تحقيقات وتقارير

نوبيو شمال السودان…أصحاب حضارات قديمة وتراث لا يندثر


النوبيون مجموعة من القبائل، تعيش في مناطق شمال السودان، منذ زمان قديم، يعود إلى ما قبل الميلاد بكثير، وتمتد مناطقهم من جنوب مدينة الخرطوم وحتى حدود السودان الشمالية مع مصر.

وهذه المناطق بقعة ثرة بالحضارات والإرث والتاريخ، وتقف الآثار بأهراماتها ومعابدها وقصورها وتماثيلها، ومن أبرزها تمثال الإله “آمون رع”، والذي وُجد في السودان أولاً ثم انتقل إلى مصر، تقف هذه الآثار اليوم شاهدة على عراقة وعظمة هذه الحضارة، حيث يعد السودان أول بلد في العالم بكثرة الأهرامات، وهي مدافن ملوك النوبيين قديماً وتحتوي على الكثير من أغراضهم التي تدفن معهم، حيث كانوا يؤمنون بوجود حياة أخرى بعد الموت. وفِي هذا الإطار، تحدث لـ”سبوتنيك”، المحاضر بكلية اللغات، بجامعة أفريقيا العالمية، الدكتور هيثم بابكر، ويقول إن” أصل كلمة النوبة، تعني أرض الذهب، وهذا الاسم أطلقه اليونانيون أو المصريون، ولكن يعتقد بعض المختصين، إن هذا القول، ضعيف نوعاً ما، حيث مازال الاختلاف بين المؤرخين حول أصل التسمية بل بعضهم نفاه تماماً، وأبرز هؤلاء المختصين، البروفيسور حسن الفاتح قريب الله في كتابه (السودان دار الهجرتين الأولى والثانية للصحابة)، وأرجع نفيه لهذه الفرضية لعدم وجود مراجع تثبتها، وأيضاً لوجود النوبة قبل ذلك التأريخ بل قبل وجود المصريين في تلك المنطقة، ويرجح البروفيسور قريب الله، أن التسمية قديمة وهي تطور تاريخي لكلمة (نوباي).

حضارات السودان
© Sputnik.
حضارات السودان

ويضيف بابكر، أن النوبة ينقسمون إلى ثلاث مجموعات: الأولى، هم “الفاديجا” و”الكنوز”، ويقطنون في المناطق الحدودية بين السودان ومصر، والثانية هم “الحلفاويون”، و”المحس”و”الدناقلة”، ويعيشون إلى الجنوب من المجموعة الأولى، وهذه الأسماء ليست أسماء قبائل بالمعنى المتعارف عليه ولكنها أسماء مناطق عرفوا بها فيما بعد عليها، والمجموعة الثالثة هم نوبة دارفور وهم “البرقد” و”الداجو” و “الميدوب”، وهناك أيضا نوبة بمناطق جنوب كردفان ويسمون  ب”الأجن”، والمجموعتان الأخيرتان، نزحتا من شمال السودان إلى الغرب والجنوب منذ قديم الزمان، نتيجة حروب وعدم استقرار في الشمال، وإلى جانب كل هذه المجموعات تتشابه في  اللغة بينهم إلى حد كبير مع اختلاف يسير في بعض الكلمات والمصطلحات.

وفِي ذات المنوال، تبرز، الدكتورة في التأريخ، بجامعة الخرطوم، إنتصار صغيرون،  في حديث مع “سبوتنيك”، قائلة، “إن مناطق النوبيين بشمال السودان من المناطق المهمة في تاريخ البشرية، قامت فيها حضارة، تعد من أعظم حضارات العالم، وتمثل حضارة  “كرمة”،  قبل حوالي 3000 عام قبل الميلاد، أنتهت بقيام الدولة المصرية الثانية، حيث قامت بها ممالك عظيمة على مدى التأريخ، شكلت حضارتها وثقافتها الماثلة إلى اليوم، مثل مملكة “كوش” الأولى المتمثلة في كرمة، و”كوش” الثانية، المتمثلة في مملكة “نبتة” وممكلة “مروي”، ثم ممالك “نوباتيا” و”علوة “و”المقرة”، وقد حكم هذه الممالك ملوك عظام خلدهم التاريخ وأبرزهم (بعانخي) و(ترهاقا) و(شبتاكا).

وتضيف صغيرون، أن للمرأة النوبية، دور بارز في الحياة النوبية في الحضارات القديمة، الوقت الذي كانت تعاني فيه من الإضطهاد في بقية دول العالم، حيث يذكر التاريخ العديد منهن مثل (أماني شخيتو) و(أماني توري) و(أماني ريناس)، وهذا الإرث ما زال إلى يومنا هذا حيث للمرأة في السودان مكانة كبيرة في المجتمع مما مكْنها من تولي مهام عظيمة ومناصب عليا.

 

وتذهب صغيرون، إلى أنه بالرغم من قيام ممالك النوبة في شمال السودان، إلا أن نفوذهم وأثرهم أمتد إلى معظم أراضي السودان بحدوده السياسية الحالية، كما أمتد نفوذهم شمالاً حيث حكموا مصر فترة طويلة من الزمن، وكانت مملكة مروي (إحدى ممالك النوبة) قوة عظيمة ودولة لها اقتصاد مزدهر، حيث أمتاز النوبيون، بصناعة الحديد ومنها أنتقلت هذه الصناعة إلى باقي إفريقيا، وكذلك صناعة النسيج والذي ما زال موجودا في المنطقة إلى يومنا الحالي، بينما، ترى صغيرون،  أن من أسباب هذا الازدهار الاقتصادي، أن مروي كانت ملتقى عالمي ومركزاً تجارياً ولها علاقات دولية واسعة في ذلك التاريخ.

حضارات السودان
© Sputnik.
حضارات السودان

تشير صغيرون، إلى أنه، عندما دخل العرب المسلمون بلاد السودان، بقيادة الصحابي عبد الله بن أبي السرح، عبر اتفاقية الصلح (البقط)، ونشروا الإسلام حدث تمازج بين الثقافة العربية والنوبية، وتزاوج العرب مع النوبة، فآلت إليهم مقاليد الحكم فيما بعد حيث كان الملك يورث لابن الأخت، لذلك بالنظر إلى طريقة حياة النوبيين نجدها مزيجاً بين هاتين الثقافتين، وقد أهتم النوبيون كثيراً بالإسلام منذ دخوله إليهم وكانت خلاوى قبيلة المحس (جمع خلوة وهي مكان لتدريس القرآن الكريم وعلومه) ، من أول وأكبر وأهم الخلاوى التي نشرت الإسلام واهتمت بتحفيظ القرآن الكريم في السودان، كما خرج منهم دعاة كثر كان لهم دور بارز في نشر الإسلام في السودان ولعل أبرزهم المحسي (نسبة إلى المحس) الشيخ إدريس الأرباب، والذي يعرف في السودان بـ(سلطان الأولياء).

ويشرح الباحث في التراث النوبي، ومدير المنظمة النوبية للثقافة وإحياء التراث، الأستاذ محمد شريف، أن النوبيين، لهم إرتباط وثيق في حياتهم بالشيخ أو رجل الدين، حيث يعد الشيخ في المنطقة محوراً في المجتمع ويرجع إليه الناس لإستشارته في كثير من أمور حياتهم، ونيل البركة منه، لا سيما أمور الزواج والسفر والعمل وغيرها من الأمور الأخرى، كما أن الصلاة على النبي محمد صلى الله عليه وسلم، دائما تكون حاضرة بانتظام في ثقافة النوبين، خاصة في أغانيهم وترانيمهم في كافة مناسباتهم الإجتماعية.

ويضيف شريف، بقوله بإن الثقافة الفرعونية القديمة، نجدها حاضرة في جوانب عدة من عادات النوبيين، ومن ذلك ارتباطهم الوثيق بالنيل ويذهبون إليه في كافة مناسباتهم الاجتماعية من زواج وختان و وضوع وما شابه ذلك، حيث يبتغي النوبيون من النيل البركة والحفظ ويقال، إن هذه العادة مأخوذة من أجدادهم الفراعنة القدماء وبالتحديد من حادثة إلقاء والدة النبي موسى عليه السلام له في النهر على تابوت خوفاً عليه من فرعون.

ويواصل شريف، في حديثه، ويقول هناك عادة تسمى  بـ”الجرتق”، وهي عبارة عن  تتويج العريس في ليلة زفافه لعروسه، وبها الكثير من الطقوس المعقدة، مثل بأن يكون للعريس وزراء من أصدقائه أو من أقاربه، محاكاة لوزراء الملك، وعادة الجرتق هذه مأخوذة من مراسم تتويج الملوك عند اعتلائهم العرش، وهي عادة وإن كانت نوبية أصيلة إلا أنها منتشرة في كافة أنحاء السودان الآن وتمارسها معظم قبائل السودانية، وكانت مراسم الزواج لدى النوبيين في السابق، تستمر أياماً طويلة قد تمتد في بعض الأحيان إلى 45 يوماً، إلا مع تغير الأوضاع الاقتصادية الراهنة، تغيرت  هذه العادة كثيراً وتقلصت إلى يومين أو ثلاثة على الأكثر. وينبه شريف، بأن النوبيين يهتموا كثيراً بالغناء في كل مناسباتهم الاجتماعية حيث يغنون باللغة النوبية ولهم ايقاعات شهيرة عرفوا بها هي “الجابودي” و”الدليب” و”السيرة” وهو إيقاع حماسي ويستخدمون آلة (الطار) الإيقاعية و(الطنبور) الوترية،  وكذلك في الأتراح يمارس النوبيون الغناء ولكنه يسمى بـ”المناحة “، حيث يعددون فيه مآثر الميت وفضائله مع مصاحبة الإيقاع بالضرب على آلات (القرع) الإيقاعية، إلا أن هذه  العادة اندثرت الآن.

ويوضح شريف، أن  للنوبيين أكلات شهيرة عرفوا بها وأبرزها (القُرًّاصة)، وهي فطيرة سميكة تصنع من دقيق القمح، وهو الغذاء الرئيس للنوبيين، إلى جانب التمور، حيث يعتبر التمر من أجود الأنواع في السودان،  كما أن النخيل عندهم من مظاهر الاعتزاز اجتماعياً، وكل من يملك أشجار نخيل يعتبر من علية القوم، كما أكلات يشتهرون بها مثل: “التركين” و”الملوحة” و”الفسيخ”، وهي السمك المملح حيث يخزن في براميل كبيرة فترة طويلة من الزمن.

ولفت شريف، إلى فن العمارة لدى النوبيين، ويذكر أن في مناطق النوبة، وبالرغم من التقدم الحديث إلا أنها ما زالت محافظة على الأسلوب النوبي القديم حيث نجد الكثير من النقوش موجودة على المباني والتي تحوي رموزاً وأشكالا وأحرفا نوبية بعضها معتقدات والبعض بأشكال جمالية.

سبوتنيك


‫4 تعليقات

  1. متى يرعوى النوبيون ويكفون عن محاولات سرقة تاريخ السودان. يعتمدون على خلط الاوراق وتضليل المتلقين .. ومازال علماء التاريخ والاثار والمتخصصون يرددون ان النوبيين لا علاقة لهم بالحضارة الكوشية . وهم جماعة وافدة الى منطقة وادي النيل بعد سنة 350م اي بعد سقوط مملكة مروي وان اول دويلة لهم هي نوباتيا التي قامت بمساعدة الرومان على الحدود الشمالية لمملكة كوش للفصل بين كوش ومصر.

  2. لعن الله الحقد والحسد بدأ بصاحبه وجندله اى تاريخ واى سرقة يا زلمة ، هذا تاريخ منذ آلاف السنين قبل الميلاد تم اكتشافه واعادة تدقيقه وتوثيقه من قبل خبراء آثار من الغرب واتفق الناس جميعا على تاريخ السودان بالتوافق والتواتر وقد ينكر العين ضوء الشمس من رمد لا عافاك الله .

  3. بلاش حكاية دخول العرب دى لانكم لم تجدوا من العرب الا الاذلال والإهانة والانسان النوبى ظل حبيس وخادم فى بيوت المصريين لعقود طويلة إلى يومنا هذا ومازال يدفع ثمن تزوير وتغيير تاريخه العريق من قبل بعض القبائل المناسبة إليه وما اتفاقية اليقطين إلا دليل قاطع على هذا التاريخ الاليم ،،،،،،،