تحقيقات وتقارير

(مطرة خفيفة) كشفت المستور.. قبل دخول الخريف.. مصارف أم درمان تحتاج لتصريف


الريف الجنوبي بيئة متردية ونفايات قاتلة
مواطنة: سوق أم درمان ما (بتمشي) والشعبي حدِّث ولا حرج

مؤسسات تصرِّف مياه الصرف الصحي داخل مصارف الأمطار
التوجس من الخريف يسيطر على مواطني مربعات أبو سعد

هيئة الأرصاد: نعمل في التوقع الموسمي مع دول الجوار

منذ الاربعاء الماضي وحتى صباح أمس هطلت أمطار في الخرطوم بمعدلات متفاوتة، وكانت أم درمان أكثر المحليات تأثراً.. وهو أمر يجعل المواطن يجدد السؤال كل عام مع بداية كل خريف .. كيف استعدت مصارف أم درمان، شلالات مياه أمطار الخريف؟… كخطوة استباقية وقبل أن يحين الوقت .. قرر محمد صالح (60) عاماً الرحيل وبدأ عناء البحث عن منزل للإيجار في الأحياء الآمنة بمدينة (أبو سعد) لم يكن إيجاد سكن جديد في هذا الوقت بالأمر (الهين) فقد اعترضت طريقه أطماع (السماسرة ) الذين لجأ إليهم، استغرقت العملية قرابة شهرين وفي كل مرة ترتفع قيمة الإيجار .. أحد اصحاب العقارات طرح له فكرة استبدال (البيت) الذي يمتلكه بآخر مع دفع فرق مالي أو بيع المنزل وشراء آخر .. لم يكن التنفيذ صعباً فقد وجد المشتري حاضراً لدى صاحب مكتب العقارات الذي قصده، تم بيع المنزل ذي الحوائط المتاكلة والأسقف المترهلة الكائن بمدينة (الصالحة هجيليجة) ريفي جنوب امدرمان بمبلغ (45) ألف جنيه، وعوضاً عنه حصل على منزل مساحته ( 350) بأبوسعد مربع ( 2) بزيادة في المبلغ .. فهدأت عاصفة البحث وسكنت نفسه لماذا ؟ .. لأن زواج ابنته المقرر له العاشر من يوليو القادم لن يواجه عوائق كما حدث العام الماضي في حفل زفاف ابنته الكبرى التي رقصت تحت زوابع الرعد ومياه الأمطار والرياح التي أسقطت (خيمة) الفرح المنصوبة في الساحة أمام المنزل على رؤوس الحاضرين وضربت إحدى ركائزها رأس (العريس) فأردته قتيلاً، فكان لابد من تغيير مكان السكن الى وسط المدينة حتى لا تدمعهم الأمطار مرة أخرى.

معاناة السنة
لم تكن أسرة محمد صالح وحدها المتضررة من مياه الأمطار بالريف الجنوبي فهناك عدد كبير من الأسر في حالة تأهب لفصل الخريف الذي يفاجئهم بأمطار غزيرة ..الريف الجنوبي الذي انطلقت منه جولة (الصيحة ) لترى عن كثب الاستعدادات التي تمت لاستقبال الموسم يحتضن كوارث الخريف سنويًا بسبب الإهمال وضيق الشوارع المليئة بالحفر، ويتذمر قاطنوه من كثرة النفايات التي سببت لهم الكثير من الأمراض منها فعند هطول أول مطرة ينتشر الذباب لتواجد النفايات مسبباً الإسهالات، كما أن المجاري التي تم حفرها ونظافتها قبل شهر أغلقت منافذها مجدداً لأن الأسر تتخلص من مخلفاتها المنزلية داخل المجاري التي تغطي سطحها أشجار (العشر) ولم تأت جهة لإزالتها، فإذا صادف وهطلت (مطرة) هذه الايام بالتأكيد ستتحول المنطقة الى مسطح مائي يصعب عبوره ، ولاحظت الجولة أن عمليات ردم الشوارع عبارة عن عمل طوعي بدأه المواطنون مبكرًا مع غياب كامل للمحلية، وحسب المواطنين قاطني الصالحة لا يجب أن يتوقف العمل في نظافة وحفر المجاري بل من المفترض أن تكون هناك متابعة من أتيام المحلية حتى عند دخول الموسم .

غرق ورحيل
وأفاد (إدريس النور) يسكن الصالحة مربع (10) المنطقة بحاجة لعمليات تنظيف وحمل النفايات التي تختلط بمياه الأمطار وتنتج عنها أمراض تفتك بالصغار والكبار، كما أن المجاري ما زالت مغلقة ومليئة بالأوساخ بفعل المواطنين الذين لا يحافظون على البيئة وتفادياً للأضرار التي تقع سنوياً هناك جهد شعبي مقدر من المواطنين لحماية أنفسهم وأراضيهم وأموالهم ليس في هجيليجة فحسب بل حتى في صالحة زلط والقيعة وغيرها من مناطق الريف، غير أن (مها عبد القادر) تقول: لا نجاة من السيول غير الانتقال إلى أماكن أخرى فقد أحدثت الأعوام الماضية الكثير من المشاكل بسبب عدم فتح المجاري الفرعية حيث أن المناطق تغرق نتيجة للأمطار القادمة من وادي السدير والترس جنوب أمدرمان فتعوق حركة السير ومرور العربات وتنهار المنازل التي لا تقوم لها قائمة على رؤوس الأسر .

المربعات وأزمة الخريف
من الصالحة انتقلت الجولة إلى منطقة المربعات غرب مدينة أبوسعد حيث يسيطر التوجس من الخريف على سكان مربع (34)، فهؤلاء الناس يقيمون في (عشش) صغيرة تجرفها مياه الأمطار القادمة عبر شارع المربعات من جهة مناطق (ود البشير) جنوب محلية أمبدة فتستقر عند أراضيهم وتكون مستنقعات يتوالد فيها الذباب والبعوض والضفادع ، فتتحول الشوارع إلى برك كبيرة يصعب المرورعبرها ويزيد من حبس المياه المباني الخرصانية التي أقيمت مؤخراً، وبحسب (عوضية آدم) من سكان المنطقة تقول: سنوياً يتضرر المواطنون من فصل الخريف حيث تسقط المباني ويتشرد السكان ولا توجد حلول في الأفق نظرًا لأن الخريف بات قاب قوسين ولا توجد مجارٍ بالحي ليتم فتحها والموجودة على أطراف الشارع الرئيسي دفنت نتيجة تراكم (التراب).

البنك العقاري ومشاهد مألوفة
ومن داخل منطقة البنك العقاري بأبوسعد عزت المواطنة نهى الخليفة عدم فتح المصارف الفرعية لحفر السكان لـ(سبتتنك) بالشارع مما يعطل عمل عمال المحلية لفتح المصارف وهذا ما يجعل الشوارع تمتلئ بمياه الأمطار في الخريف ويزداد معها توالد البعوض، انعطفت جولتنا نحو سوق الـ(15) ومربعات (16 ـ 17 ) بأبوسعد فالمجاري الموجودة مليئة مسبقاً بمياه راكدة مكونة طبقات خضراء على سطحها وتحيط بها الأكياس المتطايرة، هذه المربعات تحديداً عند هطول الأمطار تتحول لبحار لأنها تستقبل المياه القادمة من كل المربعات ولا يوجد بها تصريف جيد حتى اليوم .

شهادة رسمية
واستناداً لحديث محمد عامر عضو اللجنة الشعبية بمربع (16) أن الميادين بالمناطق الثلاث دائماً ما تمتلئ بمياه الأمطار مما يتسبب في توالد الناموس والضفادع ويصعب خروج الأسر من منازلهم وحتى المجرى الممتد من بداية مدخل المربعات وحتى نهاية الشارع تصريفه سيئ، والسبب لا يتمثل في سلوك المواطن الخاطئ المتمثل برمي الأوساخ بل للإهمال وعدم حفره وصيانته فهذه المجاري بحاجة للصيانة بشكل دوري لاستقبال الخريف، كما أن عدم انتظام حضور عربة النفايات ينعكس على الشوارع والمجاري والبيئة والشكل الحضاري للمناطق السكنية، والتقطت خيط الحديث المواطنة قسمة مركز لتشير إلى صعوبة التسوق بسوق الـ(15) في الخريف ففي كل عام تمتلئ مساحته بالمياه ولا يوجد حوله منفذ للتصريف كما أن الشارع الذي تستغله المركبات المتجهة إلى البنك العقاري عبارة عن طريق ترابي يتحول في الخريف إلى كتل من الطين وحفر تستقر عندها مياه الأمطار وهو بحاجة إلى سفلتة خاصة أن طوله لا يزيد عن نصف كيلو متر .

إعادة مراجعة
في طريقنا للخروج من هذه المربعات استوقفنا مجرى مياه (فتاشة) الممتد من بداية المحطة القديمة وحتى المربعات والبنك العقاري بمدينة أبو سعد بأمدرمان، هذا المصرف يشل حركة المرور وسير المواطنين سنوياً في موسم الأمطار، فسطحه مرتفع يكاد يتساوى مع طريق فتاشة الرئيسي، العام الماضي تسبب في سقوط عدد كبير من العربات داخله وأدى إلى خسائر مالية وجسدية، والطريق نفسه يعاني من ضيق المساحة ولا أحد يستطيع عبوره لأنه يغرق بفعل المطر ولليوم هذا المجرى يعاني من كثرة النفايات التي تغطي مداخله حيث بدأت المحلية منذ فترة في نظافته من جهة حي المغتربين مربع (20) ثم توقف العمل وعادت النفايات لتستقر عنده دون حراك، ويصعب الوصول إلى جامع يعقوب المطل على المجرى في الخريف لامتلاء مداخله بمياه الأمطار.

حوادث قاتلة
يقول الأمين عباس الذي يسكن الشقلة زلط إن الشارع لا يستطيع المارة وسائقو العربات تمييز مكانه من الزلط الأمر الذي يقود إلى وقوع العديد من الحوادث، ففي خريف العام الماضي شهد ذلك الشارع حوادث راح ضحيتها عدد من المواطنين لا نريد أن تتكرر الماساة فيجب العمل على نظافته وتوسعة عمقه من الداخل حتى تنساب المياه، ويرى أن منطقة أبوسعد بحاجة لعمل مصرف واحد كبير في امتداد طولي من المربعات وحتى النيل، وبهذا سوف تعالج مشكلة الخريف بأبوسعد عموماً.

القماير وأبوعنجة والإخفاق
خرجنا من تلك المناطق وتوجهنا نحو المصارف الرئيسية بمحلية أمدرمان للوقوف على ما تم فيها من عمل مجدداً وهما مصرفا (القماير ومصرف أبوعنجة) حيث ما زالت بحاجة إلى مراجعة ونظافة، خاصة مصرف القماير الذي تتجمع حوله النفايات، واختتمنا جولتنا الاستكشافية لوضع المصارف والمجاري بحديث لمصدر (الصيحة ) بمحلية أمدرمان قال إن نسبة (80%) من مؤسسات ومنازل المحلية تصرف مياه الصرف الصحي في مصارف الخريف الرئيسية والفرعية والوسيطة، وهناك نسبة (30%) من مياه السابت تنك يتم التخلص منها في المصارف والشوارع ، وهذه من الأسباب الرئيسية التي تؤدي إلى إغلاق المصارف وتتسبب في أزمة حقيقية في الخريف ، فهناك مخلفات آدمية تصل إلى النيل عبر المصارف ما تسبب في تلوث مياه النيل، وتجدر الإشارة إلى أن عدد المصارف الرئيسية بالمحلية تبلغ ثلاثة مصارف وهي مصرف القيعة ومصرف أبوعنجة ومصرف القماير، من المفترض أن تعمل على تصريف مياه الأمطار من المصارف الوسيطة إلى النيل، ولكنها تعمل على سكب المخلفات الآدمية وغيرها داخل النيل.

الأسواق تغرق
تواصلت جولتنا واتجهنا نحو الأسواق التي تصنف من أكثر المناطق المهددة بمخاطر الخريف تغير الأمطار ملامحها وتعوق عملية التسوق بالكامل بالتضامن مع النفايات التي تبقى شبه قائمة بحكم تواجدها الدائم فيها ـ فقد شهدت عملية التسوق داخل سوق امدرمان العام الماضي صعوبة بالغة حيث تم في ظل بيئة طينية سيئة مخلوطة بالنفايات ومخلفات المطاعم والكافتريات وامتلاء الشوارع الفرعية داخل السوق بالمياه التي أعاقت حركة الزوار واشتكى التجار من وضع السوق في الخريف إذ أنه يتحول لبركة تتجمع فيها المياه وتنبعث منها الروائح المزعجة والأمر يستدعي سفلتة مداخل السوق والشوارع الفرعية وطالبوا المحلية بالعمل على نظافة الشوارع لأنها تتحصل عوائد وجبايات ذات مبالغ مالية كبيرة دون توفير الخدمات .

بيئة متردية
ويقول التجار (إبراهيم أحمد ـ علي خالد ـ ياسين الزين ) إن سوق أم درمان من أكثر المناطق تضرراً في فصل الخريف بحيث يتحول موقعه إلى مستنقع كبير يعوق حركة المارة والركاب والسيارات ويخلق بيئة سيئة يتوالد بها الناموس والذباب ويرون أن هذه المنطقة تحتاج لتعلية الشارع وردم موقف المواصلات وإيجاد تصريف جيد لمياه الأمطار، لأنها تكبد التجار والمواطنين خسائر مادية كبيرة، واتفقت مع حديث التجار المواطنة مريم حامد التي قالت إن سوق أمدرمان في الخريف ما (بتمشي )، وفي كل عام يزداد سوءاً وطالبت المحلية بضرورة النظر في أمره لأنه السوق الكبير بولاية الخرطوم ويقصده الزوار من كل مكان ، من سوق أمدرمان إلى الشعبي (الملجة)، فبالرغم من كل الاحتياطات المتخذة من قبل السلطات المحلية تستمر محنة التجار بداخله متأسفين على وضعهم ومعلنين تخوفهم من الخريف الذي يعتبر الخطر الأكبر فحتى اليوم لم يتم تنظيم السوق بالشكل المناسب ولا توجد حماية لتجارالتجزئة والفريشة الذين يفرشون الخضار على الأرض، فالوضع بداخله حدث ولا حرج فما زالوا جالسين في تلك الرواكيب الصغيرة في العراء ويطالبون بالإسراع لتحسين وضعهم وإيجاد معالجات.

لم يحن الوقت
التنبؤ بمستوى هطول الأمطار مسؤولية الهيئة القومية للأرصاد الجوي قصدتهم (الصيحة ) لمعرفة قياساتهم لنسبة هطول (المطر) ومستوى الخريف بولاية الخرطوم خلال العام الجاري فأفاد بدر الدين خلف الله مدير الإعلام والعلاقات العامة بالهيئة أن العمل جار لعقد مؤتمرات وورش عمل بالتنسيق مع عدد من دول الجوار بخصوص التوقع الموسمي ومناقشة توقعات الخريف ومن ثم سيتم عقد مؤتمر بمشاركة الجهات المختصة الأخرى للإعلان عن تنبؤات الهيئة بأمطار ولاية الخرطوم .

إلى حين أن تعلن الأرصاد الجوية عن توقعاتها ـ ونسبة لأن الخريف يشكل أزمة للكثيرين تناشد (الصيحة ) المسؤولين بمحلية أمدرمان عقد اجتماعات لمواجهة كل الوضعيات المحتملة وتعبئة الجهود وتقديم المساعدات للمواطنين عبر نظافة الشوارع والمجاري والأسواق وحمل النفايات وقطع الأشجار من مداخل المصارف لينعم السكان بخريف آمن .

أم درمان: إنتصار فضل الله
صحيفة الصيحة