تحقيقات وتقارير

مطالب حكومية بمغادرتها (يوناميد) … بقاء رغم العجز


يتندر أهالى دارفور في أحاديثهم بقوات البعثة الأممية والأفريقية المشتركة لحفظ السلام في دارفور (يوناميد) بالمثل الشعبي القائل (جابوه فزع بقي وجع) للتعبير عن حالة الضعف التي أظهرتها قوات (يوناميد) المصنفة كأكبر بعثة أممية من نوعها في العالم. ويقدر عدد أفراد البعثة بأكثر من (30) ألفاً من الجنود العسكريين والشرطة والموظفين من مختلف الجنسيات بميزانية تبلغ (640) مليون دولار سنوياً. وتأتي هذه السخرية من حالة العجز والفشل التي لازمت بعثة (يوناميد) منذ بداية دخولها العام (2008) في أداء مهمتها التي كلفت بها في دارفور وعلى رأسها حماية الأهالي الذين تسلحوا بقناعة راسخة ومؤكدة جعلتهم يسخرون من وجود هذه القوات بينهم وهي تظهر عجزاً كاملاً ليس في أداء مهمتها فحسب، بل حتى حيال حماية أفرادها الذين فقدت العديد منهم بأسلحة المتفلتين الذين تحولت القوة وآلياتها صيداً سهلاً لهم.

في إحصائية غير رسمية، قدر المتعرضون لاعتداء من قوات هذه البعثة بما يقارب الثلاثمائة توزعوا بين قتيل ومختطف من ضابط وجندي وموظف مدني ومراقب. وتعرض جندي نيجيري الجنسية بالبعثة يوم (الاثنين) للقتل على يد مجهولين بالمنطقة الصناعية في نيالا حاضرة ولاية جنوب دارفور، وتم نهب السيارة التي كان يستقلها. وواضح من سياق الخبر أن عملية استسلام قد تمت من قبل هذا الجندي ولكن رغما ذلك تم قتله ونهب سيارته من قبل المجهولين.

مثار دهشة
الخبر عاليه، يؤكد عجز هذه القوات الذي أصبح بيناً أمام الأهالي لدرجة انها لا تستطيع أن تتحرك من مكان إلى آخر إلا بحماية الجيش السوداني، وهذا ما يجعل الكثير يتساءل وهو يشاهد هذه القوات تسير في حماية الشرطة الأمر الذي يجعله يضرب كفا بكف وهو يتساءل كيف يمكن أن تسمي هذه قوات حفظ السلام .

مطالبات بالرحيل
ظلت الخرطوم على الدوام تطالب الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة بضرورة سحب (يوناميد) من دارفور، باعتبارها أصبحت عبئاً على الحكومة السودانية لدرجة عجزها عن حماية نفسها وتتنقل في المدن مخفورة بالشرطة.

وتنادي الخرطوم بإستراتيجية مشتركة لخروج آمن وسلس لقوات (يوناميد) من دارفور معتبرة (يوناميد) بأنها تشكل أكبر عائق في طريق العملية السلمية وساهمت في تعقيد الأوضاع .

اتهامات متكررة
يوجه المسؤولون في ولايات دارفور أصابع الاتهام علناً في الاجتماعات المشركة للبعثة واتهام أفرادها بسرقة واختطاف السيارات من قبل أفراد البعثة أنفسهم مشيرين الى أن غالبية موظفي البعثة هم من أصحاب السوابق وأن الفساد الإداري داخل أروقة البعثة أدى إلى تعقيد الأوضاع.

أخطر الاتهامات
وأكثر الاتهامات إثارة وغرابة تلك التي أدلت بها المتحدثة باسم بعثة (يوناميد) عائشة البصيري بعد استقالتها من منصبها، وتحدثت عن تقارير داخلية خاصة بالبعثة كشفت أن بعض الدول المشاركة في مد البعثة بالجنود والعتاد خاصة من إفريقيا، تتربّح من ذلك بإرسال جنود غير مدربين، وبعتاد متهالك، في وقت أحجمت فيه الدول المقتدرة عن مدّ البعثة بآليات وتجهيزات تساعدها على أداء مهامها. وأرجعت البصيري فشل وضعف (يوناميد) أن مجلس الأمن كان على علم مسبق بأن البعثة فاشلة قبل أن ترسل إلى دارفور. أما بالنسبة لأفراد قوات الـ(يوناميد) الأفارقة فهذه البعثة بالنسبة مجرد إغتراب لجمع أكبر كمية ممكنة من (الدولارات الأمريكية) والرجوع إلى بلادهم ليعيشوا حياة الأثرياء ورجال الأعمال.

بلا طائل
يقول النائب البرلماني المستقل عن دائرة عد الفرسان جنوب دارفور محمد طاهر عسيل أن هذه القوات عجزت عن القيام بأي دور من المهام التي من أجلها دخلت لدارفور في مقدمتها المراقبة ورفع تقارير لتقييم الأوضاع ، لكن تطور الأمور أدخل القوات في إشكالية كيفية حماية نفسها، وظلت هذه الجدلية حول مهمة قوات دائرة لأكثر من ست سنوات.

ويضيف طاهر في حديثه مع (الصيحة) إنه في نهاية المطاف لم تحدد أي مهمة بعينها لهذه القوات ـ ويشير إلى أن مواطني دارفور لديهم قناعة راسخة بأن هذه القوات فشلت في القيام بمهامها في حماية المواطنين وحتى نفسها من الهجمات التي تشن عليها وأفقدتها عديداً من منسوبيها. ويعود عسيل قائلاً إنه في النهاية التزام حكومة السودان مع الأمم المتحدة والاتحاد الافريقي . مشيراً إلى أن رؤيتهم كمواطنين بأن ما أنفق من أموال على إبقاء هذه القوات منذ عشرة أعوام في دارفور، وميزانيتها تعادل ميزانية دولة، ولو صرف على السلام والتنمية لانتهت الحرب لكن هذه أموال مهدرة بلا فائدة.

ويمضي عسيل رغم مطالبة الحكومة بخروج هذه القوات منذ فترة طويلة لكن كل عام يجدد لها، وهذا يعني أن الحكومة غير جادة في مطالبتها بخروج (يوناميد) ما يضع علامة استفهام ، مقابل الوضع الإنساني والأمني على الأرض. ويوجه عسيل أصابع الاتهام لـ(يوناميد) بأنها (تفبرك) تقارير مخالفة لما هو على أرض الواقع بأن تقول أن هؤلاء النازحين أن مناطقهم غير آمنة ولا يمكن أن يعودوا إليها وهذا طبعًا في مصلحة (يوناميد) وليس المواطن الذي عاد الكثيرون منهم إلى قراهم. ذات الاتهام وجهه عسيل لمسؤولين بأن لهم مصلحة تجارية في استمرار (يوناميد) مستفيدين من استئجار عقارات للبعثة وهناك من هو مستفيد من فرق العملة.

فشل مجافٍ
رفض المحلل السياسي المختص في الشأن الدارفوري- عبدالله آدم خاطر- وصف (يوناميد) بالعجز أو الفشل في تأدية مهامها وقال لـ (الصيحة) في النهاية هذه القوات جاءت بموجب اتفاق تم بين الحكومة السودانية والاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة لتنفيذ أغراض محددة منها المراقبة وكتابة تقارير عن الأوضاع وخدمة المجتمع، لكن الحديث عن فشلها مجافٍ لمهمة هذه القوات التي تعمل في ظروف صعبة يمكن أن تفقد فيها أحد أفرادها أو أن يتعرضوا للإهانة. ويشير خاطر إلى أن هذه القوات تحولت لعامل من عوامل النزاع وليس طرفاً مراقباً بسبب ما تعرضت له، جاءت للمساهمة في حل النزاع وليس تصعيده . ويمضي قائلاً الحديث عن عدم مقدرتها على حماية نفسها ومطالبة الحكومة بخروجها وخاصة هي تتحدث عن أن الوضع مستقر لكن الاعتداء على هذه القوات ليس من المصلحة ويعتبر نوعاً من عدم الاستقرار الذي دائماً ما يستخدم مبرراً لبقاء هذه القوات والتجديد لها ، ومهمة الحكومة هي المنوط بها حماية المواطن و(يوناميد) مهمتها مراقبة ذلك ، وهذا الاعتداء يستخدم مؤشراً على أن المواطن غير محميٍّ لذلك توقع أن يجدد لـ(يوناميد).

الخرطوم : الطيب محمد خير
صحيفة الصيحة