تحقيقات وتقارير

الوقوف في المنطقة الرمادية خطر على السودان


أمريكا تاريخياً في تحالف مع الحركة الإسلامية العالمية بل وساهمت بقدر كبير في نشاط مجموعات متطرفة تمتد جذورها الى الحركة الإسلامية الأم والتي كونها الإمام حسن البنا (4/10/1906-12/2/1949) في مصر تحت اسم حركة الإخوان المسلمين في مارس 1928 ، الإمام حسن البنا أغتيل بواسطة المخابرات المصرية والانجليز في 12 فبراير 1949.. بدأت حركة الإخوان قوية واستمرت حتى اليوم تحت شعارات محاربة المستعمرفي طمسه للهوية الإسلامية وكذلك العمل على إحياء الجهاد المسلح حتى تعود الشريعة الإسلامية لحكم دولة اسلامية كبرى لا تعترف بحدود جغرافية، لذلك كوّن الإمام حسن البنا جناحاً سرياً عسكرياً في الحركة وكان يحذر ويكرر عدم الإنسياق الى شعار (جهاد القلب) بديلاً (لجهاد السيف).
انتشرت حركة الإخوان المسلمين في كل ربوع مصر ودخلت معظم الدول العربية والإسلامية والسودان من بينها حتى اليوم.. أمريكا استفادت من نشأة الحركة الإسلامية العالمية واستعانت بها ودعمتها في محاربتها لانتشار الشيوعية وغزوها لدول شرق أوروبا، وآسيا، وافريقيا.. بدأ تبلور حكم الشيوعية في روسيا منذ العام 1903 عندما سمح آخر امبراطور روسي نيكولاس الثاني (1894-1917) بتكوين مجالس منتخبة ديمقراطياً من طبقة العمال والفلاحين تسمى السوفيتيات.. كونت هذه المجموعات حزب العمال الاشتراكي الديمقراطي الروسي في العام 1898م بعد اتحاد مجموعتين الأولى تسمى البلشفيك وتعني الأغلبية، والثانية المنشفيك في مدينة منسك في بلاروسيا.. المجموعة الأولى والغالبة كانت تحت قيادة فلاديمير لينين زعيم البلشفيك الذي قاد ثورة 1917 التي أطاحت بالإمبراطور نيكولاس الثاني.
واجهت ثورة البلشفيك مقاومة من الجناح الثاني ودارت حرب أهلية في روسيا (1917-1922)، انتصرت بعدها ثورة البلشفيك وتم إنشاء الإتحاد السوفييتي في 30 ديسمبر 1922 من خمسة عشرة دولة الى أن تم حل الإتحاد السوفييتي والعودة الى دُوله القديمة الخمسة عشر في ديسمبر 1991.. بعد موت لينين في 1924 واستلام استالين السلطة كاملة بعد القضاء على كل المعارضين حيث قتل مئات الآلاف وأخضع الإتحاد السوفييتي لحكم عنيف طبق فيه كل أهداف الإشتراكية الماركسية مما أدى الى نهضة غير مسبوقة للإتحاد السوفييتي في كل المجالات الاقتصادية والعسكرية، وأصبح الاتحاد السوفييتي قطباً ثانياً في العالم في مواجهة القطب الغربي بزعامة أمريكا، وتم انشاء حلف وارسو في 14 مايو 1955 والذي تم حله في 1 يوليو 1991. حلف وارسو كان من سبع دول هي: الإتحاد السوفييتي، ورومانيا، وبولندا، والمجر، وتشيكوسلوفاكيا، والمانيا الشرقية، وبلغاريا.. تم أنشاء حلف وارسو لمواجهة حلف الناتو الذي أنشيء في 4 أبريل 1949 من 28 دولة غربية بقيادة أمريكا.. لمواجهة المد الشيوعي وتنامي قوة الإتحاد السوفييتي العسكرية وضعت أمريكا أهدافاً عديدة لوقف هذا الانتشار الشيوعي، من بين تلك الأهداف دعم التيارات الإسلامية التي نشأت وتفرعت من حركة الإخوان المسلمين، لذلك دعمت وتحالفت مع تنتظيم القاعدة الذي أنشأه أسامة بن لادن في العام 1988..
أسامة بن لادن ولد في الرياض السعودية 10 مارس 1957 وأغتيل بواسطة المخابرات الأمريكية في باكستان في 2 مايو 2011 وعمره 54 عاماً.. دعمت أمريكا القاعدة في بداية الأمر للقضاء على نظام أفغانستان الموالي للإتحاد السوفييتي خاصة أيام حكم بابراك كارمال 1979-1989م عندما انسحبت القوات السوفيتية من أفغانستان، لكن واصلت دعمها لنظام الحكم فيها.. أنشأت أمريكا ودعمت حركة طالبان في العام 1994 حتى استولت طالبان على الحكم في 1995 وأقامت دولة اسلامية متشددة جداً.. تحالف أسامة بن لادن مع طالبان بعد اجباره على مغادرة السعودية عام 1992 ونقل رئاسة القاعدة الى السودان حتى مارست أمريكا ضغوطاً على السودان لاجبار بن لادن على مغادرة السودان في 1996 وانتقاله الى أفغانستان وإعلانه منها الجهاد والحرب على أمريكا، وقامت القاعدة بعدة هجمات انتحارية اشهرها تفجير سفارتي أمريكا في دار السلام بتنزانيا ونيروبي في كينيا في 7 أغسطس 1998 وفيهما مات أكثر من مائتي شخص والتي اتهمت فيها أمريكا السودان بتصدير مواد المتفجرات في الحادثتين من مصنع الشفاء في الخرطوم بحري، لذلك قامت بتفجيره في 20 أغسطس 1998 بصواريخ توماهوك.. أكبر عمل انتحاري قامت به القاعدة كان في 11 سبتمبر 2001 عندما دمرت طائرات يقودها انتحاريون من القاعدة برجي التجارة في نيويورك ومات فيهما أكثر من ثلاثة آلاف أمريكي خلال ساعات.. منذ ذلك التاريخ 2001 حتى 2011 صار أسامة بن لادن الهدف الأول في حملة أمريكا للقضاء على الإرهاب حتى تم اغتياله في باكستان في 2 مايو 2011 بواسطة القوات الخاصة الأمريكية.
هذا التسلسل في الأحداث يوضح التحول الأمريكي الكبير في محاربة التنظيمات الاسلامية الجهادية الانتحارية بجذورها الممتدة من حركة الاخوان المسلمين الأم المنشأة في مصر بزعامة الإمام حسن البنا في العام 1928.. والآن أصبحت جماعة الإخوان المسلمين جزءاً من التنظيم العالمي للحركة الاسلامية التي تحاربها أمريكا، لذلك أمريكا تقول انها لا تعادي الإسلام المعتدل وتركز كما هو في السودان على الطرق الصوفية المنتشرة فيه، وإن أمريكا في سياستها الحالية في السودان تسعى للحفاظ على نظام الإنقاذ بعد تعديله بإضعاف أو إزالة الحركة الإسلامية السودانية من سلطة الانقاذ فهي حين تضع في شروطها للتطبيع مع السودان المصالحة الوطنية الشاملة وبسط الحريات والتداول السلمي للسلطة تسعى الى إضعاف نفوذ الحركة الاسلامية الذي قامت عليه الإنقاذ منذ 1989، وأعتقد أنها نجحت الى حد كبير في ذلك إذ تم إبعاد كل القيادات المؤثرة القوية من أعضاء الحركة الاسلامية من السلطة التنفيذية السيادية والحزبية أمثال أستاذ علي عثمان، ود. نافع، ود.عوض الجاز، والزبير أحمد الحسن، وقطبي المهدي، وأمين حسن عمر، وتم اختيار الفريق أول بكري حسن صالح بصلاحيات واسعة غير مسبوقة كنائب أول لرئيس الجمهورية ورئيس وزراء قومي، في مجلس وزراء ضعُف فيه تمثيل الحركة الإسلامية، وكذلك الحال في المجلس الوطني والمجالس التشريعية. كذلك سعت ونجحت أمريكا في جر السودان الى تحالفات تعادي حركة الإخوان المسلمين- تحالفات مع السعودية، والإمارات، والكويت، والبحرين، أدخلت القيادة السودانية في حرج بالغ وصعوبة في التوفيق والاستمرار في تحالفاتها القديمة مع قطر وتركيا وإيران وأيضاً أدخلت السودان في مواجهة خطيرة مع نظام الحكم في مصر الذي يحارب الإخوان المسلمين بكل عنف والذي يتهم السودان بدعمه للإخوان المسلمين في مصر.. الإتهام الذي يتضح بجلاء في الحملة الإعلامية المصرية غير العادية على نظام الحكم في السودان وفي دعم سلفاكير في دولة جنوب السودان عسكرياً حتى يهدد حدود السودان الجنوبية عبر ثغرة قطاع الشمال في كاودا خاصة بعد انشقاق القائد عبد العزيز الحلو المفاجيء وإصراره على شعار تقرير المصير لجبال النوبة.
خلاصة القول أن (ركوب دربين) متناقضين فيه مخاطر على استقرار السودان-الصورة واضحة- إما درب أمريكا والسعودية والإمارات، والكويت، والبحرين أو (درب) قطر وتركيا.. هذا الوقوف في المنطقة الرمادية تسبب في تضاؤل احتمال رفع العقوبات الأمريكية وقائمة الإرهاب خاصة بعد بيان السفارة الأمريكية الأخير الأسبوع الماضي من تأكيد استمرار الموقف الأمريكي من السودان، وتسبب أيضاً في عدم وصول الدعم الاقتصادي العاجل من السعودية والإمارات.
يجب الآن الوقوف خارج المنطقة الرمادية والتحرك الثابت القوي الى أي من المحورين.. التردد وسياسة كسب الوقت (بركوب سرجين) فيها كل مخاطر عدم استقرار السودان وانزلاقه في الفوضى المدمرة والتاريخ لا يرحم.

اخر لحظة


‫2 تعليقات

  1. أختلف مع خلاصة المقال فالعلاقات بين الدول تقوم على تبادل المصالح والدول الناجحة هي التي تسعى إلى إقامة علاقات جيدة مع أكبر قدر من الدول الأخرى تتزايد فيها المصالح المشتركة ، والعلاقات لاتكون فقط على اساس ايديولوجي بل العكس الغالب فيها الجوانب الاقتصادية والامنية … الخ. الآن هل قطعت أمريكا علاقاتها مع تركيا وقطر من أجل إقامة علاقات مع السعودية والإمارات ؟ الإجابة لا فعلاقات أمريكا مع جميع هذه الدول أكثر من ممتازة طالما أن هنالك مصالح مشتركة بل أكثر من ذلك إن علاقات السعودية مع قطر تركيا علاقة طيبة طالما أن كل دولة تحترم سيادة الدولة الأخرى …

  2. المقال دا من اخر لحظة ام من اليوم السابع المصرية ؟؟ كلو معلومات خطأ وتحليل فطير واستنتاجات خاطئة . ورؤية مصرية للعالم . كيف جعلت السعودية والامارات في معسكر وتركيا وقطر في معسكر اخر ؟لعلمك ايها الغبي قطر الان اقرب الي السعودية من الامارات وكذلك تركيا . المشكلة فقط في الامارات ومحمد بن زايد الذي يري ان عدوه الاول في العالم هم الاخوان المسلمون .