الصادق الرزيقي

مهمة مستحيلة


على طريقة الفيلم الأمريكي الذائع الصيت ( مهمة مستحيلة Mission impossible ) للمخرج براين دي بالما الذي لعب البطولة فيه الممثل الأسترالي توم كروز، تبدو مهمة شبه مستحيلة يقوم البروفيسور إبراهيم غندور وهو يهبط القاهرة اليوم في زيارته الرسمية التي تم تأجيلها الأسبوع الماضي،

لإنهاء حالة التوتر القائمة بيننا ومصر جارتنا الشمالية وقد وصلت العلاقة معها الى الحضيض ، ويجب أن نعترف أن ما وصلت إليه العلاقة من تدنٍ في مستواها، وتعقيد في ملفاتها باتت في حاجة ماسة إما الى تحرك أكبر وفاعل لإنهاء خلافاتها او الارتكاز على حقيقة أن النظامين في البلدين لا يمكن أن يلتقيا او يتعايشا معاً مهما بُذلت من أسباب التهدئة . فالخرطوم لن ترضي على الإطلاق عن سلوك القاهرة معها والقاهرة لن تتخلى عن ما تفعله تجاه الخرطوم ، هكذا علمتنا التجارب .

> سيحمل معه البروف غندور كل الملفات ، بما فيها الملف الأخطر حول الدعم المصري الأخير للحركات المتمردة في دارفور والسلاح المصري والمدرعات والمصفحات التابعة لجيش مصر ، ومعلومات أخرى موثَّقة ودامغة لا يمكن دحضها ، ستقابل القاهرة هذه المعلومات والملفات كما هو معروف بالإنكار ومحاولة التبرير غير المقنع ، وإذا حدث ذلك سيتبخر كل أمل في التفاهم بين البلدين في الهواء ، وليت البروف غندور آذان القاهرة تصغى إليه بقلب وعقل مفتوحين في قضية حلايب وهي عقدة العلاقة السودانية المصرية وسيتكرر الموقف المصري المعروف الرافض للتفاوض الثنائي بين الجانبين لحلها او الذهاب للتحكيم الدولي .

> بقية الملفات سواء أكان احتضان المعارضة السودانية او قضايا مياه النيل التي باتت تتحرك بها الاتصالات والنشاط السياسي والاستخباري المصري في بعض دول المنطقة وتنشأ بها محاور وتحالفات جديدة تمتد من إريتيريا حتى جنوب السودان وبعض قليل من دول الحوض، وكلها تستهدف ما تعتقده مصر أن هناك تحالفاً سودانياً إثيوبياً حول سد النهضة ، فليس لدى القاهرة كما نعلم ما يمكن أن تقدمه للخرطوم ، فمواقف مصر ثابتة لم ولن تتغير ، نحن لم نلمس منذ مفتتح عقد التسعينيات من القرن الماضي رغبة مصرية في إنهاء نشاط المعارضة السودانية وإغلاق مكاتبها ومنع تحركاتها خاصة المعارضة المسلحة المتمثّلة في حركات التمرد بدارفور والحركة الشعبية قطاع الشمال.

> سيجد البروف غندور نظيره المصري سامح شكري في وادٍ آخر، يحاول تغيير دفة المباحثات بطرح الهم المصري وصرف الأنظار عن ما طرأ في علاقة البلدين من تدهور ، فالقاهرة الرسمية مشغولة بحروب متوهمة في ليبيا ضد تنظيمات لولبية غير منظمة لا يمكن للضربات الجوية أن تنهي وجودها ، فالكل في القاهرة اليوم مخمور بما يقوم به سلاح الجو والقوات الخاصة المصرية على الأرض الليبية المنتهكة والمنهكة ، وستحاول القاهرة صرف نظر البروف غندور عن محاولة الجانب المصري الهروب للأمام وعدم مواجهة الحقائق وجر السودان الى الرمال المتحركة المسماة الحرب على الإرهاب في ليبيا ومراقبة الحدود الثلاثية المشتركة بين السودان ومصر وليبيا او يفتح الجانب المصري وبقوة ، موضوع وقف وحظر المنتجات الزراعية والصناعية المصرية من دخول السودان ، وهو موضوع تتعرض فيه الحكومة المصرية لضغوط متواصلة من رجال المال والأعمال والمنتجين المصريين، وهناك من يعول في القاهرة على أن تكون في زيارة غندور بادرة لحل هذا الموضوع حتى يتراجع السودان عن قراره وهو أمر مستبعد حدوثه ولن يسمح السيد غندور بذلك .

> لو كان هناك أمل وتوجد رغبة جادة في حل القضايا العالقة والواقع المأزوم بين البلدين ، لقلنا إن الزيارة يمكن أن تحقق النتائج المرجوة وتنزع فتيل الأزمة ، ودعونا نستخدم كلمة طالما يرددها السيد وزير الخارجية في حالات مشابهة بأن الكل في السودان ( متشائل ) من واقع العلاقات السودانية المصرية .. لننتظر ما تسفر عنه زيارة غندور التي لم نكن نريدها أن تتم في مثل هذه الظروف وقد كتبنا في ذلك لكن يبدو أن تقديرات قيادة الدولة والوزارة كانت أرجح .

الصادق الرزيقي
صحيفة الإنتباهة