تحقيقات وتقارير

“104” أسرة بالعراء الساقية “31” باللاماب..( إزالة) تجعل الحسرة أكثر وضوحاً


مواطن: موقع الحي المتميز أسال لعاب البعض
زيارة واحدة تكفي لتبيان قساوة المشهد وبؤس الحال

عبد اللطيف: أقيم في المنطقة منذ (40) عاماً
الأرض في الأصل “حيازة زراعية” لمواطن نزعتها حكومة “نميري” عنه

المتأثرون : لم تقم أيَّ جهة رسمية بزيارتنا للوقوف على أوضاعنا
عم حمد : أمر الإزالة وقعه كان صعباً علينا

الحسرة هي العنوان الأكثر وضوحاً، وتبدو مرتسمة على وجوه قاطني الساقية “13” باللاماب ناصر، وأيّ حسرة تساوي فقدان الأرض والمأوى، لذا لا يمكنك إلا أن تتحسر، وتذهب بذهنك بعيداً لتتساءل عن دواعي حدوث ما سنورده في هذا القصة المؤلمة، فالداخل لحي اللاماب العريق بالخرطوم، وتحديداً بمربع “1” في جزء صغير منه يعرف بالساقية “31” تقابله مشاهد لا يمكن تصويرها لفرط قسوتها، “105” أسرة بحسب ما يقول لنا قاطنون بالحي، تمت تسوية منازلهم بالأرض، فافترشوا الأرض والتحفوا السماء، شيباً وشباباً، صغاراً وكهولاً، لا يدرون ماذا يفعلون، وإلى أين يتجهون بعد هدم كل منازلهم. قصدنا الحي المنكوب، فرأينا مشاهد الخيبة والحسرة بادية على الوجوه، والشمس تقترب من كبد السماء، فلم يعصمنا من أشعتها الحارقة شئ، ولا حتى العرائش البلدية “الرواكيب” التي اتخذها المواطنون سكناً يقيهم من أعين المارة وعابري الطريق كانت كافية، فيما تناثرت أثاثات المنازل بشكل عشوائي على الأرض، فلا مكان يحتويها، تساؤلات النسوة الحيرى، وخيبة الكهول، ونظرات الصغار البريئة كانت أقسى من التمعن فيها، لكنها اتفقت جميعاً على التنديد بقرار إزالة مساكنهم، وتركهم بلا رحمة تحت شمس حارقة بلا مأوى ولا نصير.

سكن قديم
عصية هي الحروف التي تصف واقع الحال، فتكفي زيارة واحدة لتبيان قساوة المشهد وبؤس الحال، فكان أن توجهنا وسط الأوساط، حيث كان هنا “منزل سابق” مكتمل البنيان، لكنه بات الآن محض كومة تراب، وأثاث متراكم، وسط عريشة من الحصير استقبلنا الكهل السعبيني محمود، وحكى بأسى عما حدث لهم، وقال إن المكان يقطنه هؤلاء السكان أنفسهم وبأسرهم الممتدة من أكثر من نصف قرن، وقال إن الأرض في الأصل “حيازة زراعية” كانت تتبع لأحد الأشخاص، مشيراً إلى أن الحكومة في عهد الرئيس الأسبق “جعفر نميري” نزعتها منه، مقابل تعويضه بأرض زراعية بمنطقة جبل الأولياء، فوافق على الأمر، وتمت تسويته ، مضيفاً، بعد نزع الأرض وتعويض صاحبها أصبحت الأرض ملكاً للدولة، لأنهم لم يتملكوا بعد أوراقاً رسمية لتمليكها لهم، مؤكداً على قيامهم بعدد من المحاولات على فترات متلاحقة لتقنين سكنهم بالحي، وترقيم منازلهم، وإحصاء ساكنيها، تمهيداً لاستخراجها، بيد أنه قال إن محاولاتهم المستمرة لم يكتب لها النجاح.

أصل الأرض
شأنها شأن العديد من مناطق الواقعة على منحنى النيل الأبيض، تعاني العديد من الأحياء بمختلف المناطق بالخرطوم من إشكالية عدم حسم ملكية الأرض، فالساقية المعنية كانت تتبع لشخص كورثة من عقود طويلة خلت، وتوارثها عنه أبناؤه وأحفاده، ونسبة لكونها أرضاً زراعية غير مستغلة، ومع تمدد العمران، واتساع حي اللاماب، وفدت بعض العائلات في ستينيات القرن الماضي وقطنت بالحي، فاتفق معهم مالكها على تسديد إيجارات رمزية، ومع كر السنوات وتقادم العهود أحاطت بالمربع منطقية سكنية ضخمة بات في وسطها، فعمدت السلطات لنزع الأرض من صاحبها، وتعويضه بأخرى زراعية أيضاً بمنطقة جبل الأولياء، في ذات الوقت الذي استمر فيه ورثته في تحصيل قيمة الإيجارات من القاطنين بالأرض، وهنا يقول أحد المتضررين بالإزالة من سكان المربع: إنه يعتقد جازماً أن تلك الرقعة الصغيرة باتت في موقع يسيل له لعاب المستثمرين، مشيراً إلى أنهم يسمعون عن خطط لتحويلها لمواقع استثمارية ضخمة ومتنزهات، مستغلين موقعه القريب من النيل، وكذلك وقوعه بمنطقة لا تبعد كثيراً عن وسط العاصمة، لافتاً إلى أن القضية بالنسبة لهم باتت ليست مع أحفاد مالك الأرض، بل باتت مع سلطات الأراضي نفسها، وقال إنها إن قامت بمهمتها بالفعل لما سمح لها ضميرها بتسوية منازل البسطاء بالأرض، وجعلهم نهباً للتشرد والضياع دون أدنى تفكير في حقوقهم الشرعية والقانونية، وحتى الإنسانية، داعياً سلطات الأراضي بالولاية للنظر لقضيتهم بعين الإنصاف، ولو بتمليكهم تعويضات بمواقع مناسبة، وقطع بأن الأمر ليس صعباً على الولاية، لجهة أن المتضررين ليسوا بكثيرين، وعددهم لا يتجاوز “104” أسرة.

تنازعات
في العام “2015م” أصدرت محكمة الاستئناف بالخرطوم قراراً قضى بوقف الدفع القانوني، في وقت قالت فيه: إن الطاعنين بينوا أنهم يقيمون في الساقية رقم “31” باللاماب ناصر منذ العام “1963م” كحيازة حتى “2015م” وعلم الطاعنون أن الساقية تم تخصيصها لجهات أخرى بقرار من مدير عام أراضي الخرطوم، مشيرين إلى أن مدير الأراضي امتنع عن منحهم قرار التخصيص، وكان ذلك في مايو من العام “2015م”، فتقدموا بطعن لوزير التخطيط العمراني بتاريخ “12 يوليو 2015م”، فأصدر الوزير قراراً قضى برفض تظلمهم، ووجههم باللجوء للقضاء إن أرادوا، منوهين إلى أن تقديمهم لدعواهم تم خلال القيد الزمني المسموح به قانوناً، وينطبق ذات الأمر على التظلم الذي تقدموا به، وخلصت المحكمة إلى الفصل بإلغاء قرار القاضي المختص المتعلق بشطب الطعن، وإعادة الأوراق لمحكمة الموضوع للسير في الدعوى، فيما يتعلق بقرار إلغاء تخصيص وتخطيط الساقية “31” اللاماب ناصر فقط، وصدر الحكم من قاضي المحكمة العليا ورئيس الدائرة “ناهد يونس محمد” في 19 ديسمبر 2016م.

أما العم حمد فقال إنه لا يدري ماذا يقول في الأمر، مشيراً لنا بأن ما نراه بأعيننا من أطلال كاف تماماً ليعبر أكثر من أيّ حديث، وقال إن أمر الإزالة كان وقعه صعباً عليهم، لا سيما وأن الصيف في عز اشتداده، وهم مقبلون على شهر رمضان، وبينهم أطفال صغار وكبار سن يحتاجون لرعاية.

مناشدة
في مستهل حديثه يناشد صديق كوكو حسن، وهو أحد قاطني الحي الذي بات بلا منزل يقيه وأسرته، يناشد المسؤولين بزيارة موقعهم والتعرف على مشكلتهم، ومن ثم الإسهام في وضع معالجات لهم، ووجه حديثه للقائمين على الأمر قائلاً: إن المسؤولية أمانة، وأنها يوم القيامة خزي وندامة، مشيراً إلى أنهم يقطنون بهذه المنطقة منذ ستينيات القرن الماضي، وآخرين سكنوا في السبعينات والثمانينات، منوهاً إلى أنهم كانوا مستأجرين للأرض بإيجار رمزي يسددونه لصاحبها “المرحوم أحمد التلب” وقال إنه صاحب الساقية “31” المعنية، وبعد وفاة المالك واصلوا تسديد الإيجار لورثته وأبنائه، مشيراً إلى أن مشكلتهم بدأت منذ حوالي العام “2015م”، حيث باتوا يعانون من الإزالات الفجائية التي تحدث لهم كل عام، منوهاً إلى قيام سلطات الأراضي في العام الماضي بإزالة بعض منازل المواطنين بالمربع بطلب من أحد أحفاده بحجة أنها تتبع لجده المرحوم مالك الأرض، وقال إن جهاز حماية الأراضي فاجأهم بإنذار في أبريل المنصرم يدعوهم فيه لإخلاء المنازل في مدة أقصاها أسبوع، معتبراً أن قرار الإزالة والإخلاء غير قانوني، ولا يتسق حتى مع الأعراف الإنسانية لأسر لديها أطفال صغار، ومنهم كبار السن والعجزة، لافتاً إلى أن لديهم قضية ما تزال بيد القضاء منذ عامين، ولم يُفصل فيها بعد بمحكمة الكلاكلة، وقطع بأن السلطات كان عليها اتباع القانون، وإجراء مسح اجتماعي أولاً يعطي كل ذي حق حقه، منوهاً إلى أن قرار المحكمة العليا صدر بإلغاء تخصيص الأرض لأيّ جهة أخرى، وبالتالي لا يحق لسلطات الأراضي الالتفاف حول الحكم القضائي والتصرف فيها بإزالة المساكن وتشريد ساكنيها، ووصف ما قامت به بأنه خرق واضح لحقوقهم، وقطع بثقتهم في نزاهة القضاء في إنصافهم ومنحم حقوقهم، مشيراً إلى أن تحليهم بمكارم أخلاق الشعب السوداني وقيمه السمحة منعتهم من القيام بأعمال شغب، وافتعال المشكلات، بالرغم مما تعرضوا له من ظلم واضح.

تجاهل اللجنة الشعبية
ويقول عبد اللطيف: إنه قطن بهذا المربع منذ الأول من يناير للعام “1976م” مشيراً إلى أن تلك الأرض كانت خلاءً وليست مأهولة كما هو الحال الآن، لافتاً إلى أن صاحبها قام بتأجير الأرض لهم، فشيدوا منزلاً عليها، واستمروا في سداد الإيجارات بشكل اعتيادي، مشيراً إلى أن الأرض بعد نزعها وتعويض المالك باتت أرضاً حكومية، مشيراً إلى أنهم الآن لا يعلمون الشخص الذي اشترى من صاحب الملك حتى نتعامل معه، ولا يمكن أن يأتي شخص ليفرض علينا ما يريد بزعم أن الأرض ملكه، مؤكداً أن صاحب الأرض لا يشتكي للحكومة، بل يشتكي للمحكمة، وهي بدورها التي توجه بحكم قضائي بالإزالة، وقطع بأن القضاء هو من يحكم بينهم، وليس جهات حكومية بلا سند قانوني، طالبنا بعمل دراسة للمواطنين ومعرفة مشكلاتهم وتعويضهم إن استدعى الأمر في حال رغبت الحكومة في الاستحواز على الأرض، ولكن لا يمكن نزع الأرض وإخراجنا خاليي الوفاض، وإن قالت الحكومة بأننا لا نستحق شيئاً في أرضنا فلتخبرنا حتى نتصرف، وتحسر على تجاهل اللجنة الشعبية لهم، مشيراً إلى أنها لم تزرهم، ولا لجنة الحي، ولا المعتمد، ولا أيّ جهة رسمية، مبدياً استغرابه لأن بعض المواطنين يقطنون بالمربع منذ أكثر من نصف قرن، ولا تهتم بهم الحكومة، ودعا السلطات الرسمية والمعتمد لزيارتهم، ومعرفة قضيتهم على الأرض بالاستماع لأصحابها من المتضررين، وتلمس مشكلتهم، والسعي لوضع معالجات تحفظ حقوقهم.

الخرطوم: جمعة عبد الله
صحيفة الصيحة


تعليق واحد

  1. يا ريت لو الصحفي اوضح للقراء اذا كان امكنه الحصول على تعليق من ناس الاراضي والتخطيط العمراني في هذه المصيبة التي حلت بهؤلاء الناس،،،
    يا أخي حتى ولو افترضنا جدلا ان كل هؤلاء الناس تعدوا على هذه الأرض ،،، فأين كنتم انتم بجبروتكم وكراكاتكم لمدة خمسين سنة ؟؟؟ وبعدين من ناحية دينية واخلاقية ومن شيمنا السودانية ان تجد لهم الارض والمأوى البديل قبل ان تهدم بيوتهم فوق رؤوسهم هكذا وكأنهم ليسوا ناس وبشر…
    بعض الناس في الاراضي والتخطيط العمراني في السودان يتعاملون مع المواطنين بمنتهى القسوة الغارقة في الفساد والمحسوبية والرشاوي ،، والقضاء يتعامل مع قضايا الهدم والإزالة بمنطق اللوائح والقوانين الجائرة دون اي اعتبار لوجهة النظر الشرعية والانسانية.
    هؤلاء الناس،، مسئولوا الاراضي والتخطيط العمراني كأنهم ما سودانيين وكأنهم لا ينتمون لجنس البشر ،،، الا يوجد بينهم رجل رشيد ؟؟؟
    الظلم ظلمات يوم القيامة ،،، حسبنا الله ونعم الوكيل…