تحقيقات وتقارير

أزمة المياه .. سيناريو يتكرر كل عام


دخلت أزمة الإمداد المائي لأحياء جنوب أم درمان شهرها الثالث، دون الاجتهاد في معالجات من قبل هيئة المياه التي أصبحت لا تعير أي اهتمام لانقطاع المياه بالخرطوم ولو استمر لسنوات، مما دفع بسكان جنوب أم درمان للاحتجاج عبر إغلاق المواطنين للشارع الرئيسي وتعطيل حركة المركبات ، بعدها تحركت الهيئة وجلبت بعض تناكر المياه لإسكات الأصوات المحتجة التي أرهقها شراء المياه حيث وصل سعر البرميل الواحد في بعض الأحياء إلى 60 جنيهاً .في وقت تتحصل فيه هيئة المياه الرسوم مزدوجة عند شراء الكهرباء . بينما شملت قطوعات المياه (62) من احياء ولاية الخرطوم من ضمن (226) حيا داخل الولاية ، (آخرلحظة ) تجولت فى أحياء الولاية وخرجت بالتالي:

يقول محمد جمعة مواطن بحي «الصالحة ظلط» إن انقطاع الإمداد المائي استمر حوالى ثلاثة اشهر بصورة متواصلة باستثناء تدفقها بعض الأحيان ليلاً، واضاف على المستوى الشخصي :»أقوم مع أبنائي ليلاً لجلب المياه من الجيران أو انتظار الحنفية التي تتدفق فيها المياه ساعات الصباح الأولى « وأشار إلى ان بعض المربعات بالحي لا تنقطع فيها المياه خاصة التي يقطنها رئيس وأعضاء اللجنة الشعبية .

استقرار نسبي
وكشفت جولة قامت بها الصحيفة بمنطقة الأزهري جنوب الخرطوم عن استقرار نسبي للإمداد المائي مع وجود انقطاع طفيف لايتجاوز نصف الساعة في اليوم ،وعزا أحد المواطنين الاستقرار لوجود أسرة وأبناء وأقرباء قيادات نافذ تقطن الحي ،لاسيما قيادة الولايات التى تعمل خارج ولاية الخرطوم، وزاد: تم تحويل بعض الخطوط الناقلة من الأحياء الشعبية إلى أحياء درجة أولى لاعتبارات سياسية.
وفي أمبدة الحارة (33) تقول ربة المنزل إبتسام سليمان إنهم يشترون برميل الماء بـواقع (50)جنيهاً في حالة انقطاع الامداد لفترة طويلة، ،وترسم إبتسام واقعهم بأسى بقولها(نقوم مع نساء الحي بجلب المياه من مسافات بعيدة عندما يذهب الرجال إلى العمل» وتواصل حديثها لـ(آخرلحظة)»بعد جلب الماء نقوم بالأعمال المنزلية وهو عبء إضافي على ربات المنازل « حيث تكاد البيوت تنعدم فيها المياه وربات المنزل فعند تمام الساعة الحادية عشرة صباحاً يذهبن في رحلة تستغرق نصف ساعة ذهاباً وإياباَ لتعود بعدها ربات البيوت لتحضير لطهي الطعام
وفي الوقت نفسه شكا مواطنو أمبدة الحارات (16،17،33) وجنوب أم درمان (الصالحة الشقلة، المربعات، حمد النيل )ومحلية جبل أولياء( الكلاكلة وأبو آدم ) من انقطاع الإمداد المائي ومع حلول فصل الصيف ظهرت في السطح الأزمة بوضوح وتضاعفت معاناة المواطنين مع اقتراب دخول شهر رمضان.

الهيئة ترفض
مدير هيئة مياه الخرطوم خالد حسن قال لـ(آخرلحظة) إن أي مواطن يشتكي من مشكلة مياه عليه تحديد الحي الذي يقطن فيه والمربع ورقم المنزل لتقوم الهيئة بالمتابعة لحل المشكلة عاجلاً ، وعند سؤال الصحيفة حول استمرار القطوعات في الريف الجنوبي أم درمان وجنوب الخرطوم والأزهري السلمة وأمبدة أجاب «ماعندي زمن للإجابة داخل اجتماع « رافضا تحديد موعد آخر للرد على التساؤل

صيف بلا قطوعات
وظلت الحكومات المتعاقبة تبحث عن حلول لأزمات المياه المتكررة وعن تمويل لمعالجة الامر ، ولكن دون نتائج ملموسة وما زالت المشكلة تراوح مكانها ،وظل المواطنون يسمعون ضجيجاً ولا يرون طحناً.
وكانت هيئة مياه الخرطوم في عهد الوالي السابق قد وقعت عقداً مع شركة خليجية لإحلال (3099) شبكة مياه قديمة بأحياء ،وقرى الولاية بأطوال تقدر بـ(18)ألف كيلومتر طولي وبتكلفة بلغت (400)مليون دولار، كما أعدت الهيئة خطة بنيت على رفع كفاءة المصادر الموجودة بتأهيلها وإنشاء مصادر جديدة رغم أن المشكلة الأساسية سببها الأساسي شبكة المياه القديمة حيث تواجه الولاية مشاكل حقيقية في مسألة الإحلال والإبدال، وعلى خطى ذلك ارتفع عدد المحطات النيلية إلى (11 ) محطة و(1983 ) محطة جوفية منتشرة على كل مساحات الولاية، ورصدت حكومة الخرطوم 9.5 ملايين جنيه لمعالجة المشكلات الطارئة في إمدادات مياه الشرب.
شكوى المواطن
وكشفت جولة لـ(آخر لحظة) بجنوب الخرطوم بحي السلمة البقالة مربع (3) عن معاناة المواطنين الذين يقومون بجلب المياه عبر( التناكر) وسط تخوفاتهم من استمرار انقطاع المياه مع انعدام وسائل جلب المياه. وقال المواطن صالح بابكر إن المياه تأتي ليلاً إلا أنها ضيعفة ونسهر الليل لنتحصل على برميل أو نصف برميل،الأمر الذي يجعلنا نجلب المياه من الصهاريج ،وفي الأسبوع الماضي وصل (الجوز) من صفيح الماء إلى(3)جنيهات ،وأشار إلى أنهم تقدموا بشكوى إلى مكتب هيئة مياه الخرطوم لحل المشكلة.
وبينما شكا مواطنو سوق الشجرة بمنطقة أبوروف من انقطاع المياه لمدة ثلاثة أيام في الأسبوع بالرغم من وجود أكبر محطتين( المنارة وبيت المال) اللتان تبعدان أقل من كيلو متر من السوق ،مشيراً إلى التوزيع غير العادل في الخطوط.

جذور الأزمة
والواضح أن جذور الأزمة تكمن في القصور الإداري وبطء التحرك لاتخاذ المعالجات قبل وقتٍ كافٍ من بداية الصيف، وتكمن المشكلة في الشبكات والخطوط الناقلة التي تحتاج إلى 400 مليون دولار لإحلال 380 شبكة بالولاية، وحصلت الولاية مؤخرا على تمويل من المصارف المحلية للشروع فوراً في عمليات الإحلال، وتعتبر محليتا كرري وأمبدة هما الأكثر تضررا من قطع المياه وتوقعوا استمرار الأزمة ما لم تبذل الدولة جهودا إضافية للاستفادة من مياه النيل ليواكب العمل مع مرفق المياه والتنمية العمرانية .

تطوير المحطات
وقال خبير في مجال التخطيط الحضري إن معظم المباني فى السودان غير صديقة للبيئة وقامت على أساس الموقع الجغرافى وليس الخدمات المتوفرة فى الموقع ، وأضاف: تفتقد هيئة مياه الخرطوم إلى الأموال الكافية لإجراء أعمال التوسعة والصيانة فى المحطات والآبار، بجانب هجرة الكوادر إلى خارج البلاد، وحمل مسؤولية ضعف الخدمات في ولاية الخرطوم إلى الهجرة العكسية من الريف إلى المدن وبناء المجمعات السكنية وتوقع الخبير في تصريح لـ(آخرلحظة) استمرار أزمة المياه وشح الإمداد المائي ما لم تقم حكومة الولاية بتوجيه كل الموارد المالية للاستفادة من النيل، ودعا هيئة مياه الولاية بتطوير المحطات القديمة التي تلبي الاحتياجات العاجلة لمياه الشرب وحفر الآبار الجوفية لخدمة الأحياء البعيدة من النيل، وحذر من اعتماد الهيئة على المحطات القديمة بالرغم من عدم قدرتها على خدمة الأحياء القديمة والتوسعات الحضرية الجديدة مشيراً إلى أن شبكات المياه التي تعمل حالياً كثيرا ما تتعطل.

معالجات الخرطوم
وكانت حكومة الولاية قد رصدت في ميزانية العام الحالي مبلغ 1,25 مليار جنيه لمشروعات المياه ضمن الخطة الإستراتيجية لمعالجة المشكلات الطارئة في إمدادات مياه الشرب واعتماد الولاية على النيل كمصدر رئيسي للمياه، وتم تكوين غرفة عمليات موسعة ضمت وزارات البنى التحتية والمالية وهيئة المياه للتحرك العاجل لمعالجة المواقع التي تعاني شحاً أو انقطاعاً في المياه وتم توجيه الهيئة بإعداد خطة إسعافية لموسم الصيف .
وتتجه الولاية لوضع خطة إستراتيجية تضمن استقرار كامل لانسياب مياه الشرب يكون أساسها الاستغناء عن المياه الجوفية والاعتماد على المحطات النيلية كمصادر لمياه الشرب بكل أرجاء الولاية.
وفي وقت سابق أعلن والي الخرطوم عبد الرحيم محمد حسين عن خطتين لمعالجة جذرية لمشكلات المياه الأولى قصيرة الأجل التي انتهت في أبريل الماضي وطويلة الأجل تنتهي خلال عامين.

اخر لحظة