغموض عن طبيعة مومياء توت عنخ آمون؟!
(6)
في مُحاولة لصب بعض الماء البارد على النزاع ولجم حصان الانفعالات والمشاعر المُتأجِّجة، خرجت صحيفة الواشنطن بوست بمادة صحفية معتقة استنطقت فيها عدداً من علماء جامعة بنسلفانيا. ذكّر العلماء بالحقائق العلمية الراكزة التي تقرر أن جميع بني البشر كانوا سود البشرة عند مطلع الحياة البشرية قبل ملايين السنوات، وانّ تحول بعضهم الى اللون الأبيض قد حدث، لأسباب بيولوجية محضة، في حدود العشرة آلاف الى الخمسين ألف سنة الماضية مع بدايات هجرات الإنسان من أفريقيا الى القارات الأخرى.
وإضافة الى ذلك فإن ٩٩.٩% من جينات جميع البشر، بمختلف مللهم ونحلهم، واحدة ومتطابقة ومشتركة. ومن المفترض أن تؤدي هذه الحقائق الى خلاصة واحدة وهي أن معرفة ألوان وأعراق أولئك الذين قامت على أكتافهم “حضارة السبعة آلاف سنة”، في نهاية المطاف، ربما لم تكن لها أكثر من قيمة هامشية وأنها ليست من الأهمية بالمكان الذي يتصوّره كثيرون.
ولكن لا يبدو أن ذلك المنحي قد أتى بالثمار المرجوة، فالأمر أكبر وأجَلْ عند الآلاف ممن أعلنوا الثورة وأشعلوها، فعلاً لا قولاً، في مواجهة عالم المصريات الذي أنكر على أفريقيا ما رآه الثائرون حقها الأصيل في ابوة الملك الشاب آمون. الجدل حول إثبات المنشأ الأفريقي للحضارة الفرعونية في جوهره – بحسب هؤلاء – حلقة واحدة من حلقات الصراع في معركة شاملة لتحرير التاريخ وتنقية الحضارات وتصفية الاستعمار الجاثم على صدرها. ومن شأن هذا العمل الرسالي الباسل، عند تمام إنجازه، أن يؤمّن حاضراً أوفر كرامةً ومُستقبلاً أكثر زهواً للشعوب الأفريقية داخل القارة السمراء وخارجها، تلك الشعوب التي أرهقتها وأزهقت كبرياءها عقابيل الاحتلال الحضاري بأكثر مما كبّلتها أغلال وأشكال الاستعمار الأخرى.
(7)
الملك الشاب توت عنخ آمون نفسه ينام حالياً، ملء جفونه عن شواردها، في أحد متاحف العاصمة البريطانية، بينما يسهر ويختصم في أصله وفصله، وحسبه ونسبه سودان أمريكا الشمالية وبيضانها!

مصطفي عبدالعزيز البطل
السوداني
72601


‫6 تعليقات

  1. ومن قال لك ايها الكاتب ان مصر لم تجرى الحمض النووي للفراعنه ؟؟؟؟؟؟؟ لقد فعلنا وقد اثبت الحمض النووي ان المصرين بهم 32 فى المئه من نسل الفراعنه وان اقرب شعب يحمل الحمض النووى الفرعونى هم نمسا والمانيا فبالله عليك اصمت مدمت لا تعرف شىء وللعلم اغلب شعب مصر يحمل جينات شمال افريقيا بنسبه 68 فى المئه وديه دراسه حديثه و17 فى المئه من مصرين من اصول عربيه 4 فى المئه من شرق افريقيا اما بنسبه لتوت عنخا مون ادخل واعرف اخر دراسه عملت على مومياء الفرعون الصغير ستجد هيئه تشبه المصرين وان الحمض النووي اثبت انه من اهل شمال افريقيا بلاش تكلم عن العلم والحمض النووي وانتا لا تعرف معنا علم المصريات

    1. 68% + 4% + 17% = 89% ……….. فارقه معاك 11% ………. المره الجايه حاول تزبطها أحسن من كده

  2. ليس هناك نسل ينسب للفراعنة يا جاهل إنت,,, تنسب الأنسال إلى عرقيات..أفريقية ،عربية ،أوربية آسيوية كوكازية وهكذا. الفراعنة أنفسهم ينسبون إلى أفريقيا وهم أصل الحضارة … أصل المصرين هم النوبة .:: البقية الباقية هجين من الشعوب التى غزت مصر وسبت نسائها وطلع منهم هذا الهجين العجيب الغريب

  3. انا الجاهل اسكت يا جاهل الحمض ياخذ من المومياء الفرعونيه وللعلم على شان افهمك انكم جهلاء هل تعرف عدد سكان مصر فى عهد سيدنا يوسف؟ 12 مليون وهذا بشهاده المعابد فكام عدد النوبين الان يا جاهل؟؟؟؟تلاته اربعه مليون ان زياده السكانيه الطبعيه ونتكلم عن 1500 قبل الملاد يبقه النوبيمن الان فى مصر على اقل تقدير 50 مليون فاين النوبه من الفراعنه ؟ ثانيا من قال لك ان الفراعنه ذنوج ادخل على صفحه المصريات وده علم اسمه المصريات يا ابو جهل وانتا تعرف ان الفراعنه من شمال الافريقى وهتعلم ان اول انسان عاقل خرج من مصر وان الهجره للانسان بدون عقل خرج من اثيوبيا انتا تعرف يعنى ايش الكلام ؟؟؟؟؟ طبعا لاء لان محتاج انثر بلوجيا يا ابو جهل

  4. يا الاسمك m
    انت بتجيب الكلام ده من وين …بتشيل الكلام و تقعد تدور بيهو ساي هنا ولا شنو
    الشعب المصري تم تقسيمه كالاتي تم اخذ شريحه من سكان الدلتا و شريحه من الواحات الغربيه كواحه سيوه و شريحه من الجنوب من منطقه اسوان و شريحه اخري من الشرق كقبايل البجا و هم من لهم جينات مشابهة لسكان القرن الافريقي و ليست انت او السيسي بتاعك انتم اصولكم يورواسيويه و ما عندكم اي علاقه بالارض التي تسكنون بها و هي مصر
    انت ذاكر كويس و اعرف الفرق ما بين DNA و الRNA و اعرف شويه عن الاحماض الامينيه و انواعها و بجيك صاد عشان اوريك انت ما عندك اي صله بالفراعنه و لا حضارتهم التي تسمونها كذبا
    و بهتانا بالحضاره المصريه و علم المصريات و الكلام الغريب ده ….
    اما الكاتب ده بالمناسبه استاذ في جامعه ميتشجان
    قد يكون علم الجينات غير تخصصه لكنه رجل مثقف جدا جدا و ملم بأشياء كثيره

  5. m و mmmm l شخصيّات فجّة مصنوعة لا تحسن الحوار.
    القضيّة قضيّة بحث علمي المصريون زنوج أو خلطة مستعمرين.