صلاح الدين عووضة

النافذة !!


*حضر إلى البلدة – منقولاً- في أواخر عهد مايو..

*كان يود لو أن تم نفيه إلى أي مكان آخر بالبلاد خلاف هذا..

*ما كان يحب (الإقليم) بأسره، لا البلدة في حد ذاتها..

*وهو كره لم يجد له سبباً منطقياً مثل كرهه لنظام نميري..

*فقد عُرف بمناهضته لذلكم النظام مذ كان طالباً قبل أن يتوظف..

*وباتهامه بالانخراط في نشاط نقابي (سياسي) تم نقله..

*أُبعد إلى بلدة طرفية ، ليجد نفسه في حي طرفي ، داخل منزل طرفي..

*منزل صغير، أنيق، عصري، على الطراز الإنجليزي..

*وكان ذا حديقة مهملة لم يبق من آثار جمالها سوى شجيرات حناء..

*وفي البيت الطرفي هذا ذاته أُعطي غرفة طرفية..

*فثلاثة من زملائه العُزًّاب كانوا يشغلون الغرف الرئيسية فيه..

*بل كانت غرفة مخصصة للخفير، وما من خفير..

*بها نافذة واحدة تطل على شارع، من بعده ميدان، من بعده مقابر..

*وصارت هوايته (الحزينة) النظر عبر النافذة زمناً طويلاً..

*فمنذ لحظة عودته من الدوام وإلى أن يحين أوان نومه هو يحدق خلالها..

*إلى المارة، المركبات، صبية (الكورة)، وحتى المقابر..

*ولكن وجهاً واحداً استوقفه إذ كان يرد على تحديقه بـ(أحزن) منه..

*وما كان يرى سوى الوجه لشدة قربه من النافذة..

*ولولا عمود الإنارة بالخارج لما رأى ملامح حزنه لظهوره عشياً..

*كان وجهاً أنثوياً ذا حسن خرافي بفعل تأثير المساء، ربما..

*تعلق بها -أو بالأصح به- إلى حد مصارحة زميلين من الثلاثة..

*فالثالث هذا كان ينتمي- سياسياً- إلى الذين يكره نظامهم..

*نصحه زميلاه بترك (تسلية النافذة) كيلا يطل عليه وجه لا وجود له..

*قالا إن البلدة كلها ليس فيها فتاة بالأوصاف التي ذكرها..

*بل إن أجملهن دون ذلك وهي التي سيتزوجها قريباً (كبير الإدارة الحساسة)..

*ولكن- يستدركان- التي قبلها قيل إنها كانت آية في الجمال..

*فهما لم يحضرا زواجه منها، ولم يعايشا لغطاً صاحب موتها المفاجئ..

*كل الذي سمعاه أنه (فرض) على أهلها الاقتران بها..

*وتسبب في نقل من كانت تحبه إلى منطقة نائية بـ(تقرير مقتضب)..

*ثم تمنعت العروس عليه إلى أن توفيت دونما علة..

*ولكنه ظل- رغم ذلك- متعلقاً بـ(فتاة نافذته) على أمل أن يصادفها يوماً..

*وجاء هذا اليوم المنتظر، وكان يوم عيد..

*فقد شاهد (الوجه) داخل إطار على حائط بأحد منازل الحي..

*ولكنه لم يرها بين أفراد الأسرة ، ولم يسأل..

*ورآه الدجى خلف النافذة (بلا حراك!!!).

صلاح الدين عووضة
صحيفة الصيحة


تعليق واحد