تحقيقات وتقارير

الإنقاذ في ثوب جديد (2)


النجاحات تتمثل في:
أولاً: المحافظة على أمن السودان وتماسكه بعيداً عما يحدث الآن من فوضى عارمة في دول حولنا، كانت الى وقت قريب من أقوى وأعتى الأنظمة والدول مثل العراق، وسوريا، واليمن، وذلك بالإهتمام بتقوية القوات المسلحة ودعها المستمر بالعدة والعتاد والأسلحة الحديثة والأفراد المدربين.. عملت الإنقاذ على إنشاء جهاز أمن واستخبارات بكفاءة عالية مدعوماً بوسائل الحركة والتواصل والمتابعة والأجهزة والمعدات وأفراد مؤهلين تأهيلاً رفيعاً في كافة التخصصات، خاصة في وحدات الأمن الخارجي وشُعب المتابعة الداخلية المتخصصة في المجموعات الإرهابية والمنظمات المشبوهة، إضافة الى ارتفاع درجات التنسيق مع استخبارات اقليمية ودولية خاصة الأفريقية، التي عقدت أكثر من مؤتمر لها في السودان بمبادرة ورعاية كاملة من جهاز الأمن، إضافة الى العلاقات المتميزة مؤخراً مع وكالة المخابرات الأمريكية، الأمر الذي كان له الأثر الايجابي في رفع العقوبات في يناير من هذا العام.
العنصر الثالث في استتباب الأمن بعد تقوية القوات المسلحة وجهاز الأمن والمخابرات هو الشرطة، والتي تم تأهيلها بالأفراد والوسائل المتحركة والأجهزة الحديثة والاتصالات السريعة، حتى أضحت من أقوى القوات الشرطية في اقليمنا الأفريقي والعربي، وبسطت هيبة الدولة خاصة في المدن الكبرى وبصفة أخص في ولاية الخرطوم.

ثانياً: نتيجة لكل ذلك التأهيل والإمداد لأجهزة الأمن الثلاثة انحسر نشاط الحركات المسلحة في دارفور والمنطقتين بدرجة كبيرة، وتحول ذلك النشاط الى تفلتات متباعدة ونهب وسرقة أو نزاعات قبلية.
ثالثاً: توفر السلع الضرورية واختفاء ظاهرة الصفوف وكروت البنزين وبطاقات التموين، التي كانت سائدة قبل 1989 ولكن وبالرغم من توفر السلع إلا أن أسعارها عالية فوق مقدور الغالبية العظمى من المواطنين.

رابعاً: تحسن الخدمات الضرورية من الكهرباء والماء.. في الكهرباء كانت الطاقة الكهربائية في الشبكة القومية عام 2006 كما يلي:
496 ميقاواط توليد حراري و341 ميقاواط توليد مائي بجملة 837 ميقاواط (59% حراري و41% مائي).. الآن أصبحت طاقة الشبكة القومية حوالي 2500 ميقاواط توليد حراري و2111 ميقاواط مائي، بعد إضافة 320 ميقاواط ستدخل الشبكة من سدي أعالي عطبرة وستيت، لتصبح جملة الطاقة المولدة حوالي 4611 ميقاواط (54% حراري و46% مائي)- أي الزيادة من 2006 حتى اليوم 550%.. وهذه الزيادة أدت الى إدخال الكهرباء في بعض المشاريع الزراعية وفي معظم مدن السودان، وراجت تجارة الأجهزة والمعدات الكهربائية بدرجة كبيرة غير مسبوقة، وكذلك الحال في إمدادات المياه خاصة في العاصمة إذ زادت طاقة محطات المياه بنسبة 300%.
خامساً على الصعيد الخارجي تم التحول الجذري في سياسة معاداة العالم والانغلاق في محاور مُحارَبة دولياً مثل محور الحركة الإسلامية العالمية المدعوم من ايران، وتركيا، وقطر الى سياسة مصالحة العالم والانعتاق من محور ايران، والانضمام الى المحول المعتدل في الوطن العربي، المتمثل في إعادة العلاقات التاريخية القوية مع السعودية والإمارات ومؤخراً الكويت، التي استقبلت الرئيس البشير الأسبوع الماضي استقبالاً حاراً سوف يفضي الى خلق علاقات استراتيجية معها، إضافة الى النجاح في خطوات التطبيع مع أمريكا وأوروبا التي قادت الى رفع جزئي للعقوبات، يتوقع أن يكون كاملاً في يوليو القادم، مع رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، كل ذلك إذا واصل السودان ونظامه في ثوبه الجديد في خطوات مقابلة شروط التطبيع الكامل.

الإخفاقات:
أولاً: انفصال الجنوب بسبب إضافة بُعد لم يكن موجوداً طوال فترات تمرد الجنوبيين منذ العام 1955 -(تمرد حامية توريت ومقتل الضباط والجنود الشماليين)- ذلك التمرد الذي استمر منذ ذلك الوقت في كل الأنظمة التي حكمت السودان منذ العام 1956، ذلك البُعد كان تحويل حرب الجنوب الى حروب جهادية ضد مواطنين في أرضهم التي عاشوا فيها مئات السنين، ومعظمهم وثنيين ولا دينيين ومسيحيين.. كل الأنظمة قبل الإنقاذ خاضت حروب الجنوب بسبب تمرد عسكري ينادي بإزالة التهميش وتنمية الجنوب، بل كانت أقصى مطالب قيادات الجنوبيين هي الحكم الفدرالي في ظل سودان واحد-(مطالب حزب سانو بقيادة الراحل وليم دينق في مؤتمر المائدة المستديرة عام 1965)- وحزب سانو كان حزب الأغلبية الجنوبية في انتخابات عام 1968، حيث نال 15 مقعداً، وجبهة الجنوب لم تطالب بالإنفصال نالت 10 مقاعد.. انفصال الجنوب عام 2011 أصاب اقتصاد السودان في مقتل بعد تعثر ضخ البترول، إذ كان سعر صرف الدولار طوال الفترة الانتقالية حوالي اثنين جنيه، اليوم قرابة العشرين جنيهاً وأصاب دولة الجنوب بانهيار أمني كامل.

ثانياً: الفشل في حسم حروبات دارفور والمنطقتين سلمياً، إضافة الى النعرات القبلية الجهوية بالتقسيم غير الموفق لولايات عديدة غير مطلوبة في عصر نهضة الاتصالات والتواصل، الذي كان من المفترض أن يكون مدعاة لرفع شعار تكبير الظل الإداري بالعودة الى أقاليم ستة كما كانت ناجحة، بالرغم من ضعف الاتصالات والتواصل.

ثالثاً: الفشل في محاربة الفساد وضياع أموال طائلة، مما حجب أي أثر إيجابي ملموس لعائدات البترول على المواطن العادي الذي هو الآن في أشد درجات المعاناة اليومية.

رابعاً: انهيار مشاريع ضخمة كانت ناجحة قبل 1989 مثل مشروع الجزيرة والمناقل، ومشاريع جبال النوبة الزراعية، ومشروعي طوكر ودلتا القاش، وانهيار مؤسسات كانت ناجحة وقوية منتجة مثل السكة الحديد، والخطوط الجوية، والخطوط البحرية، والنقل النهري، والنقل الميكانيكي والمخازن والمهمات، كل هذا الإنهيار بسبب عدم استغلال عائدات النفط الناضبة وتحويلها الى تنمية ثروات مستدامة متجددة في الزراعة، والثروة الحيوانية.

خامساً: معاداة العالم العربي المؤثر (السعودية، والإمارات، والكويت) ومعاداة أمريكا وأوروبا لمدة ستة وعشرين عاماً، حتى أحجمت تلك الدول العربية عن دعم السودان والاستثمار فيه، وفرضت أمريكا منذ العام 1993 عقوبات اقتصادية أفقدت السودان أموالاً طائلة- حسب إفادات د. حسن أحمد طه- وزير الدولة بالمالية الأسبق في ندوة أقيمت الأسبوع الماضي بفندق كورنثيا عن تأثير رفع العقوبات الأمريكية عن السودان، والذي دعمته الأستاذة عابدة المهدي وزيرة الدولة بالمالية الأسبق أيضاً بتحديد أكثر من ترليون دولار كخسائر مباشرة فقدها السودان.. قد تختلف الأرقام وتقديرات الخسائر لكن الثابت أن الفقد كان كبيراً جداً بسبب العقوبات الأمريكية وإحجام الدول العربية الصديقة الخليجية الثلاث- السعودية، والإمارات العربية، والكويت.

عليه المظهر والثوب الجديد مطلوب بإلحاح، نأمل أن يتواصل دون رِدة أو تردد حتى ينعم السودان بالأمن والأمان والنهضة التنموية المؤدية للرفاهية ومصالحة الغالبية العظمى من الشعب.

تقرير: عمر البكري أبو حراز
صحيفة آخر لحظة