منى ابوزيد

مِحَنْ سودانيَّة جداً ..!


“إن لم تزد على الحياة شيئاً فأنت زائد عليها” .. مصطفى صادق الرافعي ..!

(1)
روى لي مسؤول يترأس أحد الأجهزة الحكومية الهامة، ذات البعد الاستراتيجي، أنه كان يحضر الجلسة الافتتاحية لمؤتمر دولي في جنوب إفريقيا، حينما انتزع إعجابه موقف كان بطله الشاب الذي يقدم فقرات البرنامج، ليس بلباقة حديثه، وحسن مظهره، والحيوية التي كانت تكلل حضوره فحسب، بل بثقته العالية في أهمية دوره الإشرافي والتي جعلت رئيس الدولة ورئيس الجهاز الحكومي الذي يترأس هو إدارة إعلامه يتعاملون مع قراراته في إدارة البرنامج بإذعان شديد الرقي! .. كان ذلك الشاب يمهد في حديثه لأن يقوم رئيسه في ذلك الجهاز الحكومي بتقديم السيد رئيس الجمهورية .. فتحرك رئيسه بضع خطوات نحو المنصة، ووقف السيد رئيس الجمهورية .. لكن الشاب – الذي يجيد أداء عمله ويفهم حدود دوره – خاطبهما قائلاً في صرامة تنظيمية «كلا ليس بعد» .. ثم أعقب حديثه ذاك بالجملة الفكاهية التالية: «أنا الدكتاتور هنا» .. فما كان من رئيسه ومن السيد رئيس الجمهورية إلا أن امتثلا لملاحظته تلك، وعلى وجه كل منهما ابتسامة مسالمة، عريضة! .. والآن أدعوك إلى رحلة هبوط اضطراري بالباراشوت لتفقد حال إدارات الإعلام والقائمين على أمرها في مؤسساتنا الحكومية .. حتماً سترى عجباً .. من مسرحيات التظاهر بالعمل .. إلى تنفيذ المهام على طريقة إطفاء الحرائق بلا أي حس استراتيجي .. إلى تملق المسئول إلى حد إصدار مطبوعات باهظة في تمجيده والتغني بإنجازاته .. إلخ .. إلخ .. أما الأدهى والأنكى فهو معايير التوظيف والاختيار التي تنهض على الولاء الشخصي فحسب ..!

(2)
ونحن على أعتاب تشكيل حكومة جديدة، على ضوء مخرجات الحوار الوطني، خرجت علينا بعض الصحف بالخبر الفظيع التالي: “شهدت امتحانات الأساس بمحلية أم سنط بغرب كردفان رسوب نائب رئيس المؤتمر الوطني في امتحانات الاساس حيث جلس للامتحان هذا العام. والطريف أن ذات المسؤول زار مؤخراً مراكز امتحانات الشهادة الثانوية ممثلاً لحكومة الولاية، وابدى مواطنو المحلية استغرابهم لاسناد هذه المهمة السياسية الكبيرة لرجل دون مؤهلات، في الوقت الذي يوجد فيه بروف وثلاثة حملة دكتوراه في قريته ومسقط رأسه هذا غير ان خريجي الجامعات بالمحلية يبلغ عددهم اكثر من خمسة آلاف خريج وأكثرهم ينتمون للمؤتمر الوطني” .. حسناً! .. في هذا الخبر آفتان: الأولى هي كم الأخطاء اللغوية والإملائية التي صاحبت صياغته غير المحكمة، فضلاً عن استخدام كلمة “استغرابهم” عوضاً عن “دهشتهم” .. أما الآفة الثانية فتكمن في متن الخبر نفسه .. ومبعث كونها آفة – وكارثة حزبية برتبة مصيبة قومية- مفهوم بطبيعة الحال، ودلالة المقال ..!

(3)
درجت صحف الخرطوم على الصدور بعناوين عريضة تتضمن تصريحات لمسئولين، تتحدث عن إحصاءات عشوائية بمقاييس المنهج العلمي للإحصاء، مع أن الإعلام المهني لا يستقي خبراً عن إحصائية مؤكدة من غير الجهة المختصة، وبعد تقديم القدر الكافي من الحجج والأسانيد الموضوعية، والقرائن المنهجية .. والذي منه .. لكن الذي أدهشني بحق هو تصريح السيد نائب رئيس القضاء عن انخفاض معدلات الشذوذ الجنسي في السجون – في السنوات الأخيرة – بعد تطبيق «الخلوة الشرعية» .. والسؤال الذي يطرح نفسه – هنا – بالقدر اللازم من احترام المخاطب والقارئ، والحياء اللازم والحذر الذي لا بد منه في اختيار المفردات: كيف يمكن إحصاء انحسار معدلات جريمة تحدث في الخفاء وفي غياب شهود العيان .. إلا إذا كان السيد نائب رئيس القضاء يقصد انخفاض معدلات «ضبط حالات التلبس» في تلك الجرائم داخل السجون .. أعتقد أن معظم المسئولين في هذا البلد بحاجة إلى «ضبط» التصريحات الرسمية لتجنب الوقوع في حالات «تلبس» منهجي ..!

هناك فرق – منى أبو زيد
صحيفة آخر لحظة


‫3 تعليقات

  1. يعطى الله الحكمة من يشاء قد يكون الانسان حظه من التعليم قليل . ويفوق حملة الدكتوراة فصاحة وحكمة . واهلنا فى كردفان جلهم من حفظة القران . فهل تعادله جامعاتك . لاتسزدرى بخلق الله .وتكتبى مالاتعلمين .

  2. كان إديسون الشاب شريد الذهن في كثير من الأحيان بالمدرسة، حيث وصفه أستاذه بأنه “فاسد”. أنهى إديسون ثلاثة أشهر من الدراسة الرسمية ودرسته والدته بالمنزل وهو مخترع المصباح الكهربائي والعديد من الإختراعات الأخرى يعني لم يكن يحمل شهادة جامعية ناهيك على أن يكون بروفسيرا..