المقالات

ركن المكارم الذي هوي ..


لا شئ أقسي علي نفوسنا من فقد عزيز أو قريب ..فالنفوس علي ثباتها يتملكها الحزن والاسي العميق الذي يصده الصبر واليقين فذاك سبيل لا احتراز منها . .فعبر تلك المواقف تطغي علي ما عداه ..فمهما نأت أنفسنا ركونا الي الدنيا لهثا خلف أغراضها التي لا تنفد ،عاجلتنا تلك الرسائل الفاجعة لتعيدنا لواقع حياتنا ومالاتها في العبرة والتأثر والاوبة الي الله ..فالموت يحصد الأرواح يوميا فلا نكاد نبصر من العظات ما يغنيننا ويردنا الي جادة الطريق وسبيل اليقين في التهيؤ والإستعداد لركب الرحيل . .لكن في فقد الأعزاء والأقربين وأهل الفضل والصلاح ما يجعل للحزن والتأثر سلطان وعبرة لدينا ، ففي فقدهم يبأن عظيم الأثر ، ولوعة الفقد ، ومقدار الحزن ومعني الحياة في المعبر والسبيل المحتوم .برحيل أولئك المفجع ..
فقد مضي ملبيا لمرضاة ربه خالنا عبد الله فضل المولي حسين .. كان الرحيل فاجعا ..فمرارة الفقد أحالت النفوس علي ثباتها الي التأثر والنحيب الصريح ، قد تدرك في دموع الناس حينها كم كان الرجل كبيرا في نفوسهم ، متربعا علي عروش قلوبهم و في حدقات عيونهم ، بالمآثر الخالدة ، ونبل المعاملة ، والتواصل المعمر ، فلكل منهم معه موقف ورواية او سابق احسان ومعروف ، ما جعلهم يبادلونه له في يوم شكر (مكروه) شهودا ووجوبا .. بالتشييع المهيب والحزن العميق والدموع التي حفرت أخاديدا من الحزن علي الوجوه المكلومة من الناس والأقربين..
..كان سمحا في نفسه نبيلا في معاملته كريما بطبعه رائدا في أهله ، زعيما ومقدما بينهم وعليهم ، فقد كانت التجارب حاضرة والوقائع تثبت واقع الحال التي اعترف له بها الجميع بهما ..فتلك قصة لابد ان توثق وتروي للأجيال ..فقد أنتزع لأهله قاطبة حقهم المسلوب، وعزهم المغصوب ، كان ذلك اليوم فتحا لأهله ، وهم الذين حسبوا الأمر بعيدا عن التحقق ، خاسرا وعصيا في المحاولة والإقدام ، فأوشكت آمالهم علي التبدد علي صراحة الحقوق ، ولكن الراحل لم يعرف المستحيل لنفسه سبيلا ، بل سعي جاهدا بعزيمته ، استقطع من ماله ووقته وجهده ، بالسعي الدوؤب والسفر المتواصل حتي يلتئم صفهم ، وتجتمع بطونهم ،وتتوحد كلمتهم ، واصل في صمت ، وصبر علي بعض الأذي ، حتي أدرك بغيته ، وأصاب مناله ،و أنتزع من القضاء كلمته الشجاعة بعودة المسلوب في الأرض والأطيان ، ، ولأهله مجدهم وعزتهم في عودة الحقوق والعز التليد ..
ولو لم يكن له غير ذلك الموقف لكفاه ، وفي كثير كان للراحل جهده ودوره الذي حفظه الناس له، كان يمشي بينهم، متفقدا لأحوالهم ، يسر لأفراحهم ، ويتأثر لمصابهم ، …فقد مكنه عمله في ضروب الزراعة والتجارة . ان تكون له صحبة وصداقه مع كل الناس وفي كل ربوع البلاد ..فقد جمعته معهم المجالس و المعاملات والأسواق ..كان مشاركا لهم في افراحهم وأتراحهم وشئون حياتهم ، وكانوا بدورهم يبادلونه التواصل ،ويتحينون فرص الحياة ليردوا له المعروف صنعا والواجب مستحقا في الصداقة والعرف والمودة العميقة بينهم ..
كانت له أيضا نظرته العميقة للأمور، كان دائما يبحث عن (المقاربات) علي ضوء ما يعتقد أنه الصواب ، كنت أنظر دائما لمبادراته علي أنها من صميم الخير الذي يكنه قلبه الكبير للناس ، وحتي وان لم تجد طريقها لحيز الوجود في حينها الا انها يقينا كانت تدل علي نظرته الثاقبة وتقديره لواقع الحال التي عبر بها رأيا صريحا ببساطته في القول والسعي والأثر الباقي مع الايام ..
كنا نختلف معه كحال المواقف العابرة التي لا تضيع حقا ولا تنقص ودا ولا تسقط مقاما .. فمهما تختلف معه لا تملك الا ان تحبه وتحترمه ، فقد كانت حكمته حاضرة، ، جميعنا يقدره ويجله كثيرا ، فقد حفظ لأسرتنا تواجدها وكينونتها بين الناس ، كان عماد الأسرة وركنها التي بها تفاخر وتباهي ، كان تاجا علي رؤؤس الجميع، أحبهم وأحبوه ،.حتما سيفتقدون مع الايام وجوده بينهم ، سيفتقدون ذلك الحضور الطاغي ، وحيوية الشباب ، ونضارة الشيوخ ، وسمت العارفين ..
يقينا لن توفيه الكلمات حقه ، ولا المفردات حظه، ولا العبارات دوره وحياته ، فهو يحتاج لأسفار واسفار علها تسبر أغوار أدواره وحياته الباقية بيننا , فالروايات تتري، والمكارم تحيا ، والمآثر تسعي ، وللحزن عليه قصص وحكاوي يربط بينها شخصية الرجل التي دخلت القلوب جميعها بلا استذان بالخلق والسجايا والعطايا وانفاق اليمين التي تجهله الشمال .نسأل الله ان يتقبلها منه وان يظله بظله يوم لاظل الا ظله ..وان ينزله منازل الأبرار مع الأنبياء والصديقين والشهداء الأبرار ..وان يجعل البركة في ذريته ، وان يربط علي قلوب أهله وعشيرته ومعارفه بالصبر الجميل .. فقد كان ركنا بالفضائل قد هوي ..ومنارة يهتدي بها واليها ، كان سابقا بالمعروف ، سباقا للفضائل ..رحمة ربي تغشاه ..وان يجعل الجنة متقلبه ومثواه ..فالله خيرله منا ، وثواب الله خير لنا ..وأحق بالصبر فيما لا سبيل الي رده …

مهدي أبراهيم أحمد