مقالات متنوعة

من لم يمت بالبمبان مات بالكوليرا


* وأخيراً جداً اعترف وزير الصحة الاتحادي بحر إدريس إبوقردة، إن الاسهالات المائية، التي اجتاحت البلاد، تسببت في مصرع وإصابة أكثر من 16 ألف شخص في 11 ولاية تصدرتها النيل الأبيض بعدد (4512) حالة، فيما سجلت ولاية الخرطوم 19 حالة وفاة و878 إصابة، خلال 10 أشهر، بلغ عدد الوفيات فيها 265 حالة وفاة، مقابل 16 ألف و121 إصابة في 11 ولاية ابتداءً من اغسطس 2016م، وحتى الوقت الراهن.
* أبوقردة حذر من ظهور وبائيات جديدة اذا لم توفر مياه آمنة صالحة للشرب، مع توقعه بالأسوأ مع قدوم فصل الخريف، وأرجع الأسباب في الانتشار من ولاية النيل الأبيض لمتاخمتها دولة جنوب السودان.
* حديث الوزير ابوقردة ينطبق عليه المثل القائل (أن تأتي متأخراً، خيراً من أن لا تأت)، بينما ظل وزير صحة الخرطوم مامون حميدة غارقاً في عجرفته الزائفة التي جاءت بفضيحة إصدار تعميم داخلي من المدير الطبي لمستشفي يستبشرون التابع له بعدم قبول أي حالة إسهال مائي بطوارئ المستشفي نهائياً، وفي تصريحه لصحيفة أخرى بأن موضوع الاسهالات المائية ليس من اختصاصه.

* وكيف يكون من اختصاصه إذا كان تخصصه وهو وزير صحة العاصمة الخرطوم تجفيف المستشفيات الحكومية التي كان يقصدها الفقراء واجبارهم على السعي للأطراف أو ولوج المستشفيات الخاصة والتي ظل سيادته في حالة استثمار متواصل فيها.
* حميدة (سقط) في امتحان الإنسانية وامتحان الوزارة وامتحان الأخلاق، ونجح تماماً في إدارة استثماراته في المجال الصحي، ولم يعنه أن يموت كافة سكان الخرطوم أو السودان بالاسهالات او الكوليرا أو حتى الأيدز، فصحة المواطن حقيقة ليست من اختصاصه.
* والدولة ممثلة في رئاسة الجمهورية (سردبت) وطنشت انتشار الوباء القاتل وفتكه بمئات المواطنين رغم تزايد حالات الوفاة والإصابة، وظلت في حالة مماطلة في إعلان السودان منطقة موبؤة بالكوليرا خوفاً من العزل دولياً، رغم أن هذا القرار وإن حدث أفضل بكثير من الفتك بأرواح الأبرياء.

* المبادرات والجهود الشعبية التي انتظمت الأحياء منذ فترة مؤكد ليست كافية ما لم توازيها حملات توعية وإعلان صريح من الحكومة للمواطنين، وما كنا نتوقعه من الحكومة لكبح جماح هذا الوباء هو الإعلان الرسمي بإعلان حالة الطوارئ في كافة وسائل الإعلام، وخاصة القنوات الفضائية المشاهدة بكثرة في شهر رمضان، فلا معنى لمتابعة برامج الغناء والمسابقات والترفيه السمج، ومئات المنازل تنوح ويرتفع صوت الثكالي فيها لفقد عزيز، وآلاف المنازل تنتحب سراً خوفاً من مصير محتوم ينتظر مريضها.
* توقعنا أن يتم قطع هذه البرامج المشاهدة بإعلانات توعوية لكيفية الوقاية من المرض، ومجابهة انتشاره، وإعلان الاحصاءات الدقيقة حتى يعي المواطن القابع بمنزله حجم الكارثة التي تنتظره، وتوقعنا أن تكون خطب الجمعة في المساجد اليوم بكافة مساجد السودان في إطار التوعية بمخاطر الوباء، واستنفار كافة الجهود الرسمية والشعبية لدحره ولكن خاب ظننا كالعادة، وقبل ذلك على وزارة الصحة تقديم عقار الوقاية المتمثل في (حبوب) صغيرة لكافة البصات السفرية القادمة من جنوب السودان والمناطق المتاخمة للمرض، وحتى للمسافرين من الخرطوم للولايات وحتى الخارج، منعاً لانتشار المرض.

* الحكومة شغلت المواطن بقضايا انصرافية على شاكلة تصدير إناث الإبل، وتهديدات حزب الصحوة وموسى هلال بتصفية رموز الحكم بالسودان، وقرار وزير العدل بإخلاء مباني اتحاد الكرة بالقوة الجبرية، وغيرها من القضايا التي لا توازي حجم الكارثة الصحية التي ترفض الحكومة الاعتراف بها.
* على المواطنين رفض سياسة الحكومة بكافة الأشكال واجبارها على تحمل مسؤولياتها تجاهه بشتى السبل وأياً كانت النتائج.
* ومن لم يمت بالمبان والرصاص، مات بالكوليرا.

بلا حدود – هنادي الصديق
صحيفة الجريدة