سياسية

جراء المشاركة في الحكومة..المؤتمر الشعبي .. حالة اضطراب


مخاض عسير يمر به المؤتمر الشعبي منذ مرحلة ما بعد المؤتمر العام للحزب في يناير الماضي، فبعد أن تجاوز الحزب مطب انتخاب الأمين العام الذي أشفق الكثيرون منه عليه،

وما كاد الحزب يتنفس الصعداء، حتى وجد نفسه في مواجهة الحكومة في قضية الحريات التي أبدى الشعبي تمسكاً بها على نحو يفهم منه بذل المهج والأرواح دونها، ولكن كل تلك العزائم تاهت أدراج رياح البرلمان الذي أقر ما طاب له أن يفعل دون الالتفات لوثيقة الحوار التي أدرجت في عداد المقدسات التي لا تقبل المساس بها من قبل الشعبيين، وعلى نحو أدهش المراقبين, سلم الشعبي بمنتج تعديلات اللجنة الطارئة للدستور، معولا على الرئيس تارة وعلى القوانين تارة أخرى، فما الذي دها الشعبي والشعبيين بعد رحيل القائد والمفكر العظيم حسن الترابي؟ أم لعله الرحيل نفسه؟
حيلة المضطر
يبدو أن تصميم الشعبي على المشاركة في الحكومة رغم قضية الحريات يأتي في حكم حيلة المضطر الذي لا مفر له من ركوب الصعاب، برجاء أن تثمر المشاركة ولو بعد حين، فالاعتماد على عامل الزمن هو الفيصل رغم كل الظروف المثبطة . في الأسبوع الماضي سمى الشعبي في مؤتمر صحفي للأمين العام علي الحاج محمد, في المركز العام للحزب بالمنشية, أعضاء حزبه المشاركين في حكومة الوفاق الوطني المنتظرة على المستويين التنفيذي والتشريعي مركزياً، واختار كلاً من دكتور موسى محمد كرامة وزيراً للصناعة، والسفير إدريس سليمان وزيراً للتعاون الدولي، والمهندس سعد الدين حسين البشرى وزيراً للدولة بوزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات, أما أعضاء الحزب في البرلمان فهم دكتور بشير آدم رحمة رئيس لجنة لم تسم بعد ، وكمال عمر عبد السلام ويوسف لبس ودكتور شرف الدين بانقا ودكتور سهير صلاح، فيما سمى دكتور محمد الأمين خليفة نائباً لرئيس مجلس الولايات وتاج الدين بانقا عضواً بالمجلس. كما أعلن الحاج كلاً من ثريا يوسف وأحمد إبراهيم الترابي والمهندس عبدالله أبو فاطمة نواباً للأمين العام للحزب، الملاحظ في القائمة خلوها من الشباب واعتمادها على القيادات التاريخية او الوسيطة ، في الوقت الذي تتهيأ فيه الجمهورية الفرنسية لانتخاب رئيس في الأربعين من العمر ، وبالرغم من الفارق الكبير بين أوضاع البلدين إلا ان الشيء بالشيء يذكر . ووصف الحاج المشاركة في الحكومة بالرمزية باعتبار أن الحوار الوطني شاركت فيه كثير من الأحزاب والحركات، الأمر الذي جعل المشاركة تكون بهذه الصورة. وأوضح أن مشاركة القوى السياسية في حكومة الوفاق الوطني تكاد تكون متساوية، داعياً إلى ضرورة النظر لقضايا الوطن بصورة كلية خدمة للشعب ومعالجة التحديات التي تواجهه في مجالات الصحة والتعليم ومحاربة الفقر وقضايا الحرب والسلام ومعاش الناس، دون ان يفصح عمن سيتولى أعباء مواجهة قضايا الوطني هل هو إنقاذ 1989 التي أحوجت البلاد للحوار تحت وطأة الضغوط الداخلية والخارجية التي انفرجت من وسع على كافة المستويات الإقليمية وجعلت من الحوار والمتحاورين خيارا يأتي في المرتبة الأدنى في سلم أولوياتها، أم أحزاب الحوار -وفي مقدمتها الشعبي – التي عجزت عن تحريك ساكن لصيانة مخرجات الحوار الذي حرسته ثلاثة أعوام من التحريف ؟
السنوسي خارج الحكومة
والملاحظة الأبرز في قائمة الشعبي للحكومة هي غياب اسم الأمين العام السابق إبراهيم السنوسي والذي كان مرشحاً بقوة للانضمام للقصر في منصب مساعد للرئيس، بحكم علاقته القوية برئيس الجمهورية وقيادته للجنة المفاوضة مع الوطني حول المشاركة، وعندما سئل الحاج عن ذلك قال إنها مجرد أخبار روجت لها الصحافة أكثر من كونها حقيقة، وبالرغم من ذلك توقع البعض ان يعلن اسم السنوسي ضمن قائمة القصر من قبل النائب الأول بكري حسن صالح لدى إعلانه عن حكومته, إلا ان انتخاب السنوسي رئيسا لمجلس شورى الحزب أنهى كل التكهنات المتعلقة بانضمامه للقصر، فالنظام الأساسي للحزب يمنع الجمع بين العمل التنظيمي والتنفيذي بأية حال من الأحوال.
استقالات
عندما قرر الشعبي النظر في أمر المشاركة , عقد اجتماعاً لمجلس الشورى، وقد امتد الاجتماع للفجر ليقر بالمشاركة شريطة إجازة الحريات دون تبديل لأي من بنودها، وبالرغم من ذلك رفض تيار بالحزب المشاركة، وكانت منازلة المؤتمر العام التي قدمت علي الحاج من باب التشديد على الحريات, وان أمكن عدم المشاركة، ولكن رياح البرلمان مضت على غير ما تشتهي سفن الشعبي, تجاوزت لجنة التعديلات الدستورية كل توصيات الحوارالمتعلقة بجهاز الأمن الوطني، مما أجج غضب الرافضين للمشاركة، وهزمت موقف الداعين للمشاركة مقابل الحريات وعلى رأسهم علي الحاج . وعلى إثر ذلك اهتز موقف الشعبي وضربته الخلافات، وتبدى ذلك في استقالة بعض قيادات الحزب التي تمت تسميتها للمشاركة في الحكومة، وعلى رأسهم شرف الدين بانقا وكمال عمر الأمين السياسي للحزب، فقد استقال الأول من موقعه في البرلمان، بينما استقال كمال من البرلمان وموقعه التنظيمي، احتجاجا على المشاركة في السلطة بعد رفض البرلمان تمرير التعديلات الدستورية المتعلقة بالحريات كما وصلته من رئاسة الجمهورية باعتبارها اتفاقاً سياسيا بين قوى الحوار. وبينما فسر موقف بانقا يعود لكونه شخصية تنفيذية، وقد عمل لفترة طويلة في دولاب الحكومة، ومن ذلك تقلده لوزارة الإسكان في الخرطوم، واشتهر بتحويل منطقة (عشش فلاتة) إلى حي الإنقاذ، فهو لم يسبق له اي مشاركة برلمانية . أما كمال فلم يكتف بالاستقالة, بل صب جام غضبه على الأمين العام علي الحاج بقوله في صحف الأمس انه أكثر أصالة من الحاج في الشعبي, وأنه لا يستطيع إقصاءه من الحزب ، وزاد بأن الشعبي ليست به مؤسسات, وأن الحاج يتحكم في كل القرارات، وأضاف كمال في حديثه (لسودان تربيون ) أن موقفه هو موقف الشعبي منحازاً لمنهج شيخ حسن (الترابي) إمام الحريات، لن أخون الشعبي ومبادئه لذلك طلبت قبول استقالتي، لن أشارك في أي موقع تنظيمي أو حكومي وموقفي يعبر عن موقف الحزب”. وقياسا على تلك الأوضاع برزت توقعات انشقاق الشعبي، الإ ان كمال استبعد إمكانية وقوع انشقاق بالمؤتمر الشعبي ، موضحا أن الحزب متماسك.
بين نارين
يبدو أن الشعبي يمر بظرف حرج للغاية، فهو بين نار الوطني الذي لا يؤتمن جانبه, ونار عضويته التي تعصبت لرفض المشاركة أكثر بعد انتكاسة الحريات في البرلمان، وتتجلى مسألة عدم الثقة هذه في العهود الغليظة التي ظلت الحكومة تبذلها مرة تلو الأخرى بالالتزام بمخرجات الحوار قلباً وقالباً، وما أن وضعت التوصيات على منضدة البرلمان حتى أعملت لجنة التعديلات مشرطها دون هوادة، لذا فإن إعلان الشعبي لأعضاء حزبه في الحكومة مبكراً ، دون انتظار للإعلان الرسمي للحكومة يأتي من باب خشيته من تراجع الحكومة عن المواقع التنفيذية والتشريعية التي تم الاتفاق حولها فيما بينهم، وقطعاً للطريق أمام اي تكتيكات أو مناورات تلجأ لها الحكومة، كأن تسحب بعض مواقع الحزب بحجة توزيعها على آخرين نظرًا لكثرة المشاركين وضآلة كيكة السلطة على سبيل المثال. وفي اللقاء الصحفي الذي عقده علي الحاج في بيته مع الصحافيين وكان التداول حول ملحق الحريات مشتعلا بإسقاط بند زواج التراضي ولم تتم إجازتها النهائية – طرحت عليه سؤالاً حول ضمانات التزام الحكومة بما تم الاتفاق عليه؟ فقال لي لا توجد ضمانات في السياسة، وإن وجدت فهي صعبة التنفيذ، ومن هذا الباب شبه الحاج مشاركتهم في الحكومة التي غرسوا شتلها في يونيو1989 ، وغادروا ظلها في ديسمبر 1999 بمشاركتهم في حكومة الرئيس السابق جعفر محمد نميري عقب المصالحة الوطنية1977 ، وقد بدت لي وقتها أن التشبيه يعد مفارقة كبرى قياساً للتجربتين، ولكن ربما كان إجازة ملحق الحريات على النحو الذي تمت عليه وقبول الشعبي ,مؤشراً لدقة التشبيه، ولصعوبة الوضع الذي عليه الشعبي اليوم بقيادة أمينه العام المنتخب .

الانتباهة


‫2 تعليقات

  1. الشعبي ليس في سنة أولى سياسة يا (مشفقين)، هو أقوى مما تتصورون.

    1. اقوي في الكنكشة والتمسك بالكيكة واقوي في المراوغة واللعب علي الدقون ولكنه كالحمل الوديع امام المؤتمر الوطني ولحس كل كلامه عن سلطة جهاز الامن والحريات