تحقيقات وتقارير

ما بين بوابتي الدخول والخروج حكومة الوفاق الوطني.. مفاجآت لا تُرى بالعين المجردة


حمل التشكيل الوزاري الأخير مفاجآت متعددة تتوزع ما بين خروج غير متوقع لبعض الوزراء ودخول آخرين القائمة الوزارية بصورة مباغتة، بل لم يكونوا ضمن حيز التوقعات المفتوح على مصراعيه طوال الشهور الماضية والابقاء على أسماء كانت قاب قوسين أو أدنى من المغادرة، مع استبعاد أسماء أخرى كان يدور حولها رشح إعلامي مكثف بأنها ستكون ضمن توليفة حكومة الوفاق الوطني.

السيسي وشعيب وكمال عمر .. غياب (حكومي) رغم الترشيحات

عقب انتهاء عمومية الحوار الوطني في أكتوبر من العام الماضي التي أقرت مدة أقصاها ثلاثة شهور لإعلان حكومة الوفاق الوطني بدأت موجة من التكهنات تغزو وسائل الإعلام المختلفة حول أبرز القادمين والمغادرين للحكومة الجديدة ومع تطاول المدة الزمنية لإعلان الحكومة التي وصلت ما يقارب نصف العام ازدادت وتيرة الترشيحات للمواقع التنفيذية فكانت هنالك أسماء ثابتة وتتواجد بشكل دائم في قوائم الترشيح للحكومة الجديدة منهم كمال عمر الذي أشيع أنه سيكون قائداً لكابينة وزارة العدل بالإضافة للمرشح الرئاسي السابق فضل السيد عيسى شعيب الذي رشح لموقع وزارة الدولة بالعدل عطفاً على وجود دائم للتجاني سيسي في قوائم الترشيح، وبلغت الترشيحات مداها بأن وضع اسم السيسي كمرشح لشغل منصب رئيس الوزراء الذي يجلس عليه الفريق بكري حسن صالح حالياً، بيد أن هذه الأسماء خرجت عن التوليفة الحكومية الجديدة بصورة غير متوقعة.

بالعودة للأسماء المذكورة آنفاً نجد أن كمال عمر وجد حظاً من الترويج لإمكانية جلوسه في موقع وزير العدل، فمعظم التحليلات والآراء كانت تشير لدخول عمر لبرج العدل الفخيم وزيراً، بل حتى وزير العدل (المبعد) أبوبكر حمد نفسه اتهم كمال عمر بالسعي لتعطيل جلوسه في موقعه الذي كان يسعى إليه سابقاً حسب اتهام أبوبكر حمد. بالعودة لأبرز الأسباب التي دفعت بكمال عمر خارج حكومة الوفاق الوطني نجد أن إصرار الشعبي على تقديم أسماء غير مألوفة في الجهاز التنفيذي مع الدفع بالقيادات الصلبة نحو البرلمان لتشكيل معارضة دستورية شرسة، وقد كان ذلك من خلال إرسال كمال عمر وآخرين إلى قبة البرلمان ممثلين للشعبي داخل البرلمان، في ذات الصعيد كان رئيس حزب الحقيقة الفدرالي فضل السيد شعيب يتهيأ لدخول مجلس الوزراء، بيد أن المعايير التي وضعت لاختيار الوزراء باعدت بينه والمقعد الوزاري بحجة أن الرجل لا يحمل مؤهلاً جامعياً (بكالوريس)، وهو أقصى درجة علمية يمكن أن يحصل عليها من يرغب في الاستوزار كمعيار، إلا أن شعيب شن هجوماً لاذعاً على الذين وقفوا على امر اختيار الوزراء واتهم في تصريحات صحفية إبراهيم محمود وحامد ممتاز بالعمل على إبعاده من الوزارة.

فيما يخص رئيس حزب التحرير القومي التجاني سيسي فكانت الترشيحات تشير لجلوسه على موقع رئيس الوزراء أو نائب رئيس الجمهورية خاصة وأن اتفاقية الدوحة نصت على أن يكون نائب رئيس الجمهورية من إقليم دارفور، وتشير المعلومات المبذولة أن الحكومة عرضت على السيسي موقع نائب رئيس الوزراء بيد أنه تمنع ورفض قبول العرض ثم غادر للندن لدواعٍ مرضية، بينما يشير كثيرون أن الرجل غادر مغاضباً بسبب قطع الطريق أمامه ومنعه من الاستحواذ على أحد المناصب المرموقة.

تجدر الإشارة إلى أن حزب السيسي شارك بحصة مقدرة في حكومة الوفاق الوطني .

هاشم ومنان والركابي .. مفاجآت التشكيل الكبرى

ثمة عدد من الأسماء شكلت حضوراً مفاجئاً في التشكيل الحكومي الأخيرة، ولم تكن في الحسبان بأنها ستأتي على رأس قائمة حكومة الوفاق الوطني، من ضمن هذه الأسماء وزير الداخلية الفريق حامد منان الميرغني، ووزير المالية الفريق محمد عثمان الركابي، ووزير المعادن البروفسير هاشم علي سالم.

الشاهد في الأمر أن المفاجأة الكبرى كانت في الإتيان بالفريق حامد منان الذي لا يعرفه الكثيرون وزيراً للداخلية بعد إحالته على التقاعد من الشرطة، ولم يرد اسم منان ضمن قوائم الترشيح مطلقاً، كانت أبرز الأسماء التي رشحت لشغل منصب وزير الداخلية هو مدير الشرطة الحالي هاشم عثمان الحسين.

وبالعودة للوراء قليلاً نجد أن منصب وزير الداخلية ظل شاغراً منذ استقالة عصمت عبد الرحمن، وظل الوزير المناوب بابكر دقنة يدير تصاريف الوزارة حتى موعد ميلاد حكومة الوفاق، بالتالي كان لابد من اختيار وزير جديد يخلف عصمت في الوزارة، ولكن لم يكن في الحسبان أن يأتي منان وزيرًا للداخلية.

بالنسبة لوزير المالية وتكليف جنرال عسكري لشغل المنصب، كان ذلك من أكبر المفاجآت في حكومة الوفاق الوطني، لذلك سيكون الركابي أمام تحدٍّ حقيقي في إدارة ملف المالية بالغة التعقيدات والحسابات، أما منصب وزير المالية فكان من أبرز المرشحين لشغله وكيل الوزارة الحالي مصطفى حولي وزير الاستثمار السابق مدثر عبد الغني حول وزير المالية خاصة كل المعطيات تشير لإقلاع طائرة بدر الدين محمود من مجلس الورزاء على أن يخلفه أحد الاقتصاديين، فكانت المفاجأة هو خليفة من رحم المؤسسه العسكرية، بالنسبة لوزير المعادن الجديد هاشم سالم الأمين العام للحوار الذي شكل حضوره في قائمة التشكيل مفاجأة فكان كثيرون يتوقعون استمرار هاشم سالم في آلية الحوار حتى إكمال المهام المنوط بها وصولاً لمحطة 2020م وهو موعود الانتخابات العامة بالبلاد بيد أن سالم سجل اسمه من ذهب في قائمة حكومة الوفاق بدلاً من أحمد محمد صادق الكاروري الذي لم يتوقع أكثر المتشائمين مغادرته وزارة المعادن.

بدر الدين والكاروري وعمار.. الخروج عبر بوابة (الصدمة)..

ثلاثة أسماء لم يتوقع مغادرتها للموقع الوزاري وشكل خروجها مفاجأة للمراقبين أبرزهم وزير المالية بدر الدين محمود الذي قطع مدير مكتب الرئيس طه عثمان باستمراره في حواره مع الزميلة (اليوم التالي)، ولكن أشيع على ناطق واسع أن عملية خروج بدر الدين محمود من وزارة المالية أثارت لغطاً واسعاً داخل المكتب القيادي للمؤتمر الوطني، حيث انقسمت قيادات الحزب الحاكم لفريقين أحدهما يطالب بالابقاء على محمود، وآخرون طالبوا بمغادرته، فكانت المحصلة النهائية إبعاده من وزارة المالية.

بالمقابل يرى مراقبون أن ثمة متغيرات ربما ساهمت في بالإطاحة بالرجل خارج تشكيلة الحكومة الجديدة أبرزها إصراره أكثر من مرة على رفع الدعم عن المحروقات دون تقديم بدائل مقنعة الأمر الذي سبب صداعاً حاداً للحكومة في الفترة الماضية عطفاً على الارتفاع المتزايد لسعر الدولار وفشل وزارة المالية في كبح جماحه رغم المصدات الآنية التي وضعتها الوزارة أكثر من مرة، ولكن أسعار الدولار ظلت في تزايد مستمر حتى موعد خروج محمود من وزارة المالية، وأيضاً لم يكن مطروحاً أن يغادر وزير المعادن أحمد محمد صادق الكاروري موقعه خاصة بعد الإنجازات المملوسة في إنتاج الذهب ولكن هنالك بعض العوامل التي كانت حاضرة في المشهد ربما باعدت بين استمرار الكاروري في الوزارة منها قضية شركة أسبرين الروسية بالإضافة للتضارب في أسعار الدهب وفشل وزارة المعادن في إقناع المعدنين بأسعار مغرية تساهم في إيقاف تهريب الذهب للخارج، أيضاً من الأسماء التي كان يتوقع استمراره في الوزارة هنالك عمار ميرغني وزير الإرشاد والأوقاف ممثلاً للحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل فنحج ميرغني في فترة أقل من شهر في تنظيم الخطاب الديني بالإضافة للاستقرار في ملف الحج بالغ التعقيد والمتابعة اللصيقة لملف الأوقاف الذي أطاح بأكثر من وزير في أوقات سابقة، ويقول عمار ميرغني (للصيحة) إن قيادياً بارزاً بحزبه قام بإزاحته من المقعد الوزاري رغم أن مؤشرات بقائه في الحكومة كانت كبيرة بل قال إنه فوجئ بإبعاده ولم يخطر مطلقاً بالخطوة.

ابن عوف وياسر يوسف ومعتز … بقاء يهزم التوقعات

أيضاً هنالك بعض الوزراء كان يتوقع مغادرتهم مناصبهم بل كل المؤاشرت تشير لخروجهم من الوزارة يأتي على رأس هولاء وزير الدولة بالإعلام ياسر يوسف خاصة عقب إبعاده من أمانة الإعلام بالمؤتمر الوطني توقع كثيرون أن يشمل الإبعاد إزاحته من موقع وزير الدولة وأشيع على نطاق واسع أن يوسف غادر صوب مسقط رأسه القضارف مغاضباً بعد إقالته من موقعه في أمانة الإعلام وتوقع كثيرون أن تذهب حصة وزير الدولة بالإعلام لأحد أحزاب الحوار الوطني، بيد أن يوسف هزم كل التوقعات وحافظ على البقاء في منصبه، في ذات الصعيد توقع مراقبون أن يغادر الفريق عوض أبنعوف منصبه وزيراً للدفاع خاصة أن أبنعوف ألمح أكثر من مرة أنه غير راغب في الاستمرار، مع ذلك عاد أبنعوف وزيراً للدفاع، في ذات الوقت لم يكن وزير الكهرباء والموارد المائية معتز موسى ضمن قائمة الوزراء المرشحين للإبقاء في ظل المطالبات المتكررة بوزير مختص في شوؤن الكهرباء، عطفاً على ذلك فإن موسى فشل في إيقاف القطوعات المستمرة للكهرباء خاصة في فصل الصيف، بالتالي وضع مراقبون اسم موسى ضمن قائمة المغادرين للجهاز التنفيذي في الحكومة الجديدة ولكن يبدو أن حسابات أهل الوطني ساهمت في استمرار موسى في وزارة الكهرباء .

سر المفاجآت

يفسر المحلل السياسي عبد الماجد عبد الحميد المفاجآت التي حملتها طيات حكومة الوفاق الوطني لرغبة الحزب الحاكم في الاحتفاظ ببعض الكوادر، لذا جاءت التعديل محدودة في الجهاز التنفيذي تفادياً لحدوث انشقاقات داخل الحزب وأضاف الوطني شهد خلافات حادة حول التشكيل وكانت الموازنات الجهوية حاضرة في الصراع بدليل إبعاد ولاية الجزيرة من التمثيل الوزاري لضعف صوتها الجهوية داخل الوطني ومضى عبد الحميد قائلاً (للصيحة): الوطني فضل الاحتفاظ بالطاقم الحالي مع تعديلات طفيفة حتى انتخابات 2020م، وقال إن الصوت العقلاني داخل الوطني رحج كفة الإبقاء على بعض العناصر بدلاً من التعيير الشامل.

بالمقابل يرى المحلل الرشيد محمد إبراهيم أن سر المفاجآت غير المتوقعة يعود لطبيعة عمل حكومة الوفاق الوطني وشكل العناصر التي ستنفذ برنامج الحكومة خاصة أن الحكومة أشرف على اختيارها رئيس الوزراء من خلال اختياره للعناصر التي يراها حسب تقديره أنها ستساهم في إنجاح برنامح حكومته، وأضاف الرشيد لـ(الصيحة) عاملاً آخر ساهم في حدوث مفاجآت التشكيل الوزاري منها إن دائرة الاختيار للحكومة كانت ضيقة تضم الرئيس ورئيس الوزراء ومساعد رئيس الجمهورية، بالتالي ما سبق إعلان الحكومة من أسماء مرشحة في الحكومة وأخرى مرشحة للمغادرة مجرد تكهنات.

الصيحة