تحقيقات وتقارير

مرضى الفشل الكلوي بمركز بحري يتخوفون من فقدان حياتهم ويدقون ناقوس الخطر


مرضى الفشل الكلوي بمركز بحري يتخوفون من فقدان حياتهم ويدقون ناقوس الخطر
مريضة بالمركز: أدوية الغسل خارج التأمين وحقن الابيركس لا وجود لها بالمراكز
مريض بالفشل: البدرة المخصصة للغسل تستخدم لثلاثة أشخاص وتُعَدُّ يدوياً مما يعرّض حياتنا للخطر
طبيبة: نحن نعمل وفق الإمكانيات المتوفرة بالمركز وتقليل ساعات الغسل أفضل حل
مصدر مطلع: نقص مادة البدرة عام في كل المراكز وحتى الإمدادات الطبية لا يوجد بها

تتهاوى أجسادهم فوق ماكينات الغسل وتتصل أوردتهم بها عبر الأنابيب والتي تمتلئ بدمائهم لتدخل في هذه الماكينات وتغسل بالمواد الطبية (البدرة) لتقليل نسبة السموم والمواد الضارة لتعود مرة أخرى إلى الجسم، إنهم مرضى الفشل الكلوي والذين يعانون في صمت ويستكينون قرابة الأربع ساعات على الأسرة يقومون بعدها منهكي الجسم متعبين ومرهقين من جراء هذه العمليات والتي يخضعون لها مرتين أو ثلاث مرات في الأسبوع، وتكمن خطورة المرض في أن أي إخلال في ساعات الغسل أو أيامها قد يؤدي إلى مضاعفات خطيرة وارتفاع نسبة السموم في الجسم والذي يصبح مهددا لحياتهم وقد يودي بها، مما يجعل مريض الفشل الكلوي في حالة توجس وخوف دائم من أي تقصير أو قصور في عمليات الغسل أو في مواعيدها ولعل هذا هو ما جعل عددا من المرضى بمركز بحري لأمراض وجراحة الكلى يتخوفون من تقليص ساعات الغسل من أربع ساعات إلى ثلاث ساعات فقط، وتعبئة البدرة في ماكينة الغسل يدوياً عبر السسترات دون وجود فني أو مختص، وعدم توفر حقن (الايبركس) والتي تؤخذ بعد عملية الغسل بصورة مستمرة.

وقال المريض إدريس يوسف لـ(الجريدة): (اليوم تحديداً هنالك مشكلة في نظام الماكينات حيث تم تركيب الجهاز لبدء الغسل ولكن ولأكثر من ساعة ونصف لم يحضر المهندس المختص لتشغيل النظام، ليذهب هذا الزمن هدراً من زمن جلسة العلاج والتي تقلصت لثلاث ساعات بدلاً من أربع ساعات منذ شهر ونصف)، ولفت إدريس إلى أن البدرة المخصصة للغسل يتم إعدادها بطريقة يدوية ويغسل بها لثلاث أشخاص بدلاً من شخص واحد مما يساهم في زيادة نسبة السموم في الدم للمرضى، وأردف قائلاً: (إنه أصبح يعاني من ارتفاع نسبة السموم في الدم وارتفاع الكيريتنين ليصبح (15) والبولينا ارتفعت إلى (160) مما يؤكد عدم فاعلية غسل الدم لأنه لا يتم بالطريقة العلمية الصحيحة)، وطالب إدريس بعودة ساعات الغسل إلى أربع ساعات، ووصف المركز بأنه أصبح صالة مغادرة للآخرة وليس مركزاً للعلاج ومساعدة المرضى في تخفيف آلامهم ومعاناتهم، مشيراً إلى وفاة عدد من المرضى بالمركز مرجعاً أسباب الوفاة إلى مثل هذه المشاكل والتي تؤدي إلى ارتفاع نسبة السموم في الدم وتؤثر سلباً على صحتهم وحياتهم.

المعلمة وصال عبد القادر عثمان معلمة بمدارس الخرطوم شكت من عدم توفر العلاج ببطاقة التأمين الصحي، وقالت إن هذه الأدوية تباع خارج التأمين بالسعر التجاري مما يحول دون تمكنهم من شرائها لارتفاع أسعارها وعدم مقدرتهم لظروفهم المعيشية الصعبة، وقالت: “أتابع جلسات العلاج بالقسطرة وتحدث بها حالات التهابية مما يضطرني لاستخدام حقن المضادات الحيوية والتي تبلغ سعر الحقنة الواحدة منها (57) جنيهاً وتتم كتابة عشر حقن للحالة الالتهابية للقسطرة في الروشتة ولا أستطيع شراءها دفعة واحدة وإنما بما يتوفر لي من مال وهكذا”، وأوضحت أنها كمعلمة يتبع تأمينها لشركة شوامخ والتي لا تستوعب الأدوية العالية الأسعار ويقولون لها لا يتم صرف هذه الأدوية إلا بالبطاقة الولائية مما يتسبب لها في معاناة كبيرة، وأضافت وصال أنها تعاني كذلك من عدم توفر حقن (الإيبركس) وهي من الحقن المهمة لمريض الفشل الكلوي ومن المفترض أن يُحقن بها المريض بعد كل عملية غسل لتقوية الدم وهو حاليا غير متوفر بالتأمين وقد كان المركز يوفره لهم ولكنه منذ فترة غير موجود، وتابعت وصال قائلة: “حتى إذا ما تم توفيرها في الإمدادات الطبية فإن الحقنة الواحدة يبلغ سعرها (40) جنيها، وأنا شخصياً أخضع لثلاث عمليات غسل كلى في وأحتاج إلى (12) حقنة مما يضطرنى إلي شرائها بقيمة (480) جنيه شهرياً”، وناشدت وزارة الصحة بتوفير العلاج والأدوية بالمراكز تخفيفاً لمعاناة المرضى.

محمد إبراهيم الرشيد شكا كبقية المرضى في المركز من النقص الحاد في مادة البدرة والتي تؤثر بشكل مباشر على كفاءة عمليات غسل الكلى التي يخضعون لها، وقال إنهم تحدثوا مع إدارة المركز حول هذا الأمر والذي امتد لقرابة الشهر وتلقوا وعودا كثيرة لحل هذه المشكلة ولكن دون أن يتم حلها، كما لفت إلى حاجتهم لحقن الايبركس والتي تعمل على تعويضهم فقدان الدم جراء عمليات الغسل المتكررة، ونادى محمد بضرورة أن تلفت الدولة لمرضى الفشل الكلوي والذين يعانون الأمرّين من فقدان أعمالهم والتفرغ لعلميات الغسل المتكررة والدائمة مما يفقدهم موارد معيشتهم ويجعلهم في حاجة دائمة للمساعدة والإعانة خاصة مع غلاء أسعار الأدوية والتحاليل وغيرها، وأن توفر لهم على الأقل البدرة وحقن الإبريكس وهي من العلاجات المهمة والضرورية للحفاظ على حياتهم والتقليل من نسبة السموم في أجسامهم، ودعا وزارة الصحة وهيئة التأمين بإدخال علاج مرضى الفشل الكلوي جميعها في التأمين الصحي وتوفيرها في الصيدليات ومراكز الغسل حتى يوفروا لهم الوقت والجهد في البحث عنها في الصيدليات والإمدادات الطبية خاصة أن أجسامهم منهكة ومتعبة ولا طاقة لهم لإهدارها في الزحمة والمواصلات والسير لمسافات طويلة لشراء حقنة أو مضاد حيوي من المفترض توفيره للمريض في المركز التي يتعالج فيه،

وقال: آخر مرة قام بشراء حقنة الإيبركس كانت قيمتها (90) جنيهاً قبل أشهر وهو الآن لا يعرف سعرها لأنه لم يشتريها منذ فترة طويلة رغم تحذيرات الأطباء من مغبة عدم حقنها للمريض بعد عملية الغسل ولكن (ما باليد حيلة)، هكذا ختم حديثه معي وهو ممدد على السرير تحيط به أنابيب مكنات الغسل التي تحمل دمه لغسلها وإرجاعها مرة أخرى لجسمه المنهك والتعب جراء هذه العمليات الصعبة والتي لا يكاد يقوى على احتمالها إلا من تجلد بالصبر والإيمان ولعل هذا ما لفت انتباهي في مرضى غسل الكلى في المركز والذين يجمعهم هذا الصبر والجلد على الرغم من نحول أجسامهم وشحوبها ولكن تعلو على محياهم الابتسامات وتلمع في عيونهم بريق الأمل في انفراج قريب لمعاناتهم ومشكلاتهم الصحية والحياتية.

فيما قالت الطبيبة بالمركز نمارق عبد الكريم إنهم كأطباء أو ممرضين لا يد لهم في مشكلات نقص البدرة أو حقن الإيبركس وأنهم يعملون بحسب الإمكانيات المتوفرة لهم ويلتزمون بزمن الغسل المحدد بأربع ساعات، وفي حال وجود نقص يتم اتخاذ معالجات بتقليص عدد ساعات الغسل للمرضى على الرغم من آثارها السالبة عليهم ولكنه أفضل من عدم الغسل نهائيا، وأشارت إلى ضرورة أن يأخذ المريض حقن الإيبركس لتعويض الدم بعد عملية غسل الكلى وفي حال لم يحقن المريض بها باستمرار بعد كل عملية غسل فقد يحتاج إلى نقل دم لتعويضه عن نقص الدم للحفاظ على حياته، ونصحت مرضى الفشل الكلوي بالالتزام بالتحاليل والعلاجات الشهرية المحددة من قبل الطبيب حتى يستطيع التدخل وإجراء اللازم للمريض والوقوف على حالتهم الصحية باستمرار، حاثة المرضى على الالتزام بنصائح الأطباء فيما يختص بالأغذية خاصة أن كثيراً من المضاعفات التي تحدث لهم ناتجة عن عدم الالتزام بالنظام الغذائي والتحاليل المحددة ممايسفر عنه تدهورا لحالة المريض ووفاته في بعض الأحيان، وقالت إنهم يضعون لكل مريض في المركز نظاماً صحياً وغذائياً محدداً يجب عليه الالتزام به حفاظاً على صحته وحياته، كما أكدت نمارق على وجود اختصاصية تغذية في المركز موجودة بصفة مستمرة لخدمة المرضى ولنصحهم ولمساعدة الأطباء ووضع برنامج غذائي لهم.

وأكد مصدر مطلع بالمركز – رفض ذكر اسمه – عن عدم توفر البدرة في الإمدادات الطبية نفسها وفي عدد كبير من المراكز وليس مركز غسل الكلى ببحري فقط الذي يعاني من النقص في البدرة، وأرجع هذا النقص إلى عدم التزام الشركة الموردة لها، وعن شكوى المرضى من الإعداد اليدوي للبدرة بواسطة الممرضات ونقص زمن الغسل قال إن هذا هو الحل الوحيد لحل المشكلة لأن إعداد البدرة وحلها في كيسها نفسه ووضعها في الماكينة أفضل من إعدادها وحلها في (الجركانة) مثلاً لأنها بالتأكيد تحتوي على ميكروبات ستؤثر على صحة المرضى سلباً وتُسبِّب لهم أمراضاً، ولم يُبدِ تعاطفاً مع المرضى الشاكين من تقليل ساعات الغسل بل قال إن الدولة توفر لهم غسلاً مجانياً يكلف (1000) جنيه للمرة الواحدة في المراكز الخاصة وهم يتمتعون بعدد (8) غسلات مجانية شهرياً لا توفره أي دولة من دول العالم، فماذا لو تعرضوا لنقص في مادة البدرة أو عدد ساعات الغسل لفترة محدودة وهذا ليس سبباً للتذمر والشكوى، وقال: “سيتم حل هذه المشكلة قريباً وستعود الأوضاع إلى طبيعتها ولا يوجد مبرر للقلق أو الخوف”.

الخرطوم: عواطف إدريس
صحيفة الجريدة