الطيب مصطفى

مصر يا عدو بلادي (3 )


ختمت مقال الأمس بالحديث عن انحيازي للعدالة باعتبارها قيمة مطلقة وإذا كان الاستعمار قد وزع مياه النيل بصورة ظالمة لم تراع حقوق دول حوض النيل التي يبلغ عددها (11) دولة إبان خضوع دول الحوض للاستعمار فإن تلك الدول ظلت تطالب منذ عام 2010 بإلغاء تلك الاتفاقية التي تمنح مصر (55.5) مليار متر مكعب من المياه بينما تعطي السودان ثلث حصة مصر ولم يتبق من مياه النيل سوى (10) % فقط.

في ذلك العام وقّعت خمس من دول حوض النيل على اتفاقية (عنتيبي) التي قررت إلغاء الاتفاقية وهي إثيوبيا وأوغندا ورواندا وتنزانيا وكينيا واعترضت كل من مصر والسودان باعتبارهما متضررتين وحسب القانون الدولي يمكن للاتفاقية الجديدة أن تصبح سارية المفعول في حالة مصادقة ثلثي الأعضاء أي سبع دول، ومن هنا تأتي أهمية موقف السودان الذي بإمكانه أن يوقع بعد أن يتفاوض مع تلك الدول بما لا يجعله يتضرر من إعادة النظر في حصته القليلة نسبياً سيما وأن اعتماده على مياه النيل لا يقارن البتة باعتماد مصر التي وصفها هوميروس من قديم بأنها (هبة النيل) ولا أشك البتة في أن مصر السيسي ستجثو على ركبتيها بمجرد أن يهدد السودان باستخدام تلك الورقة.

كذلك فإن بإمكان السودان أن يتعامل مع ملف حلايب بصورة أكثر جدية للإسراع في طرحها للتحكيم الدولي.

ظل السودان يعطي بلا مقابل ويكفي أنه أغرق حلفا التي ستظل غصة في حلوق أبنائها وأبناء السودان جميعاً الذين تجرعوا صنوفاً من الهوان (والغلب) جراء ما لحق بأرضهم وبكنوزهم الأثرية التي غمرتها مياه النيل.

لو كان النظام المصري عاقلاً لما واصل سعيه الدؤوب للحيلولة دون رفع العقوبات الأمريكية عن السودان ولتجديد عقوبات مجلس الأمن حول دارفور كما حدث على رؤوس الأشهاد من سفارة مصر بنيويورك خلال الأسبوعين الماضيين ولما واصل استفزازه حول حلايب المحتلة ولهدأ من وتيرة التآمر بدلاً من تصعيد حملات إعلامه الفاجر الذي لم يكتف بترديد أحاديث الإفك والبهتان والأكاذيب إنما انحط إلى درجة غير مسبوقة من الإسفاف والفجور في الخصومة.

لقد ظللنا نحذر من اللعب بالنار الذي نعني به تحديداً نقل التوتر إلى الشعبين فالحكومات متغيرة وزائلة لكن الشعوب هي الباقية ومن الخطأ إثارة جروح لا تندمل بين شعبي السودان ومصر وأكاد أجزم أنه لم يحدث في تاريخ السودان الحديث أن غضب أبناء الشعب السوداني من مصر الحكومة ومصر الشعب كما حدث خلال الفترة الأخيرة.

إذا صح تحليلي فإن هذا الغضب جاء بعد عدد من الاستفزازات كان آخرها تلك الحملة الإعلامية المحمومة من بعض القنوات الفضائية والتي أعقبت زيارة الشيخة موزا والتي سخرت من أن يكون لسودان (البوابين) حضارة وأهرامات مثل أهرامات مصر، ثم جاء التصعيد العسكري المصري في حلايب، ثم جاءت كارثة الموقف المصري في مجلس الأمن، وأخيراً ما رشح من مؤامرة كبرى شارك فيها السيسي بلقاء الرئيس الأمريكي ترمب لاستبقاء العقوبات الأمريكية المفروضة على السودان.

ما كان لهذه الحملة أن تبلغ هذا المدى لولا انتشار الوسائط الحديثة التي غيّرت من حياتنا الاجتماعية وتصاعد تأثيرها بشكل مدهش فما من خبر أو إساءة من أي من سفهاء الإعلام المصري إلا ويتم تناقلها في دقائق معدودة وتنتشر كما النار في الهشيم.

أود أن أطرح سؤالاً مهما انتقل به إلى خلاصة تحدد رأيي في ما جرى ويجري بين السودان ومصر :

هل مصر (التاريخ والجغرافيا) عدو للسودان وشعبه؟

أقولها بملء فيّ متقيا الله في ذلك إن شاء الله .. لا وألف لا ولكن!

إني أعادي الصغار من حكامها ونخبها بل ومواطنيها الذين تنكروا لأمجادها ولإرثها الحضاري التليد وقزّموا من دورها بالارتماء في أحضان أعدائها وأعداء أمتها .

كيف يجوز لي أن أعادي مصر التاريخ والجغرافيا والحضارة الباذخة؟.

مصر التاريخ .. أرض صلاح الدين الأيوبي وقطز ، محرري الأمة الأسلامية من الغزاة الصليبيين والتتار ، بل مصر الوارد ذكرها في القرآن الكريم عدة مرات تصريحاً وتلميحاً بل وفي كل الكتب السماوية .. مصر أرض الرسل والأنبياء مولداً أو إقامة من لدن إبراهيم الخليل ويعقوب ويوسف وموسى وعيسى ومريم البتول .. ثم مصر أرض الصحابة والتابعين والأئمة الأعلام .

ثم مصر الجغرافيا .. ذات الموقع الجغرافي الفريد الذي جعلها مطمعاً للممالك والإمبراطوريات الكبرى منذ فجر التاريخ وعلى امتداده؟

انحطاط الحكام والنخب بل والشعوب في أي من فترات التاريخ حدث ويحدث فمكة المكرمة التي تحتضن بيت الله الحرام هي مكة التي طردت (نخبها وشعبها) الرسول الخاتم صلى الله عليه وسلم وهي التي استسلمت لله ورسوله يوم الفتح.

كذلك يثرب المشرك أهلها والفاجرة بحروب داحس والغبراء والبسوس هي مدينة الرسول التي حمل شعبها ، بعد الإيمان بالله ورسوله ، الرسالة الخاتمة إلى أمم الأرض جميعاً .

مصر الآن هي ليست مصر صلاح الدين ولا شعبها هو قاهر الصليبيين والتتار ..مصر التي استكان شعبها للطاغية تشبه قوم موسى الذين تنكروا لموسى كليم الله ومحررهم من بطش فرعون حين قالوا له (فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ) فاستحقوا الاستبدال والتيه في سيناء أربعين سنة.

لكن مصر بعد فترة التيه ستعود بإذن الله بجيل جديد ينصر الإسلام ويعيد أمجاد مصر ويومها سيعود صلاح الدين ليقود جحافل تحرير الأقصى كما عاد طالوت وداوود ويوشع بن نون بعد التيه لفتح بيت المقدس.

الطيب مصطفى
صحيفة الصيحة


‫10 تعليقات

  1. مقال جيد جدا
    عسى ان تفهم الحكومات قبل الشعوب
    ندعوا الله صادقين ان يحفظ بلاد المسلمين
    من كيد الأعداء و الحاسدين ،،،،،،،،،،،،،،،

    حلايب و شلاتين سودانية سودانية

    1. لم يظهر ذلك الأبله الذي يدعى ” الأسيوطي ”

      ولا الآخر الذي يدعى سامي وقدطفح تعليقه القذر لدرجة كريهة

      لأن المقال أتى منصفا

      مصر بها قلة قليلة حاربوهم لأنهم أناس يتطهرون

  2. يا شيخ الطيب بل مصر التاريخ والجغرافيا والرياضيات والعلوم والتدبير المنزلى كمان هى عدو للسودان وشعب السودان حتى يرث الله الارض وما عليها .
    والامل الوحيد فى ان تصبح مصر صديق للسودان عندما يتغير اتجاه النيل لينبع من مصر ويصب فى اثيوبيا ويوغنده عبر السودان وحينها سنموت من العطش ولكن لأن الله خبير عليم ولطيف بعباده اسكن هؤلاء القوم فى المصب .

  3. مصر ياها مصر يا استاذ … انحنا بعد كده ما بياكل معانا اي كلام لتلطيف الجو والكلام الما بودى و لا بجيب … هرمنا هرمنا هرمنا من الطبطبة و الإذلال كفاااااااية كفاااااااية … الحل واضح وضوح الشمس .. قطع العلاقات والغاء كافة الاتفاقيات و سحب سفير السودان من القاهره و طرد السفير المصري من الخرطوم واعلان التعبئة العامة لاستعادة الأراضى المحتلة جميعها .

  4. التحيه للاستاذ الطيب مصطفى اود القول ان مصر هى عدو السودان الاول ما فى ذلك شك لاننا لو بحثنا عن فائده واحده قدمتها مصر للسودان طوال التاريخ القديم والحديث لن تجد غير الاضرار بالسودان ولا نود ان نفجر فى الخصومه فقط نطالب بتقنين العلاقه هذا اولا ثم البحث عن مصالحنا بالتوقيع على اتفاقيه عنتبى دون تاخير والغاء كافه الاتفاقيات السابقه مع مصر وهى فى حاجه لنا اكثر من حوجتنا لها

  5. والسودان كوش مذكور في التوراة 40 مرة وسيدنا ابراهيم زوجته هاجر كوشية وصفورة زوجة سيدنا موسى كوشية وتهارقا هو منقذ بيت المقدس من بطش الاشوريين وشيدنا موسى قابل نبي الله الخضر في مقرن النيلين ولقمان الحكيم كوشي ونحن اصحاب حضارة منذ كرمة ونباتا ومروي لا فضل لكائن من كان علينا . المصريين طمعانيين في بلدنا وحتى يسهل عليهم ابتلاعنا بيحاولوا يشعرونا باننا لاشيء وانهم كل شىء ونحن نعلم من هم وانهم لاشيء . حدودهم هي خط 24 وليس22 مادون الشلال الاول هو ارضنا ابتلعوه ويريدون المزيد ولن تقف اطماعهم في حلايب الا ان نلقمهم حجرا.

  6. جزاك الله خيرا استاذ الطيب, بس تأخرت كثير, كان تردوا من زمان, مش تاركين الساحة لي الهندي وأمثاله وغيره, والحمدلله الشعب السوداني بدا يستيقظ من غفوته, ويعرف الحقيقة التي كانت غائبة عنه.

  7. هي العلاقة بدون حلايب معكرة والمصريين فرحانيين شغالين فيها تعمير لكن نحن ان شاءالله بنستلمها جاهزة جاء وراء وحجز الضراء واضحة وضوح الشمس انا واحد من الناس مقتنع وكل سوداني مقتنع ان حلايب سودانية

  8. ابن اختك و بفضلك فصل و قسم السودان و برضو ليك عين تتكلم طول ما النوع الزيك دا موجود في السودان علينا العوض من اي قوم انتم اتيتم

  9. ملف المياه حساس جدا لذلك مصر (الدولة وليس الشعب) لن تتواني عن كيد المؤامرات لتعطيل التوسع الزراعي في السودان بما يؤثر علي حصصها من المياه.كل الامر انو اللعب بقي عالمكشوف..لذلك يجب علي الحكومه والشعب السوداني التعامل علي مبدا المصالح من غير اثارة اي حروب ..كما يجب اللجؤ للتحكيم الدولي في موضوع حلايب….والمضي قدما في اتفاقية عنتيبي لزيادة حصة السودان من مياه النيل